معركة عودة اللاجئين تُخاض معهم وليس ضدهم

نبيل الخوري

الخميس 2019/06/13
لا يمكن فصل خطاب وزير الخارجية اللبناني، رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل، بشأن النازحين واللاجئين في لبنان، خلال مؤتمر "الطاقة الاغترابية" في الأيام القليلة الماضية، عن إشارة أعطاها الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في خطاب له بمناسبة ذكرى تحرير الجنوب، في 25 مايو/أيار الماضي، بقوله "إن القوى السياسية (ستكون) معنية بمناقشة مسألة عودة النازحين السوريين، بعد الانتهاء من نقاش الموازنة". ما أدلى به باسيل يعبّر عن استجابة لكلام نصرالله، وينمّ عن تقاسم أدوار. ويعكس، في المحصلة، نيّة مشتركة من أجل ترتيب أولويات النقاش السياسي اللبناني، في الفترة المقبلة، وفقاً للمصلحة السياسية لهذين الطرفين الحليفين.

الخطاب والممارسة
يأتي ذلك في وقت يأمل فيه البعض بإعطاء الأولية لمسائل أخرى، مثل مزارع شبعا أو الاستراتيجية الدفاعية، في النقاش العام والحكومي بعد الانتهاء من إقرار موازنة الدولة في مجلس النواب. لكن تأجيج التوتر اليوم بشأن مسألة النازحين واللاجئين، عبر خطاب إشكالي، ذات نزعة عنصرية، ومن خلال تصرفات ميدانية تخلط بين ضرورة تنظيم سوق العمل اللبناني ومعالجة البطالة وبين مشاعر الكراهية تجاه الأجانب، قد يساهم في خسوف تلك المسائل. ويهدف طبعاً إلى فرض موضوع النازحين واللاجئين كأولوية على جدول الأعمال السياسي.

لا تكمن المشكلة في طرح هذا الموضوع على طاولة البحث كأولوية، إنما في كيفية طرحه والتعامل معه. فرفض توطينهم والمطالبة بعودتهم إلى بلادهم، أو بترحيلهم إلى مكان آخر غير لبنان، يتم وضعهما في إطار معركة تبدو وكأنها موجهة ضد النازحين واللاجئين أنفسهم. وكأنهم هم العدو (الغريب)، مصدر الخوف والقلق اللذين لن يتبددا ما لم يتم التخلص منه. علماً أن العودة هي من حق ومن مصلحة هؤلاء، ومطلبهم أيضاً. وبالتالي هي معركة من المفترض أن تُشَنّ بالتضامن وبالتنسيق معهم، وليس بواسطة خطاب تحريضي ضدهم، من شأنه تحفيز وتعميق الحقد والكراهية، حتى لو تمّ نفي وجود النيّة بذلك. وهو خطاب يتجاهل تجربة مأساوية شهدها لبنان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

عبر تاريخية
في تلك الحقبة، ركّزت الأحزاب المارونية اللبنانية خطابها على مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين. وبررت تصرفاتها في الحرب التي اندلعت عام 1975، بذريعة رفض تحويل لبنان إلى وطن بديل لهؤلاء. وحمّلت الفلسطينيين مسؤولية "مشروع التوطين"، في حين أن هؤلاء حملوا السلاح وحاربوا إسرائيل من أجل أن يكون لهم دولة مستقلة على أرضهم، وبالتالي رفضاً لتوطينهم في ما يسمى دول الشتات. صحيح أن المشكلة كانت تتمثل آنذاك في انتهاك الفصائل المسلحة الفلسطينية للسيادة اللبنانية، لكن جرى الخلط بين هذه المشكلة ومسألة التوطين في خطاب مبني على التعصب، أدى إلى تأجيج الوضع، وصولاً إلى اقتتال لبناني ـ فلسطيني كان مدمراً للجهتين معاً. تم استسهال هذا الخيار الخاسر، بدلاً من السعي لاحتواء المشكلة بأقل الخسائر الممكنة، وخوض معركة موحدة لبنانية ـ فلسطينية (وتحديداً مارونية ـ فلسطينية) ضد مشروع التوطين. أي كان ولا يزال لدى اللبنانيين والفلسطينيين مصلحة مشتركة في مواجهة ما يشاع عن خطط دولية وربما أميركية، قديمة جديدة، من أجل فرض التوطين. أما الاحتراب، فنتائجه مأساوية بالنسبة للطرفين على حد سواء.

خطاب شبيه بالأمس
اليوم، ثمة انطباع بأن الخطاب نفسه يتكرر، على الرغم من اختلاف السياق السياسي واللاعبين والوسائل والإمكانات. النازحون السوريون لديهم دولة وجواز سفر. لا يعودون إلى بلدهم لأسباب أمنية، خوفاً من قمع النظام لهم، على عكس الفلسطينيين المحرومين من دولة والممنوع عليهم العودة بسبب الاحتلال الإسرائيلي وممارساته. الفلسطينيون وضعوا، بعد نكسة 1967، مقاربة مفادها أن بناء الدولة المستقلة وعودة اللاجئين تتطلب تنظيم أنفسهم على المستويات كافة، وبناء بُنْيَة حكومية تصبح جاهزة لنقلها إلى تلك الدولة المنتظرة. أنتجت هذه المقاربة صيغة "الدولة داخل الدولة" في لبنان، مع عواقبها الوخيمة على الجميع. أما النازحون السوريون، فلا حيثيّة سياسية لهم في هذا البلد المُضيف. الفارق واضح بين الحالتين إذاً. مع ذلك، يجري طرح مسألة وجود النازحين السوريين على أسس خلافية، من دون الاتعاظ من دروس الماضي، ومن دون الأخذ في الحسبان اختلاف واقع اليوم عما كان عليه في الأمس. ولمزيد من تعقيد المسألة، يتم ربطها بعصبية طائفية و"قومجية"، هي بطبيعتها ليست محل إجماع لبناني، ما يعيد إنتاج مشهد الانقسام اللبناني ـ اللبناني العقيم.

وعلى الرغم من عدم وجود إمكانية لتحوّل هذه الحالة الخلافية إلى توتر، فتصعيد، وصولاً إلى سيناريو الاقتتال، في ظل الشروط الحالية للوضع اللبناني السياسي والأمني، إلا أن العمل على تغذيتها يفوّت على اللبنانيين ـ وعلى النازحين السوريين ـ فرصة التعاون البنّاء من أجل التمسك بحق عودتهم الآمنة ورفضاً لتوطينهم في لبنان. والحال، أن عدم التعامل مع معركة عودة اللاجئين والنازحين إلى بلادهم باعتبارها معركة مشتركة تُخاض معنوياً معهم، لا ضدهم، هو تصرّف يُراد توظيفه في خدمة أجندة سياسية طائفية، ستحقق نتائج كثيرة، إلا عودتهم المأمولة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024