محردة: روسيا تحمينا.. لا النظام

خليل إبراهيم

السبت 2019/06/15
تقع مدينة محردة، ذات الأغلبية المسيحية، شمال غربي مدينة حماة، بالقرب من خط المعارك الدائرة حالياً في ريف حماة الشمالي. وقد تحولت المدينة مع الوقت إلى مركز لتجميع مليشيات النظام، التي تتخذ من دير محردة موقعاً لمرابض مدفعيتها الثقيلة التي تقصف بها مواقع المعارضة. وغالباً ما ترد المعارضة بقصف مماثل.

وتتخذ مليشيا "الدفاع الوطني" المحلية الموالية للنظام، بقيادة سيمون الوكيل، من محردة مركزاً لها، وقد سبق أن نقل الوكيل ومليشياه البندقية من الكتف الإيرانية إلى الكتف الروسية، قبيل بدء المعارك الأخيرة.

الخوف سيد الأحكام!

سمية، صبية من محردة، قالت لـ"المدن"، إن "أهل محردة في هذه الأيام ينامون وهم خائفين، ويستيقظون وهم خائفين أيضاً". فالخوف من الموت أو من المجهول. و"ما يدور هنا هو حرب حقيقية، لا تهدأ لا في الليل ولا في النهار. الأصوات لوحدها مرعبة، فكيف ونحن تعرضنا للقصف لمرات، ونرى ونقرأ أن المعارك تقترب منا يوما بعد يوم".

يوسف، زوج سمية، يكمل الحديث، ويقول: "لم يكن في أسوأ كوابيس سكان هذه المدينة أن نعيش مثل هذه الأيام. الناس في الماضي كانوا مهتمين بأعمالهم وبتعليم أولادهم. تعليم الأولاد هنا كان الهاجس الأول عند معظم الناس هنا". ويضيف: "على الرغم من أن القرى التي حولنا خرجت في مظاهرات، إلا أننا كنا نشعر أننا بعيدون عن كل هذا، ولن ينالنا منه شيء. ولهذا فإن ما نعيشه منذ سنوات كان خارج كل تصور وحسبان".

الجوار "المتخلف"؟

وعن علاقة المدينة مع جوارها، يقول دانيال، أحد شباب محردة، لـ"المدن": "قبل 2011 كانت علاقات محردة مع الجميع جيدة، كانت المدينة بمدارسها ومشافيها وخدماتها مفتوحة للجميع، ونشأت علاقات طيبة إلى حد ما مع الجميع. لكن بصراحة، كانت هذه العلاقات برّانية، إذ كنا نعي، وهم يعون أيضاً، أننا مختلفون عن بعضنا البعض. أتكلم هنا على صعيد الحياة الاجتماعية والثقافية. البعض من الجيل الشاب كان يجد أن الريف الغربي لمدينة محردة أقرب إليهم من الريف الذي يقع شرقها وشمالها، على الصعيد الاجتماعي خصوصاً".

والريف الشرقي يقطنه السنّة، في حين أن الريف الغربي يقطنه العلويون.

وتضيف سمية، التي يتقاطع رأيها مع رأي دانيال: "استحوذ على عقول جزء كبير من شبان المدينة عقد المقارنات مع الجوار"، والتي سيكون وفقاً لها " الجوارموسوم بالتخلف بينما نحن حضاريون!". لقد "كان المعيار لهذا الموضوع هو المرأة والتعليم. وبخصوص المرأة، كان بعض شبان المدينة يستحضرون كلاماً يشرح كيف أن الجوار يرى صبايا المدينة بلا أخلاق وتربية ويرى رجالها بلا غيرة ولا كرامة أو رجولة. لذلك كان هؤلاء الشباب يشعرون أنهم أقرب إلى السقيلبية وبعض القرى العلوية".

وعموماً، هذا الكلام كان يدور في الجلسات الخاصة، وأحياناً على بعض مواقع الانترنت. وتضيف سمية أيضاً: "هذا النوع من المقارنات أو الكلام خاص بالشباب، ولم ألحظه عند جيل آبائنا أو جداتنا. أعتقد أنهم كانوا أبسط منا وأكثر مرونة اجتماعية".

