رمضان دمشق:موائد الرحمن تغيب..وصرخات الجوع ترتفع

نور عويتي

الجمعة 2020/04/24
يستقبل السوريون شهر رمضان هذا العام بظروف اقتصادية هي الأسوأ بتاريخ سوريا، حيث باتت غالبية الناس عاجزة عن توفير قوت يومها، بعد الأزمات المتتالية التي ضاعفت من معاناة السوريين منذ بداية 2020، بدءاً بانهيار الليرة السورية مروراً بنقص المواد الأولية وإقحام نظام "البطاقة الذكية" في كافة السلع الرئيسية المدعومة من الدولة والغلاء الفاحش لأسعار هذه السلع في الأسواق التجارية، ووصولاً إلى أزمة كورونا، التي ضاعفت من معاناة السوريين.

ومع حلول شهر رمضان، تداول السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً لرجل سوري يبكي من الجوع، ويشرح للناس معاناته هو وعائلته، حيث بات غير قادر على تأمين ثمن الخبز والشاي، اللذين يمثلان قوت العائلة طوال الشهر. 

وبعد انتشار المقطع حاول النظام السوري أن يبعد المسؤولية عن نفسه ليعلقها على "شماعة" التجار الذين ينهشون "لحم" الشعب السوري؛ وذلك من خلال ما نشرته المؤسسة السورية للتجارة العامة عبر صفحتها الرسمية على "فايسبوك" قائلة: "بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك تطرح المؤسسة السورية للتجارة حالياً في جميع صالاتها المحاصيل الزراعية والخضار والفواكه بالسعر الذي اشترته من أرض الفلاح مباشرة الى المستهلك من دون اي ربح على الاطلاق وتتحمل تكاليف النقل والتوزيع. وحددت المؤسسة السورية للتجارة سعر مبيع البندورة كما اشترته من أرض الفلاحين ب625 ليرة سورية والخيار ب250 والباذنجان الاسود ب225 والكوسا ب275 والبصل الفريك ب200".

هذا الإعلان الذي يحدد أسعار بعض السلع الغذائية الرئيسية بأسعار أدنى من خمس قيمتها في السوق اليوم، يهدف بشكل رئيسي لتبرئة النظام السوري ومؤسساته من المعاناة التي يعيشها السوريون، وتحميل التجار المسؤولية كاملةً. 

وبالفعل توافرت هذه المواد في المؤسسات الاستهلاكية العامة بالأسعار المعلن عنها بعد ساعات من انتشار الخبر؛ ولكن هذا لا يعني أن هذه المواد أصبحت بمتناول جميع السوريين، فطبيعة توزع المؤسسة السورية للتجارة في المناطق، وإجراءات الحظر المتبعة، تجعل هذه المواد متوفرة لأقلية من السوريين.

عدد كبير من القرى في ريف دمشق، والتي تم عزلها عن العاصمة بسبب تداعيات فيروس كورونا، لا يوجد فيها مؤسسات استهلاكية؛ ليتأكد أن أهالي المناطق التي ثارت يوماً على النظام سيدفعون ثمن ثورتهم لأجل غير مسمى.

وأما في الجانب الآخر من المدينة، فإن معاناة السوريين لا تختلف كثيراً؛ فمنذ انتشار الخبر تضاعفت أعداد السوريين المصطفين في طوابير الانتظار أمام المؤسسات الاستهلاكية. ومساء الخميس أغلقت المؤسسات أبوابها بوجه الطوابير. وذكر مصدر من منطقة ضاحية قدسيا ل"المدن": "أمام أبواب المؤسسة الاستهلاكية وقف المئات مساء أمس، ينتظرون دورهم للحصول على الخضار المعلن عنها، ولكن عملية البيع كانت تستغرق وقتاً أطول من المعتاد، ربما لأن المواد غير متوافرة لدى المؤسسة بكميات كافية للجميع. وعندما أغلقت المؤسسة أبوابها، كان هناك ما لا يقل عن 150 شخصاً وقفوا لساعات دون جدوى".

ومن ناحية أخرى، فإن الحجر الصحي الذي فرضه النظام على المواطنين إثر انتشار فيروس كورونا زاد من معاناة السوريين في رمضان بشكل استثنائي. 

ففي الأعوام الماضية، كان التجار في أسواق دمشق القديمة يتشاركون بدفع تكاليف موائد الرحمن، التي يتم فيها تقديم وجبتي السحور والإفطار للفقراء في الجامع الأموي في قلب دمشق القديمة؛ ولكن هذه الموائد لن تُقام هذا الشهر. 

وقال تاجر في سوق الحميدية ل"المدن": "عادةً ما يساهم التجار بمبالغ مادية لإطعام الفقراء في رمضان بإشراف الجامع الأموي، ولكن هذه السنة لم نتمكن من تقديم العون لهم. ربما كان من الأجدى بالدولة أن تفتح الجامع الأموي وتسمح بإنشاء هذه الموائد قبل حلول شهر رمضان، فما الفائدة من إغلاقه؟". وأضاف أن "الأسواق ازدحمت من جديد، والناس يختلطون فيها وفي الشوارع طيلة ساعات النهار، وشخصياً لا أعتقد أن إغلاق الجامع في رمضان سيخفف من معاناة السوريين أو يحد من انتشار كورونا بين الناس".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024