ظريف في بيروت: "ورشة" فلسطينية و"رشوة" اقتصادية

حسن فحص

الإثنين 2019/02/11

كان لافتاً في الاحتفال الذي أقامه حزب الله، بمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الاسلامية في إيران، حصر المشاركة الخطابية بين ثلاث شخصيات، السفير الإيراني في بيروت محمد جواد فيروزنيا، وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد نخاله "أبو خالد"، وأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله.

خيارات "الممانعة"
إبراز المشاركة الفلسطينية في الاحتفالية التي أقامها الحزب، التي تعتبر الأولى بهذه الضخامة والمواكبة الإعلامية، على حساب المهرجان الذي درجت السفارة الإيرانية في بيروت على إقامته، يترجم رسائل عديدة، تشكل مفاصل أساسية في رؤية إيران وحزب الله للمنطقة والملفات الإقليمية. ولعل أبرزها ما يتعلق بإسرائيل، للتذكير بأن القضية الفلسطينية لا تزال تحتل سلم الأولويات لدى الثورة والنظام الايراني، مباشرة أو عبر حلفائه في المنطقة، خصوصاً في لبنان وسوريا وفلسطين، والرسالة الثانية تتوجه للساحة الفلسطينية، بالكشف عن ليونة الخيارات لدى محور الممانعة هذه الساحة، وأن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون متمركزاً على فصائل دون أخرى، من دون أن يعني ذلك التخلي الإيراني أو الحزبي عن استمرار هذا الفصيل أو ذاك.. وأن هذا المحور لا يمكن أن يبقى جالساً بانتظار أن تقوم بعض الفصائل، التي كانت تحتل الصدارة في الاهتمام والاحتضان، بخطوات سياسية حاسمة، تعيد تشكيل المشهد الفلسطيني كما كان في الماضي.

التركيز على مشاركة حركة الجهاد الإسلامي، بشخص أمينها العام نخاله، قد يحمل أيضا رسالة إلى "حركة فتح" بإمكانية أن تحمل المرحلة المقبلة نوعاً جديداً من الانفتاح الإيراني والحزبي الإيجابي تجاه هذه الحركة، خصوصا في ظل الشد والجذب الذي تعيشه الساحة الفلطسينية، على خلفية الصراع حول الانتخابات التشريعية التي دعت لها السلطة الفلسطينية، بما يدعم توجه حركة فتح في هذا الصراع، ردا على دخول حركة "حماس" في محاور التسويات العربية، التي تؤسس لاستبعاد أو إخراج إيران من المعادلة الفلسطينية. مع التأكيد على ان هذا الانفتاح لن يعني مطلقاً انسحاب إيران أو الحزب، وتخليهما عن ثوابتهما الفلسطينية، في دعم جميع الفصائل على هذه الساحة، وصولا إلى دعم حقها في الانضمام إلى منظمة التحرير وتحولها إلى شريك ناجز داخل الإطار وفي آليات الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني المعترف بها دولياً وعربياً.

"العمق" الإيراني
والإعلان عن وصول وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى بيروت، في زيارة رسمية تستمر يومين، يلتقي فيها الرئاسات اللبنانية الثلاثة ونظيره جبران باسيل، قد يندرج في إطار الجدل الداخلي الإيراني، الذي انتقد غياب الدبلوماسية الإيرانية عن الساحة الإقليمية، بعد تصاعد الهجمة الأميركية وبعض الدول الخليجية ضد إيران، على خلفية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وعودة العقوبات الاقتصادية. ويمكن أن تصب الزيارة في إطار استكمال جولة ظريف على بعض العواصم العربية، التي تشكل عمقاً إيرانيا في المنطقة، ولعل أبرزها كان زيارته إلى العراق، التي استمرت خمسة أيام، وشهدت نشاطاً لافتاً، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وشملت كل جهات العراق الأربع، وكرده وسنّته إضافة إلى شيعته.

أن يعقد الوزير الإيراني لقاءات مع قيادات في الفصائل الفلسطينية، أو الأحزاب اللبنانية، فهو أمر لا يخرج عن سياق الزيارة السابقة، التي قام بها ظريف إلى لبنان في 12 آب -أغسطس 2015، حين عقد لقاءاً موسعاً مع قيادات كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها قيادات حركات فتح والجهاد وحماس، وإلى جانبها قيادات حزبية لبنانية. وهو لقاء لم يخرج في حينه عن مسعى إيراني لوضع حلفاء طهران على الساحتين الفلسطينية واللبنانية في أجواء آخر مستجدات الوضع الإيراني الدولي، بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1.

