رؤساء الحكومة: لاحترام قوة التوازن لا توازن القوى

المدن - لبنان

الإثنين 2019/06/03
بعد سلسلة من التصريحات والتصرفات والأفعال السياسية (والقضائية) التي مثّلت تطاولاً وتجييشاً وتحريضاً طائفياً وفئوياً، على رئاسة الحكومة وتيار المستقبل وقيادة الأمن الداخلي وشعبة المعلومات، وإزاء الضعف في رد الفعل المناسب عليها، يبدو أن بعض الشخصيات السياسية استشعرت بخطورة ما يحدث.

ربما لهذا السبب، عقد رؤساء الحكومة السابقين، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، اجتماعاً بعد ظهر اليوم الإثنين، في دارة الأخير. تداولوا فيه الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة من مختلف جوانبها. 

قمم مكة
وعقب الاجتماع، صدر عن المجتمعين بيان عبّروا من خلاله "عن أملهم بأن تحمل الأيام المقبلة بشائر البدء باستعادة الدولة اللبنانية لدورها، وحضورها، وسلطتها الكاملة على جميع مرافقها، وعلى كامل الأراضي اللبنانية، بما يسهم في تعزيز الأمن والأمان والسلام لدى اللبنانيين. ويبعث على تحقيق العافية الاقتصادية والمالية والنمو المستدام والازدهار للبنان".

وتطرّق المجتمعون إلى القضايا التالية:

"- أولاً: الترحيب بانعقاد مؤتمر "وثيقة مكّة المكرمة" من كبار علماء الأمة الإسلامية، لإرساء قيم العيش المشترك بين أتباع الأديان والأعراق والمذاهب المختلفة، في البلدان الإسلامية. من جهة أولى. وإقرار مبدأ وممارسة المواطنة الشاملة في الدول الإسلامية وفي العالم، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة، من جهة ثانية.

- ثانياً: أثنى المجتمعون على انعقاد وعلى مقررات القمم الخليجية والعربية والإسلامية التي شهدتها مكّة المكرمة في اليومين الماضيين، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي القمم التي يؤمل أن يشكّل انعقادها ونجاحها بداية جديدة على المستويات الخليجية والعربية والإسلامية. إذ انبثق عنها موقف واضح وحاسم تجاه القضية الفلسطينية لجهة الرفض الكامل لقرار الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو بضم إسرائيل للجولان، وبكونها تعيد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية وعلى حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وهذا الموقف كان تأكيداً على ما قررته القمة العربية التي انعقدت مؤخراً في تونس، وكذلك في القمم العربية التي سبقتها.

الانحياز لـ"الإجماع العربي"
إلى جانب ذلك، فقد ثمّن المجتمعون الموقف الذي تكوَّن وأُعلنَ عنه في البيانات التي صدرت عن تلك القمم الثلاث، لجهة التأكيد على أنّ الدول العربية تسعى إلى استعادة الاستقرار الأمني في المنطقة، وهو الذي يمكن أن يتحقق عبر العودة إلى الالتزام الكامل والثابت بمبادئ احترام سيادة جميع الدول في المنطقة، ولحسن الجوار، والامتناع عن استخدام القوة، أو التلويح بها أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو انتهاك سيادتها أو تسليح الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، والامتناع عن تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية. وأكّد المجتمعون على أهمية تضامن وتكاتف الدول العربية بعضها مع بعض، في وجه الاعتداءات والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والخليجية.

- ثالثاً: أبدى المجتمعون استغرابهم وأسفهم للمواقف التي عبّر عنها سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، المعترضة والنازعة عن رئيس الحكومة اللبنانية حقّه في الإعلان عن موقف لبنان في مؤتمري القمتين العربية والإسلامية، لجهة التضامن مع الأشقاء العرب، ولاسيما وأنّ رئيس الحكومة هو الذي أولاه الدستور الصلاحية في تمثيل الحكومة، والتكلم باسمها، وذلك وفقاً لما هو مبين في المادة 64 من الدستور.

من جهة أخرى، استغرب المجتمعون ما أدلى به سماحة السيد حسن نصر الله من مواقف تفرض على لبنان الانحياز إلى موقف دولة غير عربية في مواجهة الإجماع العربي.

