هل يغامر الحريري بالطائف؟.. بري بالمرصاد

منير الربيع

الجمعة 2018/01/12

يوم أعلن الرئيس سعد الحريري تبنيه ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، قال إن هدفه الأساس الحفاظ على النظام اللبناني، وعلى اتفاق الطائف. لطالما لوّح عون وحزب الله بضرورة تعديل هذا الاتفاق. فتقدّم الحريري بمبادرته لتلافي ذلك. لكن المسار السياسي للعهد على مدى السنة الأولى، يوحي بالنسبة إلى البعض بأن الطائف يخضع للتعديل بالممارسة وليس بالقوانين والإعلان. تلقى الحريري انتقادات عدة على تعاطيه مع العهد الجديد، بعضها صبّ في سياق المزايدات والشعبوية داخل الطائفة السنية، وبعضها الآخر يشبه ما يحصل اليوم من تجاذب بينه وبين الرئيس نبيه بري.

لا شك أن الثانية أخطر من الأولى، للأولى أسباب ظرفية وموضعية، أما الثانية فذات مدى أبعد وجوانب أشمل، تتعلق بالتركيبة السياسية والطوائفية للوضع العام. في سياق الهمس وكلام الكواليس وتقاذف الإتهامات على خلفية مرسوم الأقدمية لدورة عون 1994، يصرّ الرئيس بري على أن سلوك الحريري ووجوده في حضن عون، سيؤديان إلى إدخال تعديلات في اتفاق الطائف، حتى وإن لم يحصل ذلك بشكل علني. لكن لم يحدث أن كانت العلاقات بموجب الطائف على هذا الشكل بين الرئاسات الثلاث. لم يحدث من قبل بأي شكل من الأشكال، أن تكون الرئاسات على خلاف، حتى في أيام الرئيس إميل لحود، وعدم الإنسجام بينه وبين الرئيس رفيق الحريري، كانت الترويكا ثابتة، وما يفعله الحريري الابن اليوم، ليس دليل صحّة بالنسبة إلى بري.

الترويكا هي الأساس. جوهر الطائف بالنسبة إلى بري وإلى أركان ذلك الاتفاق، هو أنه كرّس مبدأ التوافق الطوائفي بين كل القوى. بالتالي، فإن أي خروج عن مبدأ الترويكا، يعني خروجاً على الطائف بالنسبة إلى هؤلاء الأركان. ولكن المشكلة الأساسية لديهم تكمن في أن طرفاً أساسياً يعتبر ضامناً لهذا الاتفاق، هو الذي يخرج عنه، أي الحريري بتحالفه مع عون. ثمة من يستشرف استعادة إحياء الثنائية المارونية- السنّية، خصوصاً أن غالبية الاتفاقات السياسية، كانت تعقد بين الوزير جبران باسيل ومدير مكتب الحريري نادر الحريري، من التسوية الرئاسية، إلى قانون الانتخاب، فملفات النفط والكهرباء والاتصالات وغيرها.

اعتبر بري في مرحلة من المراحل، أنه قادر على التساهل في بعض الأمور، لأن في النتيجة لن يكون بالإمكان تمرير أي إتفاق ما لم يحظى بموافقته. وهذا ما حصل في تشكيلة الحكومة وقانون الانتخاب وملف النفط. هو متسامح في هذه الأمور، طالما أنها ستعود إليه في النهاية ليمهر موافقته عليها. لكن، ما هو غير مسموح، هو اللعب في ملعبه أو على ساحته، أي منع أي تجاوز للطائفة الشيعية. وللحريري تجربة قريبة في هذا المجال حول بعض التعيينات في قوى الأمن الداخلي، ما تسبب بقطع المخصصات السرية عن المديرية إلى حين الاستجابة لمطلب بري. وهذا ما يكرره حالياً في أزمة المرسوم.

أكثر ما يخشاه بري هو تثبيت مفهوم الثنائية المارونية- السنية، والخروج عن الترويكا الثابتة. لذلك، هو يريد تثبيت توقيع وزير المال على كل المراسيم، وجعل وزارة المال بمثابة رئاسة ثالثة. ولذلك طالب بإبقاء حقيبة المال من حصة الطائفة الشيعية. هذا الكلام يستدعي بعضاً من الردود من قبل عون والحريري. وهناك من يذهب إلى طرح مبدأ المداورة في الحقائب للرد على بري. ويعتبر الحريري أن المداورة تحمي الطائف. لكن استمرار السجال في هذا المجال، سيؤدي ببري إلى طروحات مضادة، كانت سابقاً محلّ توافق بين حزب الله وعون على طريق تعديل الطائف. وطرح مبدأ المداورة في الرئاسات وليس المداورة في الحقائب الوزارية فحسب. هذا الطرح سيخرجه بري إذا لم يحقق ما يريده، وإذا لم يتم تثبيت وزارة المال من حصة الشيعة.

ولكن الحريري يعتبر أن هذا ليس هو المدخل المناسب لتناول اتفاق الطائف. فهل إذ وقّع وزير المال المرسوم يكون الطائف مصاناً؟ ليس النقاش أو الخلاف دستورياً بالنسبة إلى الحريري. المسألة سياسية، وتتعلق بالتنافس السياسي بين القوى، فيما استحضار التعديلات الدستورية أو تلك التي تتعلق بالنظام، فتهدف إلى التصلّب بالمواقف. إذا ما كان الحريري يريد حماية الطائف لحماية موقعه داخل الطائفة السنية، وموقع الطائفة في النظام، فإن ذلك قد يجعله قابلاً للتعديل في الرؤية في ظل التحالف مع الكتلة المسيحية الأكبر، وفي ظل ربط النزاع مع حزب الله، إذ قد يعتبر الحريري أن التوافق السياسي أفضل من التوافق الدستوري، وطالما أن التوافق السياسي قابل لحماية موقعه ووضعيته. فكل ما عدا ذلك قابل للتغيير أو التعديل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024