رشوة إسرائيلية أم صفقة:تسهيلات غير مسبوقة للعمال الفلسطينيين!

أدهم مناصرة

الإثنين 2019/07/15

"يوم الإنتخابات الإسرائيلية: إجازة مدفوعة الأجر للعمال الفلسطينيين".. هذا العنوان الذي تصدر صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية المقربة من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لم يأتِ من فراغ ولا من قبيل "الإنسانية"، بل يخفي وراءه "استراتيجية إغراء للشباب الفلسطيني"، كي يتحمس للعمل في الدولة العبرية، ارتباطا بمشروع نتنياهو السياسي (القديم-الجديد)، والمعروف بـ"السلام الإقتصادي".

لعل هذا العنوان النادر جدا وغير المسبوق في الصحيفة الإسرائيلية قد ولّد أسئلة عديدة، أبرزها: ما هو سياق الحديث عن حفظ حق العمال الفلسطينيين حتى يوم عطلة انتخابات الكنيست؟ وهل نشره في هذا التوقيت تحديدا يدل على التعمق أكثر في تطبيق "السلام الاقتصادي"؟  ثم، ماذا تفعل السلطة الفلسطينية غير مراقبة ما يجري- بلا حول ولا قوة- من إستمالة للفلسطينيين للعمل في إسرائيل؟

الواقع أن هذا العنوان الصحافي يُخفي وراءه "تسهيلات" وإغراءات إسرائيلية غير معتادة بدأت "المدن" برصدها في الفترة الأخيرة؛ إذ يتم تقديمها إسرائيليا من طرف واحد.

وباتت هذه الإجراءات متسارعة وبشكل يتجاوز السلطة ومن دون أدنى تنسيق معها، لتكريس العمالة الفلسطينية داخل أراضي 48 في قطاعات مختلفة، سواء في مجال البناء أو الزراعة وحتى التجارة والمطاعم، والصناعات المختلفة. ولا ننسى تركيز تل أبيب الآن على أصحاب المهن من خلال استجلاب الأطباء أو المهندسين، وغيرهم.

السلطة تتخوف
وتوجهت "المدن" إلى وزارة العمل الفلسطينية من أجل سؤالها عما إذا كانت تراقب ما يجري عن كثب، أو تقوم بخطوات رادعة؟  فأجاب وكيل الوزارة سامر سلامة بالتأكيد على أن الوزارة والحكومة على أعلى مستوى ترصد ما يقوم به الإسرائيليون على هذا الصعيد من إجراءات وتصريحات تشير لتعزيز وتشجيع الفلسطينيين للعمل داخل الخط الأخضر من خلال مجموعة من التسهيلات غير المعتادة بالسابق.

ويربط سلامة بين هذه التسهيلات للعمال الفلسطينيين وبين "السلام الإقتصادي" كمشروع سياسي لنتنياهو الذي أقنع الإدارة الأميركية بتبنيه، فوُلدت صفقة القرن، ثم تجسدت هذه الرؤية في ورشة البحرين.

هذا إن علمنا أن مشروع "السلام الإقتصادي" مُستوحى من كتاب أصدره رئيس الوزراء الاسرائيلي حمل عنوان "مكان تحت الشمس" عام 1994، يتحدث فيه عن ضم المستوطنات، وتشغيل الفلسطينيين كوسيلة لحفظ "الأمن".

ما هي "التسهيلات"؟
وبالنظر إلى طبيعة "التسهيلات" الجديدة التي بدأت إسرائيل بمنحها في هذه الأثناء لصالح العمال الفلسطينيين، نذكر منها بعض الأمثلة من قبيل تحسين تصريح البحث عن العمل في إسرائيل، حيث كان سابقاً يُمنح للفلسطيني لمدة يومين فقط وكل ستة أشهر لمرة واحدة. وأما الآن فأصبح بإمكان الفلسطيني أن يحصل على هذا النوع من التصاريح الإسرائيلية مرتين بالشهر، ولمدة أسبوع في كل مرة، ما يعني أن بإستطاعته أن يبحث عن عمل داخل أراضي 48 لمدة أسبوعين في الشهر الواحد.

وهذا بحذ ذاته جزء من عملية الترويج وتسهيل وصول العاملين الفلسطيني داخل الخط الأخضر، فضلاً عن إلغاء التصريح لمن هم أعمارهم فوق خمسين عاماً فيستطيعون العمل داخل إسرائيل من دون تصريح وبسهولة تامة، على عكس السابق.

وبالرغم من أن أحد مطالب السلطة الفلسطينية التقليدية عبر سنوات طويلة هو تسهيل العبور على الحواجز الإسرائيلية، فإن حكومة نتنياهو فعلت ذلك بالفعل ولكن من دون مشاورة السلطة وبطريقة أثارت مخاوفها، إذ أدخل الجيش الإسرائيلي العديد من التحسينات والتوسيعات على الحواجز والمعابر من أجل تيسير دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل.. لكن سامر سلامة يؤكد أن كل هذه التحسينات الإسرائيلية اعتمدت على مستحقات العمال الفلسطينيين المتراكمة منذ سنوات.

ويتمثل ذلك الإجراء الإسرائيلي بتسهيل العبور عبر "البطاقة المُمغنطة" من دون الحاجة إلى تصريح، فما على العامل الفلسطيني إلا أن يضع البطاقة على "الماكينة" في المعبر أو الحاجز، ثم يفتح له الباب ويمر.

ويؤكد وكيل وزارة العمل الفلسطينية لـ"المدن"، أن كل الإجراءات تتم من جانب واحد وبعيداً من السلطة، في مقابل حصار مالي واضح عليها من أجل ضرب الإقتصاد الفلسطيني والحيلولة دون نموه، وبالتالي انعدام أي إمكانية لخلق فرص عمل جديدة، فيصبح لا أمل أمام الشاب الفلسطيني إلا إسرائيل للعمل فيها.

