"فيلق الرحمن" و"أجناد الشام": صراع الحلفاء

عمر بهاء الدين

الجمعة 2017/08/11
أُعلن عن تأسيس "فيلق الرحمن" في غوطة دمشق الشرقية، مطلع العام 2014، بعد اندماج "لواء البراء" و"لواء أبو موسى الأشعري"، وتوالت بعدها الانضمامات من فصائل أخرى، إلى أن انضم له "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" قبل اقتتال 28 نيسان/إبريل 2016 بأسابيع. و"الاتحاد الإسلامي" هو فصيل إخواني تم الإعلان عن تأسيسه في كانون الأول/يناير 2013، وتُعد "كتائب شباب الهدى"، التي تشكلت في البداية من تحالف بين الناصريين والإخوان في مدينة دوما، نواته الرئيسية.

وكما هو حال الفصائل الكبرى في الغوطة الشرقية، فقد شهد "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" الكثير من الاندماجات والانشقاقات. وكانت "ألوية الحبيب المصطفى" من مؤسسيه قبل أن تختار الذهاب إلى "فيلق الرحمن"، أما "لواء فجر الأمة" المتمركز في حرستا فقد انضم في العام 2014 إلى "الاتحاد" ثم انشق عنه، ثم عاد إليه في العام 2015، ثم انشق مجدداً، قبل أن يندمج في ربيع العام 2017 مع "حركة أحرار الشام الإسلامية" ويصبح قائده أميراً لها في الغوطة الشرقية. أما بقية الفصائل الصغيرة التي اندمجت في "الاتحاد"؛ "ألوية الصحابة" و"تجمع أمجاد الإسلام" فلم يكن لها ثقل يذكر. وانحاز "الاتحاد" إلى سيطرة نواته؛ "شباب الهدى"، التي استطاع "الإخوان المسلمون" السيطرة عليها سابقاً على حساب الناصريين.

على الطرف الآخر، كان هناك "جيش الإسلام" السلفي الذي يتوسع بخطى ثابتة وطريقة لا تسمح للمندمجين به بالانشقاق، إلا أفراداً من دون سلاحهم. ولجأ "الجيش" إلى القوة العسكرية في عملية القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" في العام 2014، قبل أن يعيد الكرة في العام 2015 ضد "جيش الأمة" التابع للجيش السوري الحر. وكان النزاع بين "جيش الإسلام" وبين "الإخوان"، غير علني، إلى أن وقعت حادثة الأنفاق الشهيرة في العام 2015، إثر محاولة "جيش الإسلام" السيطرة على الأنفاق الواقعة خارج مناطق سيطرته. حينها خرجت المشاحنات إلى العلن، بين "الجيش" وبين "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام". فألقى قائد "جيش الإسلام" حينها زهران علوش، خطاباً يتهم "الاتحاد" بالمتاجرة بدماء أهل الغوطة والمشاركة في حصارهم، بينما خرج الأب الروحي لـ"الاتحاد الإسلامي" خالد طفور، قائلاً لزهران: "إنه من المعيب أن تحرك جيشك للسيطرة على ثقب تحت الأرض في حين أنك تستطيع تحريكه لفتح دمشق فوق الأرض".

ظلت الأحوال متشنجة بعد انتهاء أزمة الأنفاق بين "الاتحاد" و"الجيش"، بإعطاء "جيش الإسلام" نفقاً صغيراً، لكن معظم قادة "الاتحاد" باتوا يخشون الذهاب إلى مدينة دوما التي يسيطر عليها "الجيش" الذي كان ينتشر حينها في معظم مناطق الغوطة الشرقية، بالتوازي مع "الاتحاد". النزاع الكلامي تطور إلى مهاجمة "جيش الإسلام" لمقار عسكرية لـ"الاتحاد" مطلع العام 2016، من دون أن يستطيع الأخير فعل شيء لمواجهة قوة "جيش الإسلام". ومع تكرار الهجوم على مقاره، قرر "الاتحاد" أخيراً أن يلجأ إلى "فيلق الرحمن"، فانضم إليه.

