الحريري والسنّة: ما ترك صاحباً إلّا وخذله

منير الربيع

السبت 2018/11/10

للسياسيين والنواب السنّة جملة ملاحظات على الرئيس سعد الحريري. ليست الملاحظات محصورة بالنواب الستّة المطالبين بحصّة وزارية، أي ما يسمى "سنّة 8 آذار". لرؤساء الحكومة السابقين ملاحظات على أداء الحريري، على الرغم من دعمهم له في معركة الدفاع عن الصلاحيات، والوقوف إلى جانبه في مواجهة العراقيل التي يتعرّض لها، خلال مفاوضاته الشاقة للوصول إلى إنجاز تشكيل حكومته.
للوزير نهاد المشنوق أيضاً ملاحظات على الحريري. وكل ملاحظات هؤلاء تُضاف إلى ملاحظات الأفرقاء الآخرين على أدائه، منذ بداية مفاوضات التشكيل.

 

المنّ والسلوى
هناك من يعتبر أن الحريري أوقع نفسه في إلتزامات متعددة ولكنها متناقضة. حرص على العلاقة الجيدة مع الجميع، ولذلك وعد الجميع بالمنّ والسلوى. ولكن عندما دقّت ساعة الحقيقة تبيّن للجميع أن لا منّاً ولا سلوى من حصّتهم في يد الحريري. المثال الساطع تبدى منذ تنازله عن وزارة الصحّة لحزب الله وإعلان عكس ذلك كلامياً، على الملأ، وفي لقاءاته الديبلوماسية! الأمر نفسه فيما يخص حصّة القوات اللبنانية، التي تدرّجت من بقاء الصحة من حصتها، إلى إقناعها بالتنازل عنها ومنحها حقيبة سيادية، ثم فيما بعد، يقنعها بالتنازل عن تلك "السيادية" لصالح حقائب "أساسية"، وصولاً إلى ما وصل إليه الحال. 
السلوك نفسه ينطبق على الحزب التقدّمي الإشتراكي، بالحصص والحقائب.

 

هذه الملاحظات لحلفاء الحريري، تقابلها ملاحظات أخرى لخصومه، كحزب الله وحركة أمل، اللذين يؤكدان أنهما من البداية شددا على الحريري بوجوب توزير شخصية من النواب السنّة الستة. لكنه تغافل عن الأمر، ظناً منه أنه قادر على القفز فوقها. ليتبين فيما بعد أنها عقدة قادرة على الإطاحة بمشروع الحكومة.


الصقور والأقوياء
هنا يتوسّع العتب سنّياً، الذي بدأ باكراً من قبل وزير الداخلية نهاد المشنوق، مع اعتراضه المكتوم على طريقة إبلاغه من قبل الحريري بمبدأ فصل النيابة عن الوزارة، واعتباره هذا الإجراء يستهدفه حصراً. هذا بمعزل عن حقيقة أن الحريري قام بإبلاغ نواب تكتله قبل الإنتخابات النيابية، بموافقته على الالتزام بفصل بين النيابة والوزارة. واستمرّ العتب "المشنوقي" سرّاً على أداء الحريري، الذي تخلّى عن مختلف صقوره والسياسيين البارزين إلى جانبه، وإن كان هذا العتب سرّياً أو خافتاً. ولكن على الرغم من هذا اللوم "الصامت"، أطلق المشنوق موقفاً داعماً للحريري بخصوص سنة الثامن من آذار، بالإضافة إلى اعتماد نبرة سياسية مرتفعة وبصوت عالٍ من قبل المشنوق، مقارنة مع لغة الحريري شبه المنمقة.

 
خطأ التسوية

لرؤساء الحكومات السابقين، أيضاً حسابات مع الحريري، كلّ من خلفية مختلفة. الرئيس فؤاد السنيورة، يعتبر أن التسوية (الرئاسية) كانت خطأ منذ اليوم الأول لها. السنيورة يحتفظ بموقفه، وهو يدافع عن صلاحيات الحريري ويدعمه إلى النهاية. وفي قرارة نفسه، يعتبر أنه يدافع عن الموقف الذي اتخذه برفض الإنجرار إلى التسوية الرئاسية. أي أن عتب السنيورة يمكن ترجمته بمقولة "الأمر الواقع الذي يتطلب دعم الحريري" يبرهن على صحة وجهة النظر المعترضة على المسار الذي دشنته تلك "التسوية". 
أما الرئيس تمام سلام، فعتبه صامت، لكن يشار إليه باستذكار إحدى جلسات مجلس الوزراء، التي ضرب فيها يده على الطاولة بوجه الوزير جبران باسيل وتماديه، ومساعيه لتطويق صلاحيات رئيس الحكومة. وما لم يستطع باسيل والتيار الوطني الحرّ تحقيقه في حقبة تمام سلام، سلّم به الحريري طواعية.