تضاعف العمال الفلسطينيين في إسرائيل
وحول انعكاس هذه الإجراءات الإسرائيلية على عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل، يعرب سلامة عن أسفه لوجود زيادة مضطردة في عددهم نتيجة للإغراءات الإسرائيلية. ويوضح أن عدد الفلسطينيين المسجّلين رسمياً لدى وزارته رسمياً يصل إلى 100 ألف عامل وعاملة في إسرائيل، فضلاً عن أولئك الذين يعملون من دون تصاريح أو يذهبون للعمل بتصريح تجارة أو ببطاقات مختلفة.

ومعنى هذا أن سلامة يُقر بافتقار السلطة للرقم الدقيق والكلي للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، فما تعلم به السلطة فقط هو هؤلاء المدوّنين في كشوفاتها بناء على تنسيق بينها وبين الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي ويبلغ تعدادهم 100 ألف، لكن يُضاف إليهم أيضاً عشرات آلاف آخرين من العمال الفلسطينيين لا تعلم عنهم شيئاً، وتكتفي بتقدير أعدادهم لا أكثر.

كيف تواجه السلطة؟
هل تكتفي السلطة بالرصد والتعبير عن مخاوفها وإحتجاجها فقط؟ يجيب سلامة: "بصراحة نحن الآن بدأنا نبحث عن البدائل؛ فالإحتجاج والإستنكار على مدى خمسين عاماً مضت لم يعد مفيداً ولا مُجدياً".

وحول طبيعة البدائل التي تفكر بها السلطة، تحدث سلامة عن تبلور رؤية لدى حكومة محمد شتية سُميت "التنمية بالعناقيد"، حيث يتم العمل عليها بشكل جاد. بالرغم من القيود الإقتصادية المفروضة، إلا أن هناك مجالاً للإستفادة من الموارد المتاحة، كل محافظة حسب طبيعتها.

ويضيف وكيل وزارة العمل الفلسطينية أنه سيتم البدء بمشروع تجريبي في مدينة قلقيلية شمال غربي الضفة الغربية وذلك بعدما أعلنها رئيس الوزراء الفلسطيني "عنقوداً زراعياً"؛ إذ يُؤمل من إقامة هذا المشروع الضخم في قلقيلية أن يُوفّر فرص عمل.

وقد اتفقت الحكومة الفلسطينية مع الأردن حديثاً على اقامة شركة أردنية-فلسطينية مشتركة من أجل تسويق المنتجات الأردنية والفلسطينية في الدول العربية. وهذا سيشجع الإنتاجية الزراعية، حسب اعتقاد السلطة.

ويشدد سلامة على أن الحكومة "لم تنم" في ما يخص ردها على الإجراءات الإسرائيلية الخطيرة سالفة الذكر، مبيناً أن الهدف من هذه البدائل الفلسطينية هو الحيلولة دون ربط مصلحة الشاب الفلسطيني بالدولة العبرية.

بيدَ أن هناك رجال إقتصاد فلسطينيين شككوا في حديثهم لـ"المدن" بجدوى هذه الوسائل الحكومية، من مُنطلق أن الواقع المفروض على الأرض والإتفاقيات التي كبلت السلطة، تحول دون النهوض الإقتصادي الفلسطيني، وتجعل من إمكانية الحديث عن "الإنفكاك الإقتصادي" والرد على "السلام الإقتصادي لنتنياهو" مجرد "شعارات إعلامية نظرية".

في المقابل، يعترف سلامة بالهواجس والمخاوف من أن مردود "البدائل الفلسطينية" يحتاج وقتاً تراكمياً لن يمنع الشباب الفلسطيني الذين يعاني من البطالة المتعاظمة من العمل داخل إسرائيل بأي طريقة كانت. ويتابع "هناك هواجس ولكن نعالجها من خلال الوعي وشعبنا يدرك خطورة هذه التوجهات الإسرائيلية التي تظهر وكأنها كلمة حق يراد بها عاطل".

ويقول سلامة "صحيح أن التسهيلات الإسرائيلية مثلت مصلحة شخصية وخاصة لبعض الفلسطينيين، ولكن يجب تغليب المصلحة الوطنية على الخاصة... خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة... والآن هناك خطوات حكومية بدأت على هذا الصعيد، والأهم أن هناك ارادة سياسية، واعتقد ان فرص النجاح كبيرة".

يُشار إلى أنه بالرغم من أن نصيب الأسد من العمال الفلسطينيين في إسرائيل هم من سكان الضفة الغربية، إلا أن عدد التصاريح الإسرائيلية لعمال من غزة بدأ بالإزدياد. فحسب اقوال رئيس الغرفة التجارية في غزة، بلغ عدد تصاريح الدخول لرجال الأعمال من القطاع إلى إسرائيل من 3 آلاف الى 5 آلاف تصريح. وعمر الحد الأدنى للدخول انخفض من 30 سنة الى 25 سنة.

ورغم أن الحاصلين على تصاريح الدخول اعتُبروا رجال اعمال، إلا أنهم في الحقيقة عمال. لكن يبقى السؤال: ماذا بوسع السلطة الفلسطينية والأحزاب أن تفعل- عملاً لا قولاً- في وجه الإجراءات الإسرائيلية؟ هذا إن علمنا، أن السلطة- بغض النظر عن مخاوفها- تجد نفسها بحاجة لهذا التشغيل لجيوش العاطلين عن العمل في إسرائيل؛ ذلك أنه يمنع الإنفجار الذي تخشاه في الضفة، ويساهم في إدخال سيولة نقدية إلى الأراضي الفلسطينية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024