المستقبل يلملم نفسه: حزب الله مرتبك

منير الربيع

الأربعاء 2017/11/08

يوم اتخذت إجراءات خليجية بحق لبنان وحزب الله في العام 2016، وتم تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية، كانت الإشارة الأولى السعودية إلى اللبنانيين لتحقيق التوازن السياسي وعدم تسليم البلد لحزب الله. منذ ذلك الوقت كان واضحاً الإفتراق في التوجهات بين السعودية والرئيس سعد الحريري، الذي انتظر أشهراً ليبادر إلى ترشيح النائب سليمان فرنجية، ثم إلى انتخاب ميشال عون رئيساً. وافق السعوديون لقاء ضمانات قدمها الحريري، بعلى أن عون سيصطدم بحزب الله، مرّت سنة، ولم يتحقق ذلك، لا بل زاد حزب الله من سيطرته. ما دفع السعوديين إلى اتخاذ الإجراء الأخير.

في فترة الإجراءات الأولى، كان المطلوب سعودياً تعزيز جبهة داخلية عمودها الفقري تيار المستقبل لمواجهة حزب الله، لكن هذا لم يحصل. حاول الحريري إظهار موقفه الداعم للسعودية، بطريقة دبلوماسية غير مجدية، حين دعا إلى وقفة تضامنية، لجمع تواقيع مليون لبناني يشكرون السعودية ويعبرون عن موقفهم المتضامن معها. أقل ما قيل في تلك الخطوة أنها ليست عملاً سياسياً، والمطلوب هو موقف سياسي، وليس التعاطي مع السعوديين على طريقة تبويس اللحى، لأن المطلوب أفعال وليس شعارات وتصريحات.

كان واضحاً أن المراد هو الهروب من المواجهة. وهذا ما يتكرر اليوم في تعاطي كل الأفرقاء مع التطورات الجديدة. ففيما يلجأ لبنان إلى مشاورات بحثاً عن مخارج من الازمة، لا تُقارب الأسباب الرئيسية لها. المشاورات تدور في مكان فيما حقيقة الأمور في مكان آخر. لا شك أن الضياع سبب رئيسي في ذلك، وكما الجميع يعلن أنه بانتظار عودة الحريري، كذلك ينحسب الضياع على تيار المستقبل. الذي تتراكم لديه الصورة الضبابية، وعاش مسؤولوه ساعات صعبة، إلى أن ظهر الحريري مع الملك السعودي ثم أجرى لقاءات خارج السعودية.

في المستقبل، آراء متعددة. كثيرون يفضلون عدم المواجهة واسقاط التسوية، لأن ذلك سيرتد سلباً عليهم. وارتفعت أصوات كثيرين منهم بأن خطوة الاستقالة ستؤدي إلى تسليم البلد لحزب الله. فيما هناك من يعتبر أنه قد حصل خطأ في توفير مخرج الاستقالة. وهذا ما أحدث ارتباكاً لدى التيار الأزرق، وانعكس ضياعاً ووجوماً في جلسات كتلة المستقبل. لكن اليوم بدأ التيار يلملم نفسه، في محاولة للانتقال إلى المبادرة وليس إلى التلقي.  لكن، لا شك أن الأجواء التي حصلت كانت بحوزة بعض الصقور لديهم، لا سيما الوزير نهاد المشنوق، الذي أشار قبل ثلاثة أشهر، إلى أن لبنان سيتعرض لحصار خليجي ودولي سياسي وإقتصادي. بالتالي، منذ ذلك الوقت كان يجب إتخاذ قرار في المواجهة والتوازن.

يؤكد المستقبليون أن سفر الحريري خارج السعودية أراحهم جداً، وهو وضع حداً لكل التأويلات التي يجهد محور الممانعة على إشاعتها بأنه قيد الاعتقال أو الإقامة الجبرية. ويقولون: "لا يمكن لمعتقل أن يلتقي ملوكاً وأمراء ورؤساء ودول. وبالإضافة إلى لقائه ولي عهد إمارة أبو ظبي، سيلتقي تباعاً ملك البحرين وأمير الكويت والرئيس المصري. وهذه الزيارات لها دلالات كبيرة بأن خطوات التصعيد مستمرّة". في المقابل، هناك من حاول إثارة مسألة عودة مرافق الحريري الشخصي محمد دياب وحيداً من السعودية، وبقاء رئيس حرسه عبد العرب معه، والإصطياد بالماء العكر. ويعتبرون أنهم يريدون استغلال أي مسألة، لإشاحة النظر عن جوهر الموضوع.

هنا، يقول مسؤول مستقبلي إن الوضع الأمني للحريري دفع بالسعوديين إلى وضع فريق أمني يتكفل حمايته. لذلك، لا يمكن تحميل المسألة أكثر مما تحتمل. ويشيرون إلى أن الوضع أصبح أفضل بكثير من اليوم الأول للاستقالة، مشيرين إلى أن الصورة بدأت تتضح، وهي لا تخرج عن سياق التصعيد المقبل على البلد. ويعتبرون أن اللقاء بين وفد حزب الله ووزير العدل سليم جريصاتي، وما خرج عنه من تصريحات قالها جريصاتي بأن الحزب يريد السلم لا الحرب، وهو حريص على التهدئة، دليل على أن حزب الله يتهيب اللحظة، وبدأ يفكر بطريقة موضوعية خشية حصول أي تداعيات. وهذا يوضح من الذي في مأزق، ومن أصبح في موقع المبادر أو المهاجم.

لكن، لا شك أن حالة الضياع تبقى غالبة، لا أجوبة نهائية أو شافية عن الأيام المقبلة. فيما يشك المستقبليون باستمرار نصب الأفخاخ لهم، إن عبر الدعوات إلى الحوار أو المشاورات، أو عبر ما يحكى من تسريبات عن طرح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن تتولى النائب بهية الحريري أو نجلها نادر رئاسة الحكومة. وهذا يهدف إلى زرع الشقاق داخل العائلة الواحدة. وقد قوبل ذلك بالرفض القاطع. وهذا ما يرتكز عليه المستقبليون للتأكيد أن الأزمة عززت اللحمة داخل التيار، بدلاً من زيادة الشرخ والتباعد. ويعتبر المستقبليون أن صمت الحريري وتنقلاته وحيداً بلا مستشارين، لهما هدف أكبر بكثير من كل ما يحكى، وهو زيادة الارتباك في صفوف خصومه، والاسهام في ضياعهم أكثر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024