درعا: هل يحلّ "البدل الداخلي" أزمة المطلوبين للخدمة العسكرية؟

قتيبة الحاج علي

الأربعاء 2018/10/10
يسابق الآلاف من الشبان من أبناء درعا الزمن للبحث عن منفذٍ يجنبهم التجنيد الإلزامي والاحتياطي في صفوف مليشيات النظام، مع تحديد نهاية مهلة الشهور الستة في كانون الثاني/يناير 2019، ضمن اتفاقية "التسوية" التي وقعتها فصائل المعارضة مع الجانب الروسي.

التحاق المطلوبين بالخدمة، بعد انتهاء المهلة، سيجعلهم عرضة للمشاركة في المعارك على أي جبهة تختارها مليشيات النظام لهم، سواء ضد فصائل المعارضة أو تنظيم "الدول الإسلامية" أو "قوات سوريا الديموقراطية"، أو الخدمة ضمن الثكنات العسكرية والنقاط الحدودية.

والخيار الأول المُتاح هو "الهروب نحو الأمام" بالتطوع في صفوف مليشيات النظام قبل انتهاء المهلة. وتشهد أرياف درعا الغربية والشمالي الغربية، انتساب الآلاف لـ"الفرقة الرابعة" و"الفيلق الخامس". كما يتطوّع البعض ضمن الأجهزة الأمنية في مدينة درعا، بصفة "متعاقدين" لمدة سنة واحدة، ما يسمح لهم بأداء الخدمة في درعا التي انتهت المعارك فيها بشكل كامل.

وبالإضافة للامتيازات الأمنية وضمان عدم المشاركة في أي مواجهات عسكرية، يحظى المنتسبون إلى "الفرقة الرابعة" براتب شهري بحدود 59 ألف ليرة سورية (130 دولار تقريباً)، بينما ما زال منتسبو "الفيلق الخامس"، الذين تم تحديد عددهم بأقل من خمسة آلاف مقاتل فقط، بانتظار توزيعهم على الحواجز والثكنات العسكرية وتحديد الرواتب الشهرية التي يتوقع أن تصل إلى 200 دولار شهرياً.

الخيار الثاني أمام الشباب، هو السعي للاستفادة من استثناءات الخدمة التي حددها النظام عبر "شُعب التجنيد" الثلاث في درعا وإزرع والصنمين. إذ يُعفى صحياً من الخدمة من لديه أمراض محددة أو إصابة جسدية خلفت نسبة عجز تمنع صاحبها من أداء الخدمة العسكرية. إعفاء يُتوقع أن يستفيد منه المئات ممن تعرضوا لإصابات متوسطة وخطيرة، خلال السنوات الماضية، وأدت إلى إعاقات كلية أو جزئية. للمفارقة، فهذه الفئة قد تعرضت للإصابة على يد مليشيات النظام أو أثناء القتال ضدها.

ويبحث المئات للحصول على تأجيل من الالتحاق بالخدمة لمدة عام، من خلال عودة الطلاب الذين لم يكملوا دراستهم الجامعية والاستفادة من "التأجيل الدراسي"، لكن العقبة التي تنتظرهم هي تجاوز معظمهم السن القانوني المُحدد بـ26 عاماً، بعد انقطاعهم لسنوات عن الحياة الجامعية، بسبب التحاقهم بفصائل المعارضة أو إقامتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ومن المتوقع ألا يتجاوز عدد المستفيدين من عمليتي الإعفاء الصحي والتأجيل الدراسي، بضعة آلاف على أحسن تقدير، من إجمالي 172 ألف مطلوب للتجنيد. لذا، تسعى وفود "المصالحة" عن المعارضة في درعا لإقناع المفاوضين عن النظام بحلّين؛ الإبقاء على المجندين في درعا كقوات محلية عسكرية وأمنية وشرطية، وهو ما رفضه النظام معتبراً أنه يعطي امتيازات لأبناء درعا دون المحافظات الأخرى، أو "البدل المالي الداخلي" الذي يتم إقراره بمرسوم من رئاسة الجمهورية، وبقرار على مستوى كامل سوريا. ومن غير المرجح أن يتم الأمر قريباً.

و"البدل المالي الداخلي"، هو تعويض مالي يدفعه المطلوبون للتجنيد لإعفائهم من الخدمة، على غرار المغتربين خارج سوريا الذين يحق لمن يمضي على اغترابه منهم مدة محددة دفع "البدل المالي الخارجي" الذي تصل قيمته إلى 8 آلاف دولار. وسبق أن أقر "البدل الداخلي" قبل الثورة السورية، في فترات متباعدة. إلا أنه، وعلى الرغم من كل المطالبات به، منذ العام 2011، بقي حلماً بالنسبة للشباب المطلوبين للخدمة العسكرية. ولا يبدو أن مطالبات وفود "المصالحة" في درعا ستنجح في اقرار "البدل الداخلي"، قريباً، بعدما عجزت عنه بيئة النظام الموالية.

الموافقة على "البدل الداخلي"، إن تمت، ستعطي الفرصة لعشرات الآلاف من أبناء محافظة درعا ومئات الآلاف على مستوى سوريا، من القادرين على تأمين المبلغ المطلوب، الإعفاء من الخدمة، وهو ما يخشاه النظام نتيجة ما ستخلفه من خسارة كبيرة للعنصر البشري في صفوف قواته، رغم أن العوائد المالية قد تصل إلى المليارات.

مغادرة سوريا لن تكون خياراً مطروحاً أمام الشبان، بعدما فرض النظام على من هم بين الـ18 و42 عاماً، الحصول على موافقة مسبقة من "شعب التجنيد" قبل السماح لهم بالمرور من المنافذ الحدودية. الموافقة غير متاحة للمستفيدين من مهلة الشهور الستة التي حددتها "التسوية".

شهور قليلة تفصل آلاف الشبان في درعا، عن تحديد مصيرهم، بين الحياة المدنية أو الخدمة العسكرية لصالح مليشيات النظام التي حاربوها لسنوات. بين هذا وذاك، يُخشى أن تتسبب هذه القضية في أزمة جديدة، قد تُعيد درعا إلى دائرة التصعيد مجدداً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024