استقالة الحريري: صفعة مدوية لنفوذ حزب الله في لبنان

سامي خليفة

الجمعة 2019/11/01

شكلت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، كما رأتها الصحف الأجنبية، صفعة مدوية لحزب الله، المتمسك بحكومة قادر أن يتحكم بقراراتها أو يعطلها. وهذا يعني بالضرورة دخول البلاد في مأزق جديد، كون الحزب يحاول الحفاظ على مكامن نفوذه السياسي، بينما يحاول أركان السلطة قاطبةً الخروج من أعمق أزمة يواجهونها بشتى الطرق.

دعوة للاستيقاظ
وصفت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية، استقالة الحريري، بالانتصار للمتظاهرين المناهضين للحكومة في كل لبنان. كما رأت بتنحيه دعوة للاستيقاظ بوجه حزب الله، الجماعة التي تتمتع بسلطة كبيرة في المنطقة وتعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية.

عزز الحزب نفوذه السياسي في الانتخابات التي جرت العام الماضي، مستخدماً السلطة في حكومة ائتلافية للحفاظ على ترسانة الأسلحة التي يقول إنه بحاجة لها في قتاله إسرائيل، وتحالف مع شخصيتان لا تحظيان بشعبية كبيرة، وهما نبيه بري وجبران باسيل.

يقول هيكو ويمين، من مجموعة الأزمات الدولية، للصحيفة، إن هذه التحالفات كانت مناسبة للحزب لكي يحافظ على نظام سياسي يحمي مصالحه. وأي تغيير في الوضع الراهن، يمكن أن يهدد كل ذلك. فالحكومة السابقة أمنت له الشرعية من خلال وجود أحزاب أخرى حمته من الولايات المتحدة وعقوباتها.

تحدٍ لحزب الله
وقد غطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية استقالة الحريري، معتبرةً أن ما جرى يعتبر تحد مباشر لحزب الله والتأثير الإيراني في لبنان، بعد أن عبر أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن معارضته لاستقالة الحكومة، خصوصاً أن حزبه جزء من التحالف فيها، محذراً في الوقت عينه من الحرب الأهلية.

واعتبرت الصحيفة أن الحكومة اللبنانية انهارت، وسط تراجع للدور الإيراني في الشرق الأوسط، ومع وجود جيل جديد لا يرغب في تأبيد سلطة قادة الطوائف الفاسدين، الذين يدفعون لأتباعهم ليحصنوا أنفسهم، وهم راغبون باختيار حكومة تحترمهم، ومتعبون من التلاعب الإقليمي في بلدهم.

رفض الهيمنة
من جهتها، رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن سقوط الحكومة يعني أن الشارع اللبناني يرفض أن تكون الدولة اللبنانية محسوبة على حزب الله، وتأتي كتحدٍ للأمين العام للحزب الذي رفض استقالة الحكومة أو الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة.

ووضعت الصحيفة ثلاثة سيناريوهات للخروج من الأزمة السياسية في لبنان، فإما إطالة عمر حكومة تصريف الأعمال الحالية، التي ستسمح باستمرار معادلة الحكم الراهنة، وتمنح الطبقة السياسية القدرة على استثمار وتوظيف مخاوف اللبنانيين من الفراغ السياسي، وإما الذهاب في اتجاه تشكيل حكومة من لون واحد، في ظل تنازع سياسي حاد. ويبقى السيناريو الثالث على شكل حكومة ثورة تُلبي تطلبات الشارع التي ارتفع سقفها وصارت تطالب بإسقاط شخص رئيس الجمهورية.

كلمة نصر الله
يمكن أن يمثل إعلان الحريري استقالته، حسب مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية، بداية لتغيير سياسي واسع النطاق محتمل في لبنان. حيث يريد المحتجون وضع حد للنظام السياسي الذي تستمد منه الأحزاب قوتها. وتمثل الاحتجاجات حركة وطنية متعددة الطوائف تطالب باصلاحات اقتصادية جذرية وتضغط من أجل تفكيك الميثاق الوطني لعام 1943 الذي أنشأ النظام السياسي الطائفي الحالي في لبنان.

ويرى المركز الأميركي أنه يجب متابعة خطاب الأمين العام لحزب الله يوم الجمعة، الذي سيعبر فيه عن موقف حزبه من استقالة الحريري. فالحزب هو الفصيل السياسي الأبرز، وهو يحاول الاحتفاظ بنفوذه والسيطرة على وزارة الصحة المهمة.

ستكون الانتخابات البرلمانية المبكرة فرصة للحركة الاحتجاجية، التي تضم قطاعات واسعة من المجتمع المدني اللبناني، لبناء أحزاب سياسية منافسة  للنخبة السياسية الراسخة. وهذا ما سوف يقلق المسؤولين في النظام الطائفي في لبنان، لأنهم في الوقت الحالي عرضًة للاتهامات بالفساد التي قد ترتد عليهم سلباً في صناديق الاقتراع.

أسوأ سيناريو
ودخلت الصحافة الإسرائيلية على خط تحليل خطوة الحريري. وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن مسؤولين إسرائيليين عبروا عن قلقهم من إمكانية سقوط لبنان في الفوضى. محذرين من أن استيلاء الحزب على لبنان يمكن أن يشكل تهديداً خطيراً لجارته الجنوبية.

وفي حديثٍ مع الصحيفة الإسرائيلية، اعتبر إسحاق ليفانون، السفير الإسرائيلي السابق بمصر ورئيس مكتب شمال أفريقيا ولبنان في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه من غير المرجح أن يكون لهذه الخطوة تأثير فوري على إسرائيل، لأنه لا يوجد أحد في هذا الوقت يستطيع أن يمس بحزب الله أو قوته العسكرية.

وحذر ليفانون من أنه إذا انحدرت البلاد إلى حالة من الفوضى، فمن المرجح أن يستخدم الحزب القوة العسكرية تحت ذريعة "إنقاذ لبنان من سفك الدماء". وسيكون هذا هو أسوأ سيناريو ممكن، بالنسبة للبنان والمنطقة بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص.

صداع خطير
هذا، واعتبرت صحيفة "التايمز" الإسرائيلية، أن ما قام به الحريري، إضافةً إلى الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد، تسببت بصداع خطير لكبار مسؤولي حزب الله.

ينبع رد حزب الله السلبي على الاحتجاجات، حسب الصحيفة، بشكل رئيسي من خوفه من أن تبقى الاضطرابات، التي تجتاح لبنان منذ 17 تشرين الأول، خارجة عن السيطرة. وبينما لا يمانع الحزب انتقاد الحريري في السراء والضراء، إلا أن تغيير النظام هو شيء آخر تماماً بالنسبة له.

يمثل النظام الفاشل الحالي، كما ترى الصحيفة، ضرورةً للحزب. فمن خلاله هو قادر على حكم البلاد وتحديد السياسات الخارجية والداخلية، مستفيداً من الفجوة الطائفية للحفاظ على سلطته. ومن شأن ثورة حقيقية في النظام السياسي اللبناني أن يغرقه في مستقبل مجهول، لا يمكن الجزم أنه سيكون مستفيداً منها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024