ومع ثقة "الفيلق" بأن "جيش الإسلام" سيكرر معه ما فعله بـ"جيش الأمة"، وما حاول فعله مع "الاتحاد"، ومع حقد جميع الفصائل على "جيش الإسلام" بسبب نزعته التسلطية، وثقتهم كـ"الفيلق" بأن الدور سيأتي عليهم جميعاً، قامت فصائل الغوطة مجتمعة في 28 نيسان 2016، بما فيها "جبهة النصرة"، وباستثناء "حركة أحرار الشام" التي التزمت الحياد، بالهجوم على "جيش الإسلام". ونتج عن الاقتتال الذي دام لأيام، خروج "جيش الإسلام" من كامل القطاعين الأوسط والجنوبي للغوطة الشرقية.

خرج قادة "الاتحاد" في خطابات أثناء الاقتتال لإيضاح أسباب ما فعلوه ضد "جيش الإسلام"، فيما لم يتحدث بذلك قائد "فيلق الرحمن" النقيب عبد الناصر شمير، إلا بعد انتهاء الاقتتال. الحملة الأمنية ضد مؤيدي "جيش الإسلام" التي قادها "الاتحاد"، صرّح النقيب شمير حينها أنه لا علاقة له بها، وإنما يفعلها قادة "الاتحاد" من دون الرجوع إليه أو إلى أجهزة "الفيلق" الأمنية.

ظنَّ قادة "الاتحاد" أن أمر "الفيلق" سيؤول إليهم، كما حدث سابقاً في قيادة "شباب الهدى"، خصوصاً مع اقتناعهم أن "الحاضنة الشعبية" تؤيّدهم بسبب توجههم "الإسلامي المعتدل" مقابل توجهات "جيش الإسلام" السلفية، وتوجه "فيلق الرحمن" المنتمي للجيش السوري الحر. لكن قائد "فيلق الرحمن" كان متنبهاً إلى خطر سيطرة قادة "الاتحاد" عليه وعلى "الفيلق"، فقام بتوزيع قوة "الاتحاد" العسكرية على كتائبه، ولم يقبل بقاءهم ككيان له استقلاليته ضمن "الفيلق". وتم توزيع سلاح "الاتحاد" على كتائب "الفيلق" بحسب اختصاصها؛ المدرعات والمدفعية والمشاة والقناصين والرشاشات الثقيلة، ويقود كل كتيبة قائد مخلص لقائد "الفيلق". وجعل شميرعناصر"الاتحاد" يتوزعون على الكتائب من دون أن تكون لهم سلطة، وضمّ قادة "الاتحاد" إلى قيادة الأركان من دون أن يترك لهم أمام رجاله أي صلاحيات تذكر.

لم يكن قادة "الاتحاد" يتوقعون أن يفشلوا في السيطرة على "الفيلق"، فلجأوا بعدها إلى محاولة الانشقاق عنه، بعدما ساهموا في تأليب مكونات "الفيلق" على قائده. فانشق "لواء أبو موسى الأشعري" في حمورية، من دون أن يستطيع أخذ أي سلاح، وكذلك حدث في عربين. ومع تسليم قادة "الاتحاد" بأن نتائج انشقاقهم في وضع كهذا لن تكون أفضل مما حدث في حمورية وعربين، فقد لجأوا إلى الضغط على قائد "الفيلق" ليكون لهم نصيبهم من مراكز القوة والسلطة على السلاح. لكنّ النقيب رفض وظل متمسكاً بجعل الأمور ضمن حلقته الضيقة من المخلصين فقط.

ومع انتهاء موسم اقتتال العام 2017، والذي بدأه "جيش الإسلام" هذه المرة، توجه "فيلق الرحمن" إلى حمورية وعربين، لإجبارهم على العودة إليه، وهو ما تم فعلاً. وعاد قادة "الاتحاد" إلى موقف أضعف من السابق، لا يستطيعون معه الانشقاق ولا البقاء دون سلطة في "الفيلق".

وبعد ذلك، تراجعت سلطة الإخوان إلى مجرد نفوذ على المشايخ وبعض المؤسسات الحكومية كمحافظة ريف دمشق في الحكومة المؤقتة، وفقدوا وهم "الحاضنة الشعبية" التي أثبتت انتخابات المجلس المحلي في مدينة سقبا عدم صحتها. ولا يبدو "الإخوان" في وارد الإستسلام، وليس أمامهم أي خيار سوى الخروج من "الفيلق" دون سلاح، أو إشعال نزاعات داخلية لن تكون في مصلحة أحد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024