هل يدخل المسلحون إلى محردة؟

وحول المعارك التي تقع على مقربة من محردة، يقول دانيال: "مرت على محردة لحظات عصيبة، لكنها حتى الآن لم توضع في الامتحان الأصعب؛ هل يدخل المسلحون المدينة؟ لا أحد يستطيع أن يتخيل كيف سيتصرف المسلحون ولا أهالي محردة، لا توجد ثقة بين الطرفين، فهناك شبان من المدينة كانوا على الجبهات، ولطالما قُصِفَت أماكن تواجد المسلحين من حواجز محردة، والعكس صحيح، إذ قصفت محردة من قبلهم". ويضاف إلى ذلك، أن "الناس هنا لا تتصور حتى مجرد الاحتكاك والتعامل مع المسلحين".

وحول هذه النقطة، يقول يوسف: "في صيف 2016 كان الريف الشمالي لحماة مسرحاً لعمليات عسكرية كبيرة، واستطاع المسلحون أن يتقدموا وينتزعوا من النظام الكثير من المناطق، ومنها بلدة حلفايا المجاورة، بل اللصيقة تقريباً بمدينة محردة. أي أصبحت مدينتنا خط مواجهة مباشر، وأمام تقهقر الجيش كنا نتابع الأخبار لنعرف ما هو مصيرنا".

ويتابع يوسف: "آنذاك، أذكر تقريراً على إحدى القنوات من حلفايا، ظهر فيه أحد المسلحين الذي أخذ يطمئن أهالي محردة، ويقول لهم إنهم سيكونون بخير، ويعاملون بشكل أفضل، لأنهم أهل ذمة وأهل كتاب". ويتابع: "هذا الخطاب يخيف الناس هنا، فهم يريدون أن يكونوا مواطنين في بلدهم لا أهل ذمة. هم لن يقبلوا أن يكون لأي كان درجة أعلى منهم في بلدهم، فقط لأنه مسلم، فما بالك بالتركستاني والشيشاني والعربي وغيرهم ممن يقاتلون مع المسلحين". لذلك، لم يتفاعل الناس، بحسب يوسف، "مع التطمين الأخير الذي صدر عن أحد قادة جيش العزة منذ فترة قريبة لأهالي محردة".

روسيا الحامية وليس النظام!

جمال، من محردة، يرى أن روسيا هي التي "تمنع وقوع السيناريو المخيف لأهل محردة، أي سقوط مدينتهم بيد المسلحين"، ويقول لـ"المدن": "بالتأكيد ليس جيش النظام من سيدفع المسلحين عن محردة، بل الروس الذين لولاهم لكانت معارك اليوم غير موجودة لأن الأمور كانت محسومة منذ ثلاثة أعوام لصالح المسلحين. النظام وروسيا معا، ومع ذلك هم فاشلون في تحقيق أي تقدم نوعي، فما بالك لو كان النظام لوحده؟".

ويرى البعض، بحسب جمال، أن "الاهتمام بنا من قبل الروس يعود لكون الأهالي مسيحيين ومهددين"، أما هو فيعتقد أن "الدول لا عقيدة لها، أو مصالحها هي عقيدتها". لكن مع ذلك يرى جمال، أن "روسيا مشاركة، مناصفة مع تركيا، في حفلة الدم والرعب الأخيرة. معظم الناس هنا يفكرون بالأمر كالتالي: إذا كانت الأجواء طيبة بين بوتين وأردوغان، نًعِمت قرى وبلدات إدلب وريف الشمالي بحماة بالهدوء، والعكس صحيح. الآن بدأ الكلام عن هدنة وإيقاف الحرب، لا ندري ما هي تفاصيلها أو مدتها، لكني على ثقة أن هذه الأمور تحدد بدرجة الانسجام بين الأتراك والروس. بهذا المعنى، فإن روسيا التي تحمينا هي نفسها التي تضعنا في الخطر عندما تتطلب مصلحتها ذلك".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024