مفاوضات الترسيم بيد حزب الله.. والصراع سينفجر مع عون

منير الربيع

الخميس 2020/10/15
لا يمكن فهم بيان حزب الله وحركة أمل الاعتراضي على الوفد اللبناني المشارك في مفاوضات ترسيم الحدود، إلا بوضعه في خانة الاستحواذ الشيعي النهائي على هذا الملف.

بيان الليل الجماهيري
لذا، لن يهنأ رئيس الجمهورية ميشال عون بإمساكه بملف المفاوضات، ولن يتمكن من بيع مواقف للأميركيين، تجنّباً للعقوبات والضغوط. فالمعادلة العونية هذه، تقابلها معادلة أخرى: من يريد إرضاء أميركا المعتدية، يواجهه من يريد إرضاء إيران التي قدّمت الدعم والسلاح للحفاظ على الأرض.

وبعيداً عن هذا السجال وأبعاده الشعبية، حمل بيان ما بعد منتصف الليل "الشيعي" أكثر من إشارة، في طليعتها أن حزب الله غير معني بهذه المفاوضات. وهذا لحفظ صورته أمام بيئته وجمهوره، تحت شعار أنه غير معني إطلاقاً بالتطبيع.

لو كان البيان جدياً لما انتظر إلى ما بعد منتصف الليل، فيما الناس نيام، ولم يعد يمكن إجراء أي تعديلات على الوفد المفاوض. وهو بيان صدر لا  ليؤدي إلى عرقلة المفاوضات، ولا إلى تأجيلها ولا فرض تغيير جذري لأعضاء الوفد، الذي أشار المقربون من رئيس الجمهورية إلى عدم البحث في تغييره، إلا إذا اقتضت حاجة المفاوضات ذلك.

ذرائع عونية 
الموقف العوني هذا يحمل وجهين: إما توسيع الوفد، وإما حصره بالعسكريين والتقنيين نزولاً عند رغبة حزب الله. وإذا حصل ذلك يأتي التبرير: اقتضت الجلسة الأولى إشراك مدنيين لزوم بدء المفاوضات. وبعد الانتقال إلى الجانب التقني تصبح المهمة من اختصاص العسكريين.

ولكن هذه ذريعة لن تكون كافية لإقناع اللبنانيين، ولا حتى للأطراف المفاوضة الأخرى، طالما أن المفاوضات تتخذ طابعاً نفطياً. أي أن رئيس هيئة قطاع النفط سيكون له دور في المفاوضات.

يريد حزب الله أن يبقي هذا الملف بيده وحده. صحيح أنه يعلن التزامه بما توافق عليه الدولة اللبنانية. لكنه يريد أن يكون عراب المفاوضات والموافق عليها وعلى مسارها. وهو يمسك بورقة أساسية: ضرورة أن تقر الحكومة ومجلس النواب الاتفاق.

هذا يعني أن حزب الله لن يمرّر اتفاقاً لا يوافق عليه. وبيانه الليلي ترك الباب مفتوحاً على احتمالات كثيرة، في حال تغيرت الأوضاع السياسية وفرضت تغييراً في الموازين. أو في حال أراد عرقلة المفاوضات، لنجدة مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
لذا، سيكون مصير المفاوضات ومسارها بيد حزب الله، تماماً كحال سيطرته على الأرض والواقع، أمنياً وعسكرياً و"جماهيرياً".

باسيل الخائف
ولكن للتجاذب بين عون وحزب الله، أبعاد أكثر من سياسية، تعود إلى طبيعة العلاقات السياسية بين القوى اللبنانية، وخصوصاً بعد كلام جبران باسيل يوم 13 تشرين. فإذا أراد باسيل الذهاب إلى اللامركزية الموسعة أو التلويح بالخيارات الأسوأ منها، سيكون موقف حزب الله واضحاً، وهو أن هذه المنطقة منطقته.

وقد يكون منطلق كلام باسيل قطع الطريق على أي تفاهم سنّي - شيعي على حساب المسيحيين. وهذا يغير وظيفة التحالف بين عون وحزب الله. فسابقاً كان حزب الله يغطي التيار العوني في كل معاركه ضد الحريري وضد نبيه بري. اليوم تتغيّر هذه الصورة على وقع المفاوضات بين لبنان وإسرائيل. وبيان بعد منتصف الليل الصادر عن الثنائي الشيعي رفضاً لتشكيلة الوفد، قد يشبه ظهور أصحاب القمصان السود.

حليف حزب الله وأميركا 
كان باسيل هو الذي يشكل الحكومات. وفي ما بعد أمسك بحق الفيتو على الحكومة. وهو اليوم يريد الاعتراض على أي توافق سني - شيعي على حساب المسيحيين، أو حتى "حلف رباعي" جديد: الحزب، وبرّي وجنبلاط والحريري.

ويقول باسيل إنه لا يهتم لأمر العقوبات. وهو يقصد الأميركيين، محاولاً تقديم أوراق اعتماده مجدداً لحزب الله، وتمرير التزامه بالتفاهم والتحالف معه، وأنه أفضل للحزب أن يبقى متحالفاً معه من أن يتحلف مع تيار المستقبل والسنّة.

ما يريده باسيل هو أن يكون حليف حزب الله وحليف الأميركيين في الوقت نفسه. ولذلك أراد الانتقال من معركة واضحة إلى معركة غامضة: تعديل الدستور وإشغال اللبنانيين بهذا السجال متهماً النظام والدستور بالنتن والعفن. لكن تداعيات هذا التوجه أخطر من كل ما سبق، وانعكاساته مزيد من التفكك الطوائفي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024