 
ميقاتي يتسلل

أما للرئيس نجيب ميقاتي، فالحكاية معقّدة وفيها الكثير من التعرجات والمصالح المتلاقية أو المتضاربة مع الحريري في آن واحد. يتحالف الرجلان في الإنتخابات البلدية، ويتخاصمان في الإنتخابات النيابية. التحالف بينهما لا يمكن أن يستمرّ، وهو عبارة عن تقطيع مراحل أو اجتياز حواجز. اتخذ ميقاتي موقفاً داعماً للحريري في مسألة الصلاحيات. وأكثر ما يمكن أن يصل إليه الإلتقاء بينهما، يكون مرتبطاً بحدث معين أو مصلحة معيّنة. دعمَ ميقاتي الحريري بوجه مطلب سنّة الثامن من آذار. على الأرجح هكذا "دعم" من رجل أعمال سيكون بثمن. الواضح، أن ميقاتي "ينام على مطلب" في المقابل. هو رئيس كتلة من أربعة نواب، وبلغة اليوم: يحق له بوزير. يطرح ميقاتي إسماً لتولي وزارة، كممثل تسووي عن السنّة الخارجين على تيار المستقبل. راهناً، هكذا أمر مرفوض عند سنّة الثامن من آذار.

 

مع ذلك، ثمة بوادر إتفاق قد تتجلى بين ميقاتي والحريري على توزير شخص سنّي محسوب على الأول، لاجتياز عقبة تمثيل سنة 8 آذار. وإذا ما صحّ هذا الكلام، يكون الحريري أمام الوقوع في مأزق جديد. إذ لا يمكن عملياً أن يوافق على توزير سنّي محسوب على ميقاتي، وهو أصلاً مأزوم سنّياً، إذ أنه يسعى لنيل أكبر عدد من الوزراء السنّة. وبعدما تخلى عن وزير لصالح رئيس الجمهورية، كان من المفترض دخوله إلى الحكومة بصحبة أربعة وزراء من طائفته. وإذا تنازل عن أحدهم الآن سيصبح بالغ الضعف عددياً ومناطقياً.


مداعبة! 

تشير المعلومات إلى أن ميقاتي سلّم الحريري لائحة بأسماء مقترحين للتوزير، لكن مصادر الحريري لا تجزم بأن هناك إتفاقاً قد تمّ. ما يجري هو نوع من "المداعبة" والغزل السياسي في إطار دعم ميقاتي للحريري، وإبداء الحريري إيجابية تجاه ميقاتي. ولكن بمجرّد التداول بهذه المعلومات، فتح الباب أمام صراعات القريبين من ميقاتي، فالرجل يهتم بتسمية أحد الشخصيات الإقتصادية المقيمة خارج لبنان، فيما بعض المسيسين المحسوبين عليه، يعتبرون أنه "يُسقط على طرابلس إسماً منسياً، بينما المدينة بحاجة لمن يعرف مشاكل أهلها"(...). يحاذر ميقاتي تسمية أي شخص مسيّس، يضمر طموحاً نيابياً، قد يبادر مستقبلاً، مستفيداً من موقعه الوزاري ليقضم من نفوذ ميقاتي نفسه. لذا يفضّل اختيار شخصية تقنية لا طموحات سياسية لها.

 
المطران وزوجة الصفدي
هذه المناوشات داخل غرفة ميقاتي، تبدو وكأن الحريري حسم أمر توزير شخص محسوب على الزعيم الطرابلسي. فيما هناك من يعتبر أن ميقاتي سيصطدم بقرار الحريري في اللحظة الأخيرة، كما اصطدم كثر من قبله. والحال هذا لا ينفصل عن مسار العلاقة المتردية بين الحريري والنائب فيصل كرامي.

بعيد الإنتخابات النيابية، وفي الأيام الأولى للحديث عن توزير شخصية سنية من خارج المستقبل، كانت الأرجحية لصالح كرامي. التقت مصالحه مع الحريري في ضرب ترشيح الوزير السابق أشرف ريفي، وكان الحريري يعتبر أن توزير كرامي من حصة رئيس الجمهورية، لن تضرّه لا بل سيكون قد كسبه إلى جانبه. تبدّلت الحسابات وأخطأ كرامي ببعضها، وبسببها أصبح أكثر المستبعدين من التوزير لدى رئيس الجمهورية (ربما عقاباً على تناغمه مع سليمان فرنجية)، بالإضافة طبعاً إلى رفض الحريري القطعي التنازل لصالحه.
التنازل الوحيد الذي أراد الحريري تقديمه سنياً، كان للوزير السابق محمد الصفدي، كعربون شكر على موقفه في الإنتخابات النيابية. اختار الحريري توزير زوجة الصفدي فيوليت خير الله الأرثوذكسية. لكن موقفه اصطدم باعتراض أرثوذكسي حاد أبلغه المطران الياس عودة لرئيس الجمهورية، بأن "الطائفة لا ترضى أن يتم التعاطي معها بهذا الشكل"، أي أن يوزّر شخصاً من حصتها، لإرضاء وزير سنّي سابق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024