حال العرب مع كل انتخابات أميركية

أحمد جابر

الجمعة 2020/11/06
يصعب القول، إن "الصوت العربي"، موجود على نحو فاعل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مثلما يعزّ الادعاء، أن حضور الناخب الأميركي-العربي، مؤثر، وحاضر ومأخوذ على "محمل الجد"، لدى صياغة التوجهات الأميركية، خاصة الخارجية منها.
تطرحُ كل انتخابات رئاسية، في الولايات المتحدة الأميركية، مسألة مقاييس ومرجعية الإدلاء "بالصوت العربي"، هل هي القضايا العربية العامة، الوافدة من خارج الحدود، والتي تجد صداها في الداخل الأميركي؟ أم هي القضايا الداخلية، التي تمس الحياة اليومية للمواطنين الأميركيين، وتتصل اتصالاً وثيقاً، باختياراتهم، الشخصية المستقبلية؟ الأغلب، أن مقاييس الاقتراع، لدى المتحدرين من أصول عربية، غير متجانسة، وغير متبلورة، على صورة صيغ برنامجية متكاملة، لذلك، فإن الاستنساب والتشتت، يظلان الأقرب إلى وصف حال الوضعية "الاقتراعية العربية"، وهو ما يعبر عنه، غالباً، بالشكوى من تهميش أبناء "الجاليات الوافدة"... في مقابل التذمر، من النفوذ اليهودي، وتضخيمه، إلى حد تصنيف "الإدارة الأميركية"، كأداة من أدواته التنفيذية.
إذا تجاوزنا الكلام على ثقل الصوت الداخلي، العربي، صار من الجائز الذهاب إلى نقاش "الاقتراع العربي"، الذي يأتي من البلاد العربية، على شكل رهانات فردية وشخصية، أو على خلفية تمنيات وتوقعات رسمية، ودائماً، وفقاً لمقولة المفاضلة بين "السيء والأسوأ والأقل سوءاً..."، هكذا نمط من "الانتخاب" العربي الخارجي، يمارس، دائماً، فعل التجاهل لموقع الإدارة الأميركية، التي تشكل مستودع المصالح الكلية العليا للدولة، وتضمن استمرارية خطوطها العريضة، وتحفظ خط سيرها الأساسي، بحيث يتحول دور الرئيس الأميركي، إلى "ضربة لون" إضافية، أو لمسة شخصية، يضيفها إلى أصل "صورة أميركا على ذاتها"، ووعيها لهذه الصورة، وللسبل الأفضل، التي تكفل تحقيقها وتجسيدها، يقف خلف النظرة الإختزالية العربية، التي تهوى الفصل بين "الذات والمجموع"، نمط التفكير الفردي، وما يتناسل منه من تكريس لدور الفرد، أي ما يصاحبه من إلغاء "للاجتماع" بمعناه الحديث المتداول، ومن استحضار له على شكل بنية مصالح أهلية، وبنية "قبلية"، تعمل دائماً على خطا إنتاج الفردية، وتأمين ظروف إعادة إنتاجها، المستدامة. هكذا تحمل ردود الفعل العربية، مواقف نفسية، بحيث يسود الاستبشار والأمل، أو الإحباط والتشاؤم، قبيل وبعيد انتخاب الرئيس الأميركي، مثلما تعلو صيحات التهليل، أو تتردد همهمات خيبة الأمل، بعد فترة من ممارسته لدوره.
لم يشذ الموقف العربي "الانتخابي" الحالي، عما سبقه من مواقف، لكن يمكن الزعم، أن "العرب" أشد جرأة اليوم، في إعلان الخيبة، من ترامب، بعد أن ساعدهم "العالم" على إبداء هذه الجرأة... لكن أسس الموقفين، العالمي والعربي، من ظاهرة الرئيس الحالي ومدة حكمه، ما زالت مختلفة عالمياً. الموقف الأوروبي وسواه، له حساباته المؤقتة والمتوسطة، والطويلة الأمد، في مجالات عدة، تبدأ بالاقتصادي، وتلامس "الفلسفي – الأخلاقي"... فماذا عن "العالم العربي"، في هذا المضمار؟
يقيم الموقف العربي على تماس مع ثلاث قضايا ساخنة، يجب أن تشكل معايير آنية ومستقبلية، للحكم على "الرئيس الأميركي" ولتقويم أداء إدارته، وللإدلاء "بالصوت" لاحقاً، في صندوق الاقتراع له!! يواجه "العرب معضلة اهتزاز أمنهم القومي، بدءاً من العراق، وهذا وضع صنعته الإدارة الأميركية، واختلقت أسباب صناعته. ويقف العرب أمام التلاعب بمنظومة مصالحهم التاريخية، بدءاً من فلسطين، التي لم تقرأ الإدارة الأميركية قضيتها، إلا بنظارات الانحياز التاريخي إلى الدولة العبرية، ويجري استخدام "العرب"، في العالم الإسلامي، بدءاً من أفغانستان، من دون أن يكون لهم الحق في تكوين دائرة نفوذ، ذات هامش مستقل، ولو بحدود هامشية!... تلخيصاً، الحضور العربي السياسي، معطل ومشلول وممنوع من المبادرة إلا بتعليمات، هذا يعادل، غياب "الصوت الناخب" عن رقعة الحركة العالمية، وبالتالي تغييبه في ردهات وكواليس صياغة السياسات الدولية الشاملة.
يترك "للمجموعة العربية"، أمر دعم التوجهات العامة، التي يتخذها "المركز الغربي"، حيث للولايات المتحدة الأميركية، الدور الراجح. يقع العرب في هذا المجال، موقع الاضطرار، إذ هم عاجزون عن الإفلات من واجبات الدعم، الاختيارية والقسرية، مثلما هم عاجزون عن رفضها وإعلان الإنقطاع عنها. ما الأسباب التي تنزل "العرب" هذه المنزلة؟ أوضاعهم الداخلية، بتعقيداتها البنيوية، وبناهم التكوينية، التي يسهل التلاعب بعناصرها، والمغامرة باستقرارها...، وحصاناتهم "المجتمعية" التي لما تجد طريقها إلى الصلابة بعد.
مع كل رئيس أميركي، تكبر الحاجة العربية، إلى قراءة مستنيرة للأوضاع وللمصالح الداخلية، هذا ليسهل الربط المصلحي، بينها وبين سواها، من المصالح الدولية، الداخلية والخارجية. النجاح، في هذا المجال، يعادل افتتاح مسيرة التواجد الفاعل فوق الرقعة السياسية العالمية، مما يسهل حضور الناخب العربي، في كل عملية اقتراع خارجية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024