ماهر أبو شقرا من مجموعة "لحقي":المعركة ستشتد والقمع أيضاً

وليد حسين

الجمعة 2019/12/06
لم يكن أي من الناشطي السياسيين الشبان يتوقع انفجار غضب الناس المكبوت منذ سنوات، في ثورة أو انتفاضة شعبية كالتي اندلعت في 17 تشرين الأول 2019. وما زال من المبكر التكهن كيف يمكن أن تنتهي.

الثورة المؤجلة
هذه حال الناشط في مجموعة ناشطي "لحقي"، ماهر أبو شقرا، أحد مؤسسي المجموعة منذ نحو سنتين. وهي من المجموعات الأولى التي تحركت على الأرض، بعد فضيحة رفع الضرائب على اللبنانيين أثناء وضع موازنة الدولة العامة في 16 تشرين الماضي.  

تلقفت "لحقي" نبض الناس في تلك اللحظة، فدعت إلى اعتصام في ساحة رياض الصلح، وسرعان ما تحول حركة احتجاج أقفلت جسر الرينغ في بيروت نهار الخميس في 17 تشرين الأول.  

في حديث مطول أجرته "المدن" مع أبو شقرا، أكد أنه لم يكن يتوقع أن تندلع الانتفاضة في تلك اللحظة، على الرغم من قناعته أن الناس لا بد أن تثور في لحظة ما. لكن حوادث ووقائع كثيرة ساهمت في انفجار "انتفاضة 17 تشرين الثورية"، حسب تسمية أبوشقرا ثورة اللبنانيين الراهنة.  

وفي استعادته تلك اللحظة يقول: كنا قد قررنا الاعتصام يوم الإثنين. لكننا استبقنا ذلك الموعد، وبادرنا إلى التحرك الخميس في 17 تشرين، لأننا لاحظنا أن المسار العام للناس يستدعي التحرك الفوري. كنا قد أعددنا عريضة ليوقع عليها الناس الراغبين في الاعتراض والاحتجاج على الضرائب. وفي أقل من ساعتين وقعها أكثر من ستة آلاف شخص. علماً أننا في تحركاتنا السابقة لم نكن  نحصل على أكثر من ألف توقيع في أيام عدّة. لذا وزعنا حوالى الساعة الرابعة من بعد ظهر 17 تشرين الدعوة للتحرك في السادسة مساءً في رياض الصلح.

قي البداية كان عددنا قليلاً ذلك المساء، فانتقلنا إلى جسر الرينغ لقطعه وتعطيل حركة السير عليه، كي نستقطب وسائل الإعلام التلفزيوني وسواه. على الجسر فوجئنا أن كثيرين أخذوا يخرجون من سياراتهم وينضمون إلى المتظاهرين. وانتقلنا إلى منطقة الصيفي. وكان عددنا فاق الخمسمئة شخص. ثم ارتفع عدد المتظاهرين، خصوصاً بعدما أطلق مرافق الوزير أكرم شهيب النار في الهواء لتفريق المتظاهرين.

ثم خرجت جموع من اللبنانيين في المناطق إلى الشوارع، وراحوا يقطعون الطرق. وبعدما انضمت مجموعات عدة ناشطة في بيروت، سارت جموع من المتظاهرين إلى مصرف لبنان ووزارة الداخلية.

مساران يلتقيان وينفصلان
ما حصل في تلك الليلة - وفق أبو شقرا - لم يكن ثورة بالمعنى الفعلي للكلمة، لأن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، بحسبه، لم تكن واضحة، ولا احتلت الحيز اللازم أو المطلوب. ويرى أبوشقرا أن ما يميز "الانتفاضة الثورية" الحالية، هو تلاقي مسارين منحاها الزخم والقوة: مسار المجموعات السياسية والأحزاب المعارضة التي عادة ما تحصر عملها ونشاطها في الجانب السياسي وفي طرح الحلول. والمسار الشعبي الذي يعبر عنه الناس. وهو مسار احتجاجي ركيزته المسائل المعيشية والحياتية، ويسبق القوى السياسية ويتجاوزها.

في الحركات الاحتجاجية السابقة كانت مجموعات المجتمع المدني السياسية، تغرّد خارج سرب مطالب الناس الحقيقية. أما في 17 تشرين فقد تلاقى المسار الشعبي مع المسار الذي تعبر عنه المجموعات السياسية.

وها هي المجموعات اليوم، بعد نحو 50 يوماً من الثورة، تعود من جديد إلى الانفصال عن مطالب الناس. لقد انفصل المساران رويداً رويداً، وبتنا نلمس ضعف الزخم في النزول إلى الشوارع. فالمجموعات السياسية ما زالت ترفع الخطاب نفسه لـ 17  تشرين، مثل تشكيل حكومة مستقلة، فيما بات الناس منشغلين بالانهيار الاقتصادي.