"الطائف" والتوازنات الداخلية
- رابعاً: توقف المجتمعون عند مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2019، والذي أقرّته الحكومة اللبنانية مؤخراً. كما أكدوا على أهمية مبادرة مجلس النواب إلى دراسة مشروع قانون الموازنة بدقة وتمعّن، والعمل على إقراره بالسرعة المطلوبة، لكي تستفيد البلاد والاقتصاد الوطني من مردود هذه الخطوة. إلاّ أنهم شددوا على ضرورة أن تبادر الحكومة اللبنانية، وبالتلازم مع إقرار قانون الموازنة، إلى اعتماد السياسات والإجراءات التي تستعيد الثقة لدى اللبنانيين والمستثمرين والمجتمعَيْن العربي والدولي بالدولة والاقتصاد اللبناني، بما يسهم في استعادة الانتظام العام والعافية للمالية العامة والنمو الاقتصادي المستدام.

- خامساً: توقف المجتمعون عند بعض المواقف السياسية والممارسات المستهجنة التي أطلقها وقام بها بعض الوزراء والسياسيين، والتي تتقصد فتح سجالات وملفات خلافية، ليس من المفيد العودة إلى فتحها وإثارتها، وقد جرى حسمها في اتفاق الطائف وفي الدستور اللبناني، ولما تعنيه إثارتها من جديد من تداعيات خطيرة على الوفاق الوطني والسلم الأهلي. كذلك عبّر المجتمعون عن شديد استغرابهم لهذه المواقف والممارسات، في الوقت الذي يحتاج لبنان فيه إلى المزيد، بل إلى أقصى درجات التعاون والتضامن بين جميع اللبنانيين، لمواجهة التحديات المتكاثرة عليهم في الداخل اللبناني، بنتيجة الاختلالات الحاصلة في التوازنات الداخلية وجراء تداعيات الصدمات والتحديات الإقليمية والدولية على لبنان.

لذلك يهيب المجتمعون بفخامة الرئيس، الذي كَرّمه الدستور وأولاه مسؤولية احترام الدستور والسهر على حمايته والحفاظ عليه، لوضع حدّ نهائي لتلك المواقف والممارسات المستفزة والمتمادية التي تنال من هيبة العهد ومكانته.

"العيش المشترك" والدستور
- سادسا: أكّد المجتمعون وشدّدوا على أهمية التمسك بصيغة العيش المشترك الإسلامي المسيحي، التي تعتبر الركيزة الأساس التي يقوم عليها لبنان ويتعزز سلمه الأهلي وتقدمه واستقراره. وتقوم عليها قيمة رسالته الحضارية في محيطه والعالم. كما أكّدوا على أهمية التمسك باتفاق الطائف وبالدستور اللبناني، والحرص والحفاظ على حيادية ومهنية إدارات الدولة ومؤسساتها الرسمية في تعاملها مع كافة الفرقاء من دون تحيّز أو افتئات. وكذلك بأهمية إعادة الاعتبار للدولة اللبنانية ودورها وهيبتها وسلطتها الحصرية الوحيدة على جميع مرافقها. كما شددوا على أهمية وضرورة مبادرة الدولة إلى الالتزام بمقتضيات المادة 95 من الدستور، ولاسيما لجهة اعتماد معايير الجدارة والكفاءة، في اختيار المسؤولين المرشحين لشغل المناصب القيادية في الدولة اللبنانية، في شتى المراكز الإدارية والأمنية والقضائية. وأكّدوا على أهمية وقف التدخلات السياسية في هذه المؤسسات والأجهزة وهي التي يفترض أن تكون الحامية لجميع للمواطنين. كذلك فقد أكّد المجتمعون على ضرورة الالتزام بمدلولات وبجوهر الصيغة اللبنانية، التي تقوم وتتعزز على مبدأ احترام قوة التوازن وليس على قاعدة توازن القوى. وأكّدوا على أنّ الدولة اللبنانية بمؤسساتها العسكرية والأمنية والقضائية، ينبغي أن تكون هي الحريصة على حياديتها ومهنيتها وعدالتها، بما يبعث على الثقة بالمؤسسات التي تظل الضمانة الحقيقية لكل اللبنانيين.

وأكّد المجتمعون على تضامنهم وحرصهم على دور الدولة وسلطتها الكاملة وهيبتها، وقرروا أن تنعقد اجتماعاتهم كلّما دعت الحاجة لمواكبة التطورات والمستجدات."

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024