جبران باسيل على مثال ".. لا إنها تمطر"

نادر فوز

الثلاثاء 2020/07/28
في بيروت، أنهى مواطن عادي كل فروضه المنزلية وغير المنزلية، بعد مواعيد النشرات الإخبارية. تسمّر أمام شاشة التلفاز ليلة الإثنين الثلاثاء، لمشاهدة مقابلة سياسية مع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. في تمام التاسعة، انقطعت الكهرباء. حاول التقاط فحوى المقابلة والمواقف من خلال تنبيهات التطبيقات الإخبارية. ضرب لنفسه موعداً جديداً مع المقابلة نفسها، بعد ظهر اليوم الثلاثاء في إعادة مبرمجة لها. في تمام الثالثة، انقطعت الكهرباء مجدداً. لم يستطع تكحيل عينيه بالضيف الذي شعشعت حوله الأنوار والأضواء في "بيت المغترب". انطفأت بيوت اللبنانيين، إلا أنّ الوزير السابق للطاقة، وكل الطاقات، ظلّ نوره ساطعاً.

إعادة تدوير الذات
من فاتته المقابلة، لأي سبب كان، لم يفوّت عليه الكثير. زعيم محلي آخر، يخرج إلى الإعلام مرة أخرى، لرفع كل اتهامات سوء الإدارة والفساد والمحاصصة والطائفية عن نفسه. زعيم آخر، ناشئ، يعيد تدوير نفسه وتياره بعد موجة التحطيم السياسي الذي تعرّض لها في مختلف الساحات اللبنانية خلال 17 تشرين. اشتكى من الـ"هيلا هو"، واعتبر أنّ الحراك سيء وهدّام لا يعكس وجهة نظرة الأكثرية الصامتة. بالنسبة له، أغلب من نزلوا إلى الشارع في ثورة تشرين "أسوأ من الطبقة السياسية لأنه يحميها من خلال تجهيل المرتكب، عبر تعميم شعار كلن يعني كلن".

مهنة البهلوان
يصرّ باسيل على كون التيار الذي يمثّله ليس من الطبقة السياسية. هو ليس حاكماً، ولا ممسكاً بالعهد. لكنه يتمثّل بأكبر كتلة نيابية، أكبر كتلة وزارية، رئاسة جمهورية، وقضاة محسوبين عليه. موقف سمج يصرّ عليه باسيل، منذ سنوات، حتى قبل سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري وانطلاق الثورة وحالة العدم السياسي والاقتصادي التي وصلت إليها البلاد. صفته المحببة، البهلوان. هذه مهنته. يقدّم أكثر الخطابات طائفية ويرفع شعار إلغاء الطائفية السياسية. يتقاسم مع شركائه في السلطة كل المناصب والتعيينات، ويطالب بالدولة المدنية المبنية على الكفاءة والتخصص. هو مع حزب الله كمقاومة ويؤكد على حق إسرائيل بالأمن.

حبال الحكومة والعهد
على حبال البهلوانية هذه، مضى باسيل كالعادة في مقابلته الأخيرة. تماماً كما مضى تياره من المعارضة إلى السلطة في حكومات التوافق والتحاصص منذ 2008. يريد السلطة ولا يريد تحمّل مسؤولياتها وإخفاقاتها. حصل ذلك منذ أكثر من عقد، ويتكرّر اليوم في حكومة الرئيس حسان دياب. "التيار ليس ممثلاً في الحكومة"، قال باسيل. هي ثالث حكومات العهد، فيها مستشارو مستشاري باسيل، تعمل وفق أجندته وتقرّ خططه بدءاً من سد بسري وصولاً إلى معمل سلعاتا وشركات الاستشارات المالية. لكن باسيل لا يريد تحمّل المسؤولية، والنقاش معه ومع المسؤولين في تيار في هذا الموضوع أمر عبثي. انتقد الحكومة ورئيسها. "نسبة 97% من الإنجازات التي تحدث عنها دياب غير واقعية"، قال. وأضاف أنّ "الحكومة أنجزت الكثير من المحرّمات لكن هناك أمور كثيرة لم تنجزها". مدح الحكومة وانتقدها في آن، وفحوى الموقف والانتقاد أنّ ثمة طلبات أخرى لم تقم بها الحكومة.

إعادة تدوير المنظومة
لم يقدم باسيل طرحاً سياسياً جدياً للخروج من الأزمة اللبنانية. اعتبر أنّ البديل عن حكومة دياب "إما حكومة اختصاصيين مدعومة من الجميع أو بعض الأفرقاء، أو حكومة وحدة وطنية". كما أعاد تدوير نفسه أسوة بباقي الزعامات والقيادات، يجتمع هؤلاء اليوم لإعادة تدوير منظومتهم بمختلف الأشكال. فالحكومة، إن كانت سياسية أو مؤلفة من اختصاصيين، ستكون محكومة من "الأفرقاء" ذاتهم. عودة إلى نغمة حكومات الوحدة الوطنية التي شكى باسيل منها في المقابلة نفسها. شكى منها قبل أسبوع، قبل عام وأكثر. لكنّه منغمس فيها، غير قادر على الحياة خارجها، جزء منها وفاعل في تركيباتها. البهلوان يظهر من جديد، ليؤكد باسيل بشكل أو بآخر أنّ حلوله معدومة وطروحاته ميؤوس منها.

تفاهمات المصالح
برّر باسيل كل الفشل الحكومي السابق والحالي بالإشارة إلى أنه "في لبنان لا يمكن تحقيق نتيجة إلا بأكثرية نيابية والتحالف على أساس برنامج وهذا ليس قائماً". بالعودة إلى التفاهمات السياسية التي وقّع عليها تيار باسيل، أولها كان مع حزب الله عام 2006 في مصلحة سياسية مشتركة عمادها رئاسة الجمهورية. ثانيها كان تفاهم معراب عام 2016، للوصول إلى الرئاسة وتقاسم الوزراء في الحكومة والتعيينات في الإدارة. وثالثها مع تيار المستقبل، للوصول إلى الرئاسة حصراً. غابت المشاريع عن تفاهمات التيار الوطني الحرّ. فقط مصالح، مناصب ومقاعد على طاولة القرار.

قال باسيل خلال المقابلة الأخيرة، بمنتهى الخبث والنفاق، إنه "لو كانت الأكثرية معنا لكانت الكهرباء اليوم 24/24". قد يكون هذا الكلام مجرّد تهريج. فعندما تعثّر باسيل على حبال البهلوان، سحب قناع المهرّج. بات يبتسم ويضحك لمحاوره والمشاهدين لإبعاد التركيز عن سقوطه. ليست هذه المرة الأولى التي يفعلها الرجل، اسألوا هادلي كامبل التي لا تستلطف المهرّجين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024