حلب: في أسباب الإنهيار المديد

منهل باريش

الثلاثاء 2016/11/29
يعيش جمهور الثورة السورية حالة من الصدمة بعد سقوط ثلث أحياء حلب الشرقية المحاصرة في يد مليشيات النظام، ومن المتوقع استمرار الصدمة أياماً أخرى، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي. 

والمستغرب في ضوء ما يحدث، غياب قادة المعارضة السياسية والعسكرية، باستثناء تسجيل مصور بثته قناة "حلب اليوم" المعارضة، لقائد "حركة أحرار الشام الإسلامية" الملقب بـ"الفاروق"، حاول فيه رفع المعنويات، وناشد رفاق السلاح خارج حلب للعمل من أجل كسر الحصار.

ومع "الإنهيار العظيم" الحاصل في حلب، تستمر المعارضة في تجاهل أسباب الكارثة على المستويين السياسي والعسكري، ويغيب العقل النقدي ويتجاهل مراجعة الهزائم المتلاحقة التي بدأت في القصير واستمرت في يبرود والزبداني وحمص القديمة. بل وقفت المعارضة صامتة بعد اتفاق داريا المحاصرة والذي أخرج المدنيين والعسكريين إلى إدلب، بعد ثلاث سنوات من المقاومة، تحملت فيها المدينة الصغيرة قصفاً بنحو 8 آلاف برميل متفجر، وتصدت لمئات الهجمات التي شنتها "الفرقة الرابعة" و"الحرس الجمهوري" و"المخابرات الجوية".

عسكرياً، من الواضح إهمال الفصائل العسكرية للتقدم الذي أحرزته المليشيات الشيعية، مع بدء التدخل الروسي العسكري نهاية العام 2015، عندما تقدمت وسيطرت على الطريق الواصل إلى نبل والزهراء. وتسبّب ذلك التقدم بتهاوي الريف الشمالي في تل رفعت وصولاً إلى مشارف أعزاز، شمالي حلب. لتبدأ مليشيات النظام بعدها بالقضم البطيء لمنطقة مزارع الملاح والسيطرة على طريق الكاستيللو وحصار الأحياء الشرقية المحررة.

قائد "جيش الفتح" النقيب أسامة نمورة "أبو عمر سراقب" كان قد ارتكب خطأ تكتيكياً كبيراً، عندما استعجل كسر الحصار عن حلب في "ملحمة حلب الكبرى" أو "غزوة إبراهيم اليوسف" مطلع أب/أغسطس، حين اختار أسرع الطرق للوصول إلى حلب الشرقية. سراقب سلك الطريق الممتد من مدرسة الحكمة و"مشروع 1070 شقة" وصولاً إلى المدارس العسكرية في الراموسة، مغفلاً الأهمية العسكرية لمليشيات "حزب الله" اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية المتمركزة في الحاضر والوضيحي جنوب غربي حلب، والتي شكلت خزاناً للمقاتلين المساندين لقوة "حزب الله" المتمركزة في معمل الاسمنت. وشكّل صمود مليشيا "حزب الله" في معمل الاسمنت، في وجه مقاتلي "جيش الفتح" والجيش الحر، بداية الإنتكاسة العسكرية وخسارة المدارس العسكرية وعودة الحصار مجدداً.

إلى ذلك، لم تلتقط المعارضة المسلحة، تباين الأولويات بين روسيا وايران في معركة حلب، واستثمار الرغبة الروسية في تحجيم الدور الإيراني الذي ظهر مرات عديدة إلى العلن. فخيار السيطرة على الريف الجنوبي وطرد المليشيات الشيعية، كان أمراً ممكناً للمعارضة خصوصاً مع قلة التغطية الجوية للمليشيات هناك، بالمقارنة مع المعارك ضد معسكرات قوات النظام جنوبي المدينة.

وارتكب "جيش الفتح" الخطأ الأكبر، في المحاولة الثانية لكسر الحصار، عندما فرض قائده الجديد "أبو حسين الأردني"، محور "ضاحية الأسد"–منيان، للهجوم على حلب الغربية، رغماً عن اعتراضات بعض القادة العسكريين لفصائل الجيش الحر. وبدأت المعركة مع تصريحات مبالغ فيها لناطقين باسم فصائل "جيش الفتح" تعتبر أن "هدف المعركة هو كسر الحصارعن حلب الشرقية"، و"تحرير حلب كاملة وهزيمة إيران وروسيا في حلب". حينها اصطدمت قوات "جيش الفتح" بتحصينات هندسية كبيرة لمليشيات النظام، ساعده فيها التشكيل العمراني للأحياء الغربية المبنية كتجمعات منفصلة عن بعضها، ما أعاق تسلل مقاتلي "جيش الفتح". وهو ما حصل في "مشروع 3000 شقة" حيث اضطرت المعارضة للإنسحاب بعد تقدمها في كتلتين من الأبنية.

كذلك، أدى هجوم "حركة نور الدين الزنكي" و"كتائب أبو عمارة" وأمنيي "جبهة فتح الشام" على "تجمع فاستقم كما أمرت"، وسلبه ذخيرته ومستودعاته الغذائية ومستودعات المحروقات، إلى انهيار الثقة المطلقة بين الفصائل داخل المدينة المحاصرة. وهو ما أثر سلباً على الروح المعنوية للمدنيين والنشطاء والعاملين في "المؤسسات الثورية" والإنسانية، وأعطى انطباعاً عاماً لدى المدنيين أن هذه الفصائل التي تسلب بعضها في ظل الحصار لن تستطيع الدفاع عنهم في حال تقدم النظام. وهو ما أشعر الجميع داخل المدينة بالهزيمة قبل بدء المعركة.

يتلازم الفشل العسكري مع فشل التمثيل السياسي وغياب العقل السياسي عن المعارضة السياسية الرسمية التي تجلس مكتوفة عاجزة، يُختصر خطابها السياسي بالبكاء واللطم، وإظهار المظلومية والتنديد بجرائم النظام على شاشات المحطات الفضائية العربية، وغرف تطبيقي "واتس أب" و"تلغرام".

وتجاهلت المعارضة السورية الاستدارة التركية نحو روسيا بعد توتر للعلاقات بين البلدين استمر شهوراً طويلة، وفسرت التقارب على أساس المصلحة التركية. ولم تدرك المعارضة أن تركيا وبعد محاولة الإنقلاب الداخلية، فضلت القبول بواقعية سياسية؛ فحفظ أمنها القومي على الحدود الجنوبية أهم من فكرة تغيير النظام. وتطوعت المعارضة السورية بتحريف ترجمات الرئيس التركي الذي قال إنه لا يمانع بقاء الأسد في مرحلة انتقالية، وهي القناعة التركية الرسمية التي توصل لها الأتراك بعد تقاربهم مع الروس، وشراكة أميركا مع "وحدات حماية الشعب" الذراع العسكرية لحزب "العمال الكردستاني" أشد أعداء تركيا.

كل ذلك، بالتأكيد لا يعني هزيمة الثورة بحال من الأحوال، بل يفترض أن يُحفّز المعارضة للبحث عن أدوات وأشكال جديدة لمقارعة مليشيات النظام، ورسم استراتيجية جديدة وطويلة للصراع.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024