وعندما دُعي الناس إلى اسقاط حكومة الضرائب، انضموا - وفق أبو شقرا - إلى التحركات، لأن خطاب المجموعات السياسي تلاقى مع معاناة الناس، وبات مطلبهم تشكيل حكومة مستقلة لحل الأزمة الاقتصادية، والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، وتعزيز استقلالية القضاء.

التمييز بين المجموعات
مجوعة "لحقي" رأت أن الناس يريدون تشكيل حكومة كيفما اتفق، لدرء الخطر المقبل. بمعنى آخر بات الناس على استعداد لتقديم تنازلات إلى السلطة، التي تعلم جيداً كيف تستغل الظروف المعيشية الصعبة. وهذا يعني أننا مقبلون - حسب أبو شقرا - على مرحلة قد ينفع فيها تخدير الناس بما تقدمه السلطة لتخفيف نبض الشارع وخنقه. لكن الانهيار الاقتصادي الشامل آت لا محالة، طالما أن السياسات الاقتصادية على حالها، ولن تقدم السلطة على أي تغيير في نهجها السابق. فالمتداول في المفاوضات الحالية لتشكيل الحكومة، يدل على أن لا تغيير في أداء الطاقم السياسي الحاكم.

ورغم قناعة أبو شقرا التامة بأن تأثير المجموعات في الحشد الشعبي محدود، يعتقد أن الساحة فرزت المجموعات لتتخذ كل واحدة منها حجمها: الشعبوية التي تستغل آلام الناس وتركب الموجة. والأخرى النخبوية المنفصلة عن الناس. وتلك المجموعات القاعدية التي تعبر عن قضايا حقيقية في الشارع وفي القطاعات المهنية.

ويرى أبو شقرا أن المشكلة الراهنة لا تكمن  في عدم التنسيق بين المجموعات، على ما يتصور البعض، والذين راحوا يطالبون بتأسيس هيئة قيادية موحدة، وما إلى هناك. على العكس من ذلك المشكلة تكمن في التنسيق الكثيف، لدرجة أن غرفة التنسيق جعلت المجموعات في مكان، والشارع في مكان آخر. لذا ثمّة مساعي لتأسيس تنسيق حقيقي بين المجموعات التي تمثل المناطق والقطاعات، وليس بين المجموعات الوهمية التي لا تعبر عن شيء. 

مأزق قطع الطرق
عن قطع الطرق واللغط الذي رافقه، لفت أبو شقرا إلى عدم وجود تجمعات نقابية حقيقية متماسكة تستطيع شل الحركة في البلد وتعطيلها. كان الهدف من قطع الطرق فرض الإضراب فرضاً على عموم الناس. لذا شيطنت قوى السلطة الثورة والثائرين. ورغم توقف الناس عن قطع الطرق، فإنهم يذهبون إلى هذا الخيار من تلقاء أنفسهم، عندما تستدعي الحاجة.

يعتقد أبو شقرا أن المرحلة المقبلة قد تشهد خفوت نبض الشارع، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة. لكن المعركة مع السلطة في المرحلة المقبلة ستشتد وتشهد المزيد من القمع. لكنها مرحلة ستشهد فرصة للعمل السياسي مع الناس. لذا ستركز "لحقي" في المرحلة المقبلة على أمور أساسية ثلاثة: العمل على إيجاد أطر اقتصادية معيشية بديلة في المناطق، مثل اقتصاد تعاوني ومؤسسات تعاونية منتجة، كي يستمر الناس مقيمين في مناطقهم، وتحصينهم في مواجهة مخاطر الانهيار الاقتصادي الشامل. وستعمل المجموعة على المستوى السياسي مع الناس، لتحويل المعركة لتصبح مع النظام السياسي، وليس مع الحكومة والسلطة. فمشكلة اللبنانيين مع نظامهم القائم على تحالف أوليغارشية حاكمة مع المصارف وكبار المحتكرين ومؤسسات دينية تفرق بينهم، لتبقيهم على ارتباط بالدولة عبر الطوائف وأجهزتها ومؤسساتها.

مساحات للنقاش العمومي
وستركّز "لحقي" على ضرورة البقاء في الساحات العامة ومساحات النقاش والتخييم. فرغم انتقادات كثيرة لعدم جدوى هذه الأنشطة، يعتقد أبو شقرا أن هذه المساحات باتت للتلاقي والتعارف بين الناس. ففي لبنان ليس هناك مساحات عامة مفتوحة، على غرار بعض الدول الأوروبية. والسلطة تتقصد عدم إيجاد مثل هذه المساحات. فالسلطة في لبنان تخاف من تلاقي الناس وتفاعلهم، لأن النقاشات العامة تساهم في خلق طاقة إيجابية ووعي جديد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024