"حركة الجهاد الإسلامي"
إلا أن الذي يجب التوقف عنده في هذه الزيارة، هو التأكيد الإيراني الرسمي، وحتى أوساط حزب الله، على نية ظريف عقد لقاء خاص مع أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، بعيدا عن اللقاء الموسع مع الفصائل الأخرى. الأمر الذي يحمل رسالة واضحة، لا تقف عند حدود الساحة اللبنانية، بل تتعداها إلى الساحة الفلسطينية، وذات بعد إقليمي عربي وإسرائيلي، على صلة بمستوى العلاقة والرهان الإيراني في التعويل على عدم حصر العلاقة مع حركة حماس، في سياق يحمل على الاعتقاد بأن طهران تسير باتجاه إخراج أوراقها الفلسطينية إلى العلن، في نية لتفعيل دورها في المرحلة المقبلة، التي قد تحمل الكثير من المتغيرات التي ستشهدها الملفات الاقليمية، وبالتالي الحفاظ على استمرار دورها الفاعل في أي تطورات قد تشهدها الساحة الفلسطينية.

إخراج ورقة حركة الجهاد الاسلامي والدفع بها إلى واجهة التنسيق الإيراني الفلسطيني، لا يعني تخلي إيران عن حركة حماس، إلا أنه يشكل مؤشراً على أن العلاقة بين الطرفين لم تخرج بعد من "فترة النقاهة"، بعد الاعتلال الذي أصابها نتيجة موقف حماس من الأزمة السورية، وتلكؤها وترددها في إعادة ترميمها، بما ينسجم مع الوعود التي قدمتها لطهران في السنوات الأخيرة. وهذا يعني سحب الحصرية الفلسطينية من حماس، ورفع "الغبن" عن حلفاء أساسيين سبق لطهران أن ارتأت عدم الدفع بهم إلى واجهة الأحداث، عندما وجدت من المصلحة عدم دخولهم في العملية السياسية الرسمية، من بوابة الانتخابات التشريعية، التي أوصلت حماس إلى رئاسة الوزراء والسيطرة على قطاع غزة.

إقفال "القدس"
ولعل التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، خصوصا ما يتعلق بالاتصالات التي تقوم بها حركة حماس مع بعض الأطراف العربية والدولية، من أجل التوصل إلى صيغة للحل مع السلطة في رام الله، تضمن لها الاستمرار أو البقاء في القرار الفلسطيني، حتى ولو أدى إلى القبول بالتسويات الدولية المقترحة، قد أثار حفيظة الجانب الإيراني، الذي لا يطلب من حماس سوى ممارسة المزيد من الصبر، أمام الضغوط العربية والدولية، من أجل تحسين الشروط، التي يتولى هو رسمها بما يخدم رؤيته الإقليمية. ولعل أولى آثار هذا التحفظ الإيراني، الإعلان في بيروت وبالتزامن مع وصول ظريف إليها عن إقفال قناة القدس، التابعة لحماس، والممولة من فيلق القدس، وتحت رعاية اتحاد الاذاعات والتلفزيونات الإسلامية. وهو قرار يحمل على الاعتقاد بأنه قرار سياسي، لا علاقة له بوجود أزمة مالية، خصوصا وأنها لا تشكل عبئا كبيراً، في ظل وجود شبكة قد تتجاوز 40 قناة تابعة لهذا الاتحاد، وتموَّل من المصدر نفسه.

الصفقة السورية
ظريف في بيروت إذن، في زيارة قد تكون في جانب منها مندرجة في إطار البحث عن آليات تعاون اقتصادي متبادل، يوفر لإيران قناة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية، مقابل تأمين دخول مضمون لأطراف لبنانية إلى دائرة إعادة إعمار سوريا. وفي الجانب الآخر، إعادة رسم خارطة التحالفات بينها وبين حلفائها على الساحة الفلسطينية، وفي صلبها حركتا فتح والجهاد، لإيصال رسالة إلى تل ابيب بأنها مازالت تملك الكثير من الأوراق، ولتفرض نفسها لاعباً إقليمياً، يهدد دور اسرائيل وحصتها في المنطقة، وأنه من دون إيران لا يمكن التوصل إلى أي حل يستثنيها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024