حتمية المواجهة مع سلطة الوقاحة والخبث

أيمن شروف

الأحد 2019/11/17
لا يُمكن وصف الحديث الجدي عن تسمية محمد الصفدي لتشكيل الحكومة الموعودة سوى بالوقح (سواء تم تكليفه أم لا). فائض الاستعلاء التي تتعامل به هذه السلطة مع اللبنانيين، تخطى كل تقدير. من اليوم الأول لانطلاق الثورة وهم، بدرجات مختلفة، يتعاملون مع الناس كما كان حالهم قبل 17 تشرين الأول 2019. الكثير من العنجهية، القليل من الاحترام لعقول الناس.

وقت لنهب المزيد
منذ أن بدأت التظاهرات في الشارع، لم تُقدم هذه السلطة على أي خطوة فعلية تستجيب للناس. كانت استقالة حكومة للهرب إلى الأمام. قبلها ورقة قيل إنها إصلاحية، لكنها فعلياً كانت استمراراً لسياسة الاستدانة، ومحاولة ماكرة لشراء الوقت وتأجيل الانهيار الاقتصادي الوشيك لأشهر أو سنة أو أكثر. فعلياً كُل ما تريده هذه الطبقة السياسية هو المزيد من المساحة للمزيد من النهب. قارب ديننا العام المعلن 90 مليار دولار، ويريدون نهب المزيد.

نهج عنجر
ما يحصل هو محاولة استنزاف الناس. لكنها تُخّبئ في طيّاتها نوعاً من انعدام الأخلاق في التعاطي مع اللبنانيين. وهذا لم يأت من عدم، بل له أسبابه الكثيرة: أوّلها وأهمها الحياة السياسية غير الصحية التي تحكمت بلبنان منذ ما بعد الحرب الأهلية إلى يومنا هذا. 15 سنة من وصاية للنظام السوري حوّلت، بالتكافل مع الحكام اللبنانيين، مؤسسات الدولة إلى وسائل ربحية للوصي وللمتعاون. وبدل أن تكون مؤسسات خدماتية للبنانيين، صارت مقسمة على الطبقة الحاكمة لتُثبت وجودها في بيئتها الطائفية/المذهبية، فيما كانت عنجر تدير هذا التدمير المُمنهج، وتعمقه بخبث منقطع النظير.

دخول أشرف الناس
بعد العام 2005 وخروج الوصي من لبنان، صار السياسيون يتقاسمون الغنائم من دون دفع الجزية. وسريعاً دخل عليهم عنصر جديد: حزب الله الذي تعفف، حتى وقت قريب، عن المشاركة في الحكم، فترك لهم أمور الفساد، صورياً. انشغلوا هُم في ما يُجيدونه، وانشغل هو في إحكام قبضته على البلاد والعباد والمؤسسات، الخدماتية والأمنية والقضائية وغيرها. هذا كله كان يجري على قدم وساق، حتى في عز الانقسام اللبناني. فالاتفاق الضمني على هذا النهج، لم تُقوضه كل المعارك السياسية والعسكرية التي قسّمت اللبنانيين وساهمت في تعميق الشرخ بينهم إلى حين قيام ثورة 17 تشرين، التي نجحت حتى الآن في ردم الكثير من الخنادق التي حُفرت بين فئات مجتمع حولوه إلى تكتلات متناحرة جاهزة للانتحار في كل حين.

هذا النهج، استمر بعد تسوية عام 2016، فصار الجميع شركاء في عملية النهب الممنهج لمقدرات الدولة. وهذا ما استدعى التعامل غير الأخلاقي مع الناس المنتفضين لاستعادة أبسط حقوقهم. الناس خرجوا إلى الشوارع  يطالبون بالمحاسبة. وهم، في عروشهم يُنكرون لضمان الاستمرار على النهج نفسه.

محمد الصفدي؟
هو شريك شريكهم، والفاعل في شراكتهم طوال هذه السنوات. المتعدي على أملاك الناس البحرية، والغارق مثلهم في عمليات هدر المال العام.
محمد الصفدي؟
تاجر السلاح في ما يُعرف بـ "يمامة غايت" والملياردير الخارج من أفقر مدينة لبنانية: طرابلس، بوصلة الثورة. ويريدونه رئيساً فوق رؤوس الناس، ولكل واحد منهم مُراده في هذه التسمية. ولعل أهمهم، حزب الله الذي سيعود من خلاله إلى الحكومة، ولا يريد أن يبقى خارجها مهما كلّف الأمر. وهناك جبران باسيل، الذي يريد أن يكسر إرادة اللبنانيين، ليستمر في الحكم، وإن ليس بشخصه "الكريم".
محمد الصفدي؟
الوقاحة التي يتعاملون بها مع اللبنانيين لا حدود لها. والوقحون لن يسمعوا شيئاً، لن تصل إلى آذانهم معاناة الناس ولا أوجاعهم. هم في مكان آخر تماماً. سيستمرون في ما يُتقنونه، ليبقى التحدي المفصلي في أن يستمر الناس بما صاروا يُتقنونه بعد 17 تشرين: الاعتراض، ثم الاعتراض. المطالبة بما هو حق بديهي. الحياة، هذا كل ما يريدونه. بعد شهر من بدء الثورة، المنتفضون يُدركون أن المواجهة حتمية، وأن التراجع يعني الانتحار. المواجهة حتمية، وكل ما يُقال غير ذلك تفصيل تزيّن به السلطة خبثها. المواجهة حتمية، حتى إسقاط آخر مرتشي في دولة مُتخمة بصغار النفوس، بمنعدمي الأخلاق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024