بصمة دبلن على السوريين:"الله يعمي عيون الشرطة عنا"!

عدنان نعوف

السبت 2019/07/13
خارج أحد الكرفانات في مخيّم "إليوناس" للّاجئين بالعاصمة اليونانية أثينا، راحَ أحمد، الواصل لتوّه من السويد، يتخلى عن تحفّظه تدريجياً، مؤكداً أنه سيبحث عن "دولة جديدة" لكسر البصمة التي جرّت عليه "المصائب"، على حد قوله "فالعيش في مخيّمات اليونان أسوأ من العودة إلى سوريا".

بانتظار أن تَفرَغ كرفانة في المخيم، جَلسَ أحمد تحت ظلّ شجرة. يقول: "رَفضتُ في البداية أن يتمَّ ترحيلي من السويد إلى اليونان، لكنّي رضختُ أخيراً بعد أن وَضعوني لفترة في الحجز (السجن)".

إذ أنه، وبعد عام ونصف قضاها أحمد في السويد مع أبيه وأخته، جاء الردّ برفض طلبات لجوئهم "لوجود إقامات يونانية بحوزتهم". وحصلَ الأسوأ حين أُبلِغوا بعدَم إمكانية الطعن بقرار الترحيل، فوقّعَ الأب على القرار، ثم توارى عن الأنظار بهدف تعطيل "التنفيذ" لأن ابنه وابنته كانا قاصرين حينها. السلطات السويدية انتظرت بلوغ أحمد، السن القانوني، وقامت بترحيله لوحده، وبقيت الأخت ذات الـ14 عاماً.

"بصمة" دبلن

تُمثّل حالة أحمد، نموذجاً عن تطبيقات "اتفاقية دبلن" الأوروبية، ومشكلات الجمع بين الجوانب القانونية والإنسانية، وتوزيع المسؤوليات بين الدول الأعضاء.

وتعتمد الاتفاقية على قاعدة بيانات مشتركة تتضمّن بصمات اللاجئين لتحديد الدولة المسؤولة عن تلقي طلب اللاجىء، والبت فيه، بحيث يتمّ حصره في دولة واحدة فقط.

ورغم ما يبدو عليه "نظام دبلن" من وضوح، واقتصار الرفض والترحيل على أصحاب "الإقامات" نظرياً، فإن ذلك لا يُطمئن اللاجئين. بل إن الرعب يتجاوز اكتشاف وجود بصمة "إقامة" للاجىء في اليونان أو بلغاريا أو إيطاليا مثلاً، إلى وجود أي بصمة سَبقَ وأُخِذت منه، حتى وإن كانت لأسباب جنائية.

وبدلاً من أن تُهدّىء "القرارات" الرسميّة مَخاوف اللاجىء، فإنها تؤجّجها خصوصاً في ظل التعديلات المتتالية على الاتفاقية، والتعامل المختلف مع الموضوع من دولة لأخرى.
وتُعتَبر الدول الاسكندنافيّة في السويد والنروج والدنمارك، الأكثر تشددّاً حيال "نظام دبلن"، فيما تُعدّ بلجيكا واحدة من أفضل الخيارات لـ"كسر البصمة".

التحايل على البصمة

ومع أن هدف قواعد "دبلن" قانونيّ، وهو أمر بديهي، فقد أصبحت بمرور الزمن أداة "نفسيّة" تساهم بالحدّ من تدفق اللاجئين وتدفعهم لإعادة حساباتهم قبل التوجه شمالاً، في ظل التعامل الحازم بهذا الشأن.

وتجلّى الحَزم في الفترة الماضية بجوانب متعددة منها الرفض المتزايد لحالات "اللجوء الكَنَسي" التي كانت تشكّل حلّاً لطالبي اللجوء المرفوضين، إذ تمثّل الكنائس "مأوى مؤقتاً" وطَرفاً "يتوسّط" لدى الحكومات بمبرّرات إنسانيّة، بهدف حماية الأشخاص المهدّدين بالترحيل.

غير أن الحل "الإنساني" المَبني على الاستعطاف ليس الوحيد الذي قد يُجرّبه اللاجىء في مثل هذه المواقف، فمِنَ الشائع أن يتوارى طالب اللجوء المرفوض عن أنظار الشرطة كي لا تقوم بترحيله، إذا لم يستطع الطعن بالقرار خلال فترة قصيرة.

ويأخذ "تكتيك" التواري عن الأنظار أسلوباً آخر بات يتكرر عندما يتعلق الأمر بعملية ترحيل عائلة لا فرد واحد، حيث يختفي بعض أفرادها قبل تنفيذ القرار، مثلما حصل في مدينة هامبورغ الألمانية قبل أشهر حين أخفى طالب لجوء عراقي ابنته فتمّ تأجيل العملية. وهي الطريقة التي اتبعها والد أحمد في السويد، إذ اختفى الأب وترك ابنه وابنته يواجهان الشرطة!.

ويُشير أحد العاملين سابقاً مع منظمة "دياكوني"، التي تقدّم جميع أشكال المساعدة للاجئين في ألمانيا، إلى أنّ هناك "أسلوباً ساذجاً آخر" اعتاد بعض اللاجئين استخدامه لتلافي مشكلات نظام دبلن "عبر تقديم طلبات اللجوء الجديدة بأسماء مختلفة عن أسمائهم في بلدان البصمات السابقة. أحد المطلعين يقول لـ"المدن"، إنّ "هذا التكتيك أصبح قديماً، وقد نجَح به البعض ولو بتأخير الرفض، فيما فشل آخرون وتمّ ترحيلهم".

لكن وبينما يبدو تطبيق "اتفاقية دبلن" نسبيّاً في ألمانيا، فإنه ليس كذلك في الدول الاسكندنافية ذات الأنظمة الصارمة، حيث تختلف المعادلة الإنسانية، وتكاد تختفي أدوار الوسطاء من منظمات وكنائس، وتصبح العلاقة أكثر مباشرة بين طالب اللجوء والحكومة.

مصيبة أحمد اليونانية

ترحيل اللاجئين المرفوضين إلى بلد أوروبي آخر أو الى البلد الأم، يبدو إجراء عاديّاً في أوروبا، على عكس ما يشي به المناخ الإعلامي السائد الذي يوحي في أحيان كثيرة بأن من يتم ترحيلهم هم استثناءات. وعليه فإن تخوفات اللاجئين لا تأتي من فراغ. "وعلى كل صاحب بصمة سابقة أن يقلق" كما يقول أحمد، مضيفاً أن :"الأفضل لِمَن يُفكّر بالسفر اليوم أن يتجنّب الجزر اليونانية من بداية رحلته، حيث التبصيم إجباري".

تابعَ الشاب حديثه، في وقت كان يشهد المخيّم صَخباً رافق نقل أحد اللاجئين إلى المشفى بداعي "المرض العقلي".

"سأخرُجُ من هذا السجن قريباً. يَلزَمُني أن أحجز بأقرب رحلة إلى بلجيكا، والباقي للحظ والقدَر!"، أفشى أحمد ما يجول في خاطره. وبما أنه لا يزال يحتفظ بجواز سفره السوري المُزوّر، والذي سافر بواسطته قبل أكثر من سنة ونصف السنة إلى السويد، فقد عزمَ على استخدامه مجدداً في مطار أثينا خلال الأيام المقبلة، على أمل أن "يُعمِيَ الله عيون الشرطة" عنه، كحُلم أي لاجىء يَطرُقُ حديثاً أبواب أوروبا.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024