تشظٍّ سياسي كبير: انتخابات بائسة أم انفجار هائل؟

منير الربيع

الخميس 2021/11/18
وكأن لبنان متروك لمصيره. والمصير المحتوم هو الانهيار. المقومات تكتمل، وترتسم تفاصيل التصور. فيما الصورة الكاملة غير واضحة بعد.

واشنطن والعرب وفرنسا
ويأتي التعاطي مع الأزمات اللبنانية على القطعة. لواشنطن إهتمام بملفين. وبعض الدول العربية يهتم بالاستقرار، وأخرى بالحفاظ على قنوات التواصل، فيما السعودية تهمل الملف اللبناني إهمالاً كاملاً، وسط استعداد خليجي لمزيد من الإجراءات التصعيدية.

فرنسا غائبة وغير قادرة على إحداث أي تغيير في المواقف. همّها الحفاظ على الحكومة فقط. بريطانيا تحّذر من احتمال انفجار (وهي طلبت من رعاياها عدم السفر إلى لبنان). ومن يعرف البريطانيين يعي أن مثل هذا التحذير يعني أنه لا بد من انتظار الانفجار أو التفلّت في أي لحظة. ولن يكون أي طرف قادراً على لملمة التداعيات أو الارتدادات.

ميقاتي وعون 
في الداخل من يتعاطى في السياسة، يعمل مياوماً. لا مخارج أو اتفاقات على كيفية إعادة تفعيل عمل الحكومة. رئيسها يبحث عن فرص ملء الوقت بلقاءات متعددة، يبحث فيها الملفات الكثيرة. والصراع قائم على آلية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما قد يطيح بالمفاوضات نهائياً أو يؤجلها من دون أن تُبتّ.

رئيس الجمهورية على مواقفه. يحاول البحث عن مخرج لإنقاذ ما تبقى من عهده. لكنه لا يبدو قادراً، وهو يحاول ترتيب مواعيد لإجراء زيارات إلى الخارج. ويسعى إلى زيارة دولة قطر في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، لحضور افتتاح كأس العرب. ويبحث عن أي صيغة لإبرام اتفاق مع واشنطن على ترسيم الحدود، وقد يشكل له ذلك متنفساً سياسياً، وسط تأكيدات بأن لبنان أبدى استعداده للتنازل عن توقيع المرسوم وعن الخط 29، والقبول بالتفاوض على الخط 23، مع اقتراح صيغة على الطريقة اللبنانية بإرساء "خط متعرج" يحفظ ماء الوجه.

وعون محكوم بالتعاون مع رئيس الحكومة. لكنه يصطدم بحسابات حزب الله ورئيس مجلس النواب والقوى الأخرى.

تخريب القضاء
وانفجرت أزمة التحقيقات في تفجر المرفأ. الحلّ السياسي يستعصي، فيما البحث عن حلول قضائية له أثمان. وهنا يبرز الضغط على رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، من خلال محاولات فرض إجراء تشكيلات قضائية وتعيينات رؤساء غرف للإطاحة بطارق البيطار. وفي حال لم يتحقق ذلك يتزايد الضغط للإطاحة بعبود نفسه.

وقد لا يمانع عون ذلك، لكنه يريد الثمن. والثمن هو رأس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو الدخول في سلة حل متكامل يشمل الانتخابات النيابية، وتحديد موعدها، بدلاً من الصراع في المجلس الدستوري. وهذا إضافة إلى إيجاد مخرج مفقود حتى الآن للأزمة مع دول الخليج.

انفجار أم انتخابات؟ 
تقود هذه الوقائع إلى التشظي، على وقع رفع الدعم عن الدواء واستمرار مساره على المحروقات. وتشير توقعات إلى إمكانية حصول انفجار اجتماعي هائل، لن يقدر أحد على ضبطه. وهنا أيضاً تدخل الحسابات الانتخابية، التي يخيم الضياع على قواها المختلفة.

مسيحياً الصراع قائم بين القوات اللبنانية والتيار العونيّ. التيار يشهد معارك داخلية تسهم في إضعافه، ولديه مشكلة في إدارة معركته ونسج تحالفاته. والقوات لديها مشكلة في الساحة السنية.

ضياع المستقبل
ولدى السنّة المشكلة الأكبر. ثمة ضياع لا مثيل له في تيار المستقبل ولدى بيئة سعد الحريري. ولا أحد يمتلك جواباً حول حقيقة موقفه. ولا تزال المواعيد التي يضربها لعودته إلى بيروت تتأجل. وتتفاقم حال الضياع أكثر من خلال تسريب معلومات تفيد بأنه لن يشارك في الانتخابات. وقد يفكر بتقديم الدعم المعنوي لمن يريد الترشح من جماعته. وهناك تسريبات أخرى تنفي أن يكون على استعداد لدعم أي طرف.

المشكلة كبرى داخل تيار المستقبل: ماذا لو حسم الحريري أمره بعدم الترشح؟ هل هناك من يوافق على إغلاق بيت الحريري سياسياً؟ أم أن النائب بهية الحريري تتحرك ونجلها أحمد، وسط تزايد منسوب السيناريوهات التي تتحدث عن ترشح رئيسة كتلة المستقبل في بيروت، ونجلها في صيدا. ولكن الاستطلاعات والأرقام والقدرة على نسج التحالفات تفيد بعدم قدرتها على تحصيل العدد المرضي من النواب.

لا بديل سنياً 
لا تمثل أزمة المستقبل آل الحريري فقط، بل تطال عمق التركيبة اللبنانية، في ظل عدم توفر بديل سنّي. وهنا يبدو وليد جنبلاط ونبيه برّي في حاجة إلى تعزيز وضع الحريري. فغيابه يترك فراغاً كبيراً وانكساراً هائلاً في الميزان.

وقد حصل في الفترة الأخيرة تواصل مع الحريري، ولكن لا جواب نهائياً بعد، ولا وضوح في الرؤية. وهناك معلومات كثيرة تتسرب عن أن الحريري لن يشارك في الانتخابات، في حال حصولها.

وربما لن يمر هذا التشظي بشكل سلس وعابر في لبنان. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024