كأن السياسيين وحدهم اقترعوا دون سكان طرابلس

جنى الدهيبي

الأحد 2019/04/14

الإقبال الخجول على صناديق الاقتراع، هو العنوان العريض للنصف الأول من نهار طرابلس في الانتخابات الفرعيّة. النسب تتفاوت من مركزٍ انتخابي لآخر. وفي جولةٍ أوليّة قامت بها "المدن" على مراكز المدارس الرسميّة، المخصصة للاقتراع، في مناطق القبّة والتبانة والزاهرية وجبل محسن، بدتْ الأجواء متشابهةً إلى حدٍّ بعيد.

"المستقبل" و"العزم" معاً
في معظم المراكز، ثمّة ما يوحي كأنّها انتخابات فرعيّة يخوضها تيار المستقبل مع نفسه وحسب. هكذا بدا المشهد. وأمام كلّ مركز، مثل مدرسة مي الرسمية للبنات والمدرسة المتوسطة والقبة الرسمية ومدرسة اللقمان، يتجمع مندوبو "المستقبل"، الذين يرتدون الـ"تي شيرت" البيضاء، التي طُبع عليها بالأزرق "تيار المستقبل" أو "أبو العبد كبارة"، مع عدد قليل من مندوبي "تيار العزم"، الداعمين لمرشحة المستقبل المطعون بنيابتها ديما جمالي، مقابل حضور ضئيل لمندوبي المرشح يحيى مولود، الجوالين، وباقي المرشحين، الذين لم يرتدوا لباسًا موحدًا لتمييزهم عن بقية المندوبين.

داخل مراكز الاقتراع، يغيب عن معظمها حضور المندوبين الثابتين للمرشحين المستقيلن. في كلّ غرفة من أقلام الاقتراع، يحضر إمّا مندوب ثابت وحده لتيار المسقبل، وفي غرفٍ أخرى قليلة، يوجد مندوبان، واحدٌ للمستقبل وآخر للمرشح يحي مولود. وفيما يردّ المرشحون المستقلون سبب ذلك أنّهم لا يملكون كلفة توزيع مندوبين ثابتين، ارتفعت صرخة مولود الذي أكد لـ"المدن" أن مكانيته الانتخابية تقدّمت بطلب الحصول على تصريح لأربعمئة طلب لتعيين مندوبين ثابتين، لدى محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، ولم تحصل إلا على مئتين فقط، وهو ما اعتبره "يؤثر بشكلٍ صريح وواضح على سير العملية الانتخابية بشكلٍ نزيه وديموقراطي". إلّا أنّ المكتب الاعلامي لوزيرة الداخلية ريا الحسن، عاد وأعلن في بيان أنه يمكن للمرشح يحيى مولود مراجعة المحافظ الشمال نهرا، بشأن بطاقات المندوبين، التي يقول أنه لم يتم تزويده بها.

النسبة الهزيلة
نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع لا تتجاوز، حتى وقت كتابة التقرير، 6 في المئة. ولدى سؤال "المدن" لعددٍ من رؤساء الأقلام عن نسب الاقتراع في النصف الأول من النهار، كانت الأجوبة متقاربة، عن تدنٍ واضحٍ غير معهود في انتخابات أخرى، لا سيما أنّ فترتي الصبح والظهيرة تشهد عادةً أعلى نسبٍ لإقبال الناخبين. البعض تحدث عن إقبال نحو 25 مقترعاً من أصل 600 ناخب مسجل لديهم في القلم، والبعض الآخر أشار أنّ صندوقه لم يسجل حتّى فترة الظهر إقبال أكثر من 18 مقترعاً من أصل 500 ناخب مسجل لديهم.

وفي حديثٍ لـ"المدن"، يشير المرشح عمر السيد أنّ المندوبين الجوالين التابعين له: "شهدوا أمام بعض المراكز عمليات دفع مال لبعض المقترعين، يقوم بها المندوبين الجوالين للمستقبل". وقال أيضًا: "لم أكن أملك كلفة وضع مندوبين ثابتين داخل أقلام الاقتراع، لكنني تقدمت بطلب وكالات لدى كتاب العدل من أجل الحصول على إذن توكيل لإدخال مندوبين تابعين لي إلى مراكز الأقلام وسرايا طرابلس أثناء عمليات الفرز، فجاء الرفض قاطعًا بقرار من وزارة الداخلية، ناهيك عن معلومات دقيقة تصلنا عن تجاوزات قانونية تحصل داخل بعض الاقلام"، فـ"من المسؤول عن كل هذه التجاوزات؟"، يسأل السيد مستنكرًا.

في جبل محسن
وحده إقبال بعض سياسيي المدينة وقياداتها على صناديق الاقتراع، تصويتاً ودعمًا لجمالي، كسر رتابة الأجواء داخل مراكز الاقتراع لدقائق معدودة. من جهته، أشار رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي أثناء إدلائه بصوته أن سير العملية الانتخابية يتم على خير ما يرام. أما عن نسبة الاقتراع، فـ"هذه الانتخابات الفرعية هي الحادية والأربعين في تاريخ لبنان الحديث، وإذا نظرنا إلى تاريخ الانتخابات الفرعية، فإن المشاركة فيها تكون ضئيلة جداً، إلا إذا كانت هناك منافسة بين فريقين، كما كانت الحال عام 2007 بين التيار الوطني الحر وحزب الكتائب".

وبينما كانت تنتشر شائعات أنّ ثمّة قرارًا "سريًا" قد تتخذه قوى الثامن من آذار في طرابلس، من أجل الاقتراع دعمًا لأحد المرشحين المستقلين في وجه جمالي، عاد وأكد النائب فيصل كرامي، أنّهم ملتزمون في مقاطعة الانتخابات اقتراعًا وترشحًا، وأنّهم حتّى اللحظة يعتبرون أنّ النائب عن هذا المقعد هو طه ناجي صاحب الطعن بنيابة جمالي.

وفي جولة داخل جبل محسن ، تبيّن أنّ أهالي الجبل يتعاطون مع هذه الانتخابات من منطلق أنّها لا تعنيهم. في الجبل، تسير الحياة بشكل طبيعي مثل أيّ نهار أحد، يقضونه للعطلة. في مقهى "أبو عمران" الشهير داخل الجبل، يتجمع عدد كبير من الشباب والشيوخ على شرب الشاي وإما على تدخين النرجيلة وإما على لعب الورق، وإما يوجهون أنظارهم للأعلى لمشاهدة التلفاز. يقول أحد رواد المقهى لـ"المدن": "هذه الانتخابات لا تعنيننا، ولا يوجد فيها أي مرشح يمثلنا، وكل ما يُشاع عن إقبال البلوك العلوي للاقتراع لصالح أحد المرشحين المستقلين هو محض افتراء"، فـ"نحن جزء من طرابلس، نعاني ما تعانيه من فقر وحرمان وإهمال وبطالة، لكن ثمة ظلم مضاعف يلحق بنا، لأنهم يتعاطون معنا بتهميش كبير كأننا مقاطعة سورية غير تابعة للدولة اللبنانية وسلطتها، وسنبقى ندفع ثمن هذه النظرة غاليًا". 

للحظة الأخيرة
هذا، وتبقى مسألة ارتفاع نسبة الاقتراع، التي تشكل هاجسًا كبيرًا لتيار المستقبل، رهن الساعات القليلة المقبلة، فيما يتداول كثيرٌ من المواطنين في أحياء المدينة، وأمام مراكز الاقتراع فكرة "انتظار الدفع"، في الساعات الأخيرة التي تسبق إغلاق صناديق الاقتراع، حتّى يُبنى على الشيء مقتضاه. 

ويقول المرشح يحيى مولود: "ستأتي كل المفاجآت من النسبة العالية للمعارضة التي نمثل، ضد التسوية الحكومية. نجحنا في خلق شارع بوجه السلطة. طرابلس اليوم هي عاصمة المعارضة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024