إدلب:"تحرير الشام" تعتقل قادة "القاعدة" الأردنيين

خالد الخطيب

الثلاثاء 2017/11/28
شنّت "هيئة تحرير الشام" حملة اعتقالات واسعة، الإثنين، طالت عدداً من الشخصيات السلفية الجهادية التابعة لتنظيم "القاعدة" في إدلب وحلب وحماة. وشملت الاعتقالات قادة من الصفّين الأول والثاني، وعشرات العناصر من المُهاجرين، خاصة الأردنيين منهم.

وجرت اشتباكات متقطعة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة في مناطق مختلفة، على خلفية المداهمات التي نفذها الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة" لمقار ومنازل المطلوبين في الحملة. الاشتباكات تسببت بجرح عدد من عناصر الجهاز الأمني الذي تمكن من اعتقال بعض الشخصيات المطلوبة، بينما تمكن عدد من المطلوبين من الفرار، ويرجح أنهم لجأوا إلى مدينة سرمين جنوب شرقي مدينة إدلب.

الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة"، استنفر قواته، فجر الاثنين، ونشر عدداً كبيراً من عناصره على الحواجز المحيطة بإدلب وريف حلب الغربي، وتمكن من القاء القبض على الشخصيتين الأهم في قائمة المطلوبين في الحملة الأمنية؛ المسؤول الشرعي العام السابق في "جبهة النصرة" سامي العريدي، والقيادي السابق في "جبهة فتح الشام" إياد الطوباسي "أبو جليبيب الأردني". وتم اعتقالهما ومن معهما من مرافقة شخصية، قبل فجر الإثنين، على حاجز لـ"الهيئة" شمالي مدينة دارة عزة قرب الحدود السورية التركية. ولم تحصل أي اشتباكات تذكر أثناء اعتقالهما، وقيل إنهما كانا في طريقهما الى مقر زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، تلبية لدعوة من أجل حلّ الخلاف المتصاعد بين تيار الداعمين لإحياء فرع "القاعدة" في سوريا الرافضين لفك ارتباط "فتح الشام" عن "القاعدة" من جهة، و"هيئة تحرير الشام" المتمسكة بقرارها من جهة ثانية.

العريدي والطوباسي، المعتقلان لدى "الهيئة"، هما أمير جماعة "أنصار الفرقان" ونائبه. وهذه الجماعة هي فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، الذي أعلن عن تشكيله بعد الانتشار العسكري التركي المباشر في الشمال السوري. وقاد الرجلان اللذان يحملان الجنسية الأردنية، تيار المنشقين عن "جبهة النصرة" بعدما أعلنت فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" في تموز/يوليو 2016، وتشكيل "جبهة فتح الشام". وأكد أحد أبناء إياد الطوباسي "أبو جليبيب الأردني" نبأ اعتقال والده، في تسجيلات صوتية قال فيها: "أؤكد اعتقال أبي من قبل الهيئة، وكان هذا على آخر حاجز بيننا وبين الأكراد، وذلك عند الساعة السادسة والنصف صباحاً".

وداهم الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة" مقار ومنازل قياديين آخرين في "القاعدة"، قرب أطمة وسرمدا والدانة وسلقين، من قادة الصف الأول في "أنصار الفرقان"، وبينهم نائب سابق لأبو مصعب الزرقاوي يُعرف باسم "أبو القسام الأردني"، وكذلك "أبو همام العسكري" أو "أبو الهمام الشامي"، العسكري العام لـ"جبهة النصرة" سابقاً والمرشح لتسلم منصب القائد العسكري لـ"أنصار الفرقان"، وكذلك بلال خريسات "أبو خديجة" الأردني المسؤول الشرعي في "أنصار الفرقان"، وكذلك "أبو هاجر الأردني" الذي التحق بـ"جبهة النصرة" مطلع العام 2012 وعمل عسكرياً في الغوطة الشرقية قبل أن ينتقل أوائل 2015 الى ريف ادلب ليصير أميراً على قطاع البادية، إلى أن انشق عن "النصرة" رفضاً لفك ارتباطها بالـ"القاعدة".

وداهمت القوة الأمنية مقر "أبو سليمان السوري"، الذي كان مقيماً في الأردن، والمحسوب على التيار الجهادي الأردني الذي يتصدر قيادة "أنصار الفرقان"، وكان قائداً عسكرياً في "جبهة النصرة". "السوري" و"أبو هاجر" هما قائدان عسكريان في "أنصار الفرقان"، وجرت اشتباكات خلال اعتقالهما مع عناصر حمايتهما.

حملة الاعتقالات التي شنتها "الهيئة" طالت أيضاً قيادات من الصف الثاني، وهم في الغالب أردنيو الجنسية أيضاً، ممن كانوا ضمن صفوف "جبهة النصرة" في قطاعات البادية في ريفي حلب وادلب. ومن بينهم "أبو الليث" و"أبو زكريا" و"أبو مسلم". كما اعتقل عدد كبير من عناصر الحماية، والمرافقة الشخصية للشخصيات البارزة التي تم اعتقالها، وهناك جزء كبير منهم من الجنسية السورية.

مصدر عسكري معارض أكد لـ"المدن"، أن الحملة الأمنية التي تقوم بها "الهيئة" موسعة، شملت عدداً كبيراً من الشخصيات داخلها، من المهاجرين تحديداً، وقد تم استغلال إطلاق الحملة الموجهة أصلاً لقادة "أنصار الفرقان" من قبل الجولاني للتخلص من بقايا المعارضين والمنافسين له داخل "الهيئة". وهذه الخطوة التي يقوم بها الجولاني هي بمثابة ضربة استباقية لمنع حدوث انشقاقات خلال الفترة القادمة المليئة بالمتغيرات التي ستكون فيها "الهيئة" شريكاً أساسياً.

وأصدرت "الهيئة" بياناً تزامن مع حملتها الأمنية ضد "أنصار الفرقان"، عنونته: "وللقضاء كلمة الفصل"، واتهمت فيه الشخصيات المستهدفة بحملة الاعتقالات بتقويض بنيان "الهيئة" وزعزعته: "سعت هيئة تحرير الشام منذ انطلاقتها لإقامة كيان سني يحشد طاقات أهل الشام لدفع العدو الصائل ويمثل ثورة أهل الشام بما يليق بهم، وبذل في سبيل تحقيق تلك الغايات النبيلة الغالي والنفيس؛ إلا أن فئاماً من الناس،  هداهم الله وغفر لهم ، بنظرتهم القاصرة وتصورهم الضيق المحدود كانوا منذ البداية ضد هذا التوجه ولم يكتفوا بمجرد ذلك بل أخذوا يسعون جاهدين لتقويض هذا البنيان وزعزعته وبث الفتن والأراجيف فيه".

وتابع البيان: "نتيجة لتزايد الضرر والفساد الذي تسببه هذه المجموعات فقد تم إعلامهم مسبقاً وتنبيههم أن الأمر سيحال للقضاء بعد فشل مساعي الصلح، وأن الأمر لا يمكن أن يبقى معلقاً دون حسم، فإن قيادة الهيئة وانطلاقاً من واجباتها تجاه الساحة وتجاه جنودها، ومنعاً لانزلاق الساحة إلى مآلات خطيرة، وبعد تعثر مساعي الصلح المنشودة قامت بتقديم لائحة ادعاء تجاه رؤوس الفتنة لكي يقدموا لمحاكمة شرعية عادلة تظهر عبرها الحقيقة وإن الأمر الآن لدى القضاء ليقول كلمته الفصل".

القائد الاداري في "هيئة تحرير الشام" أبو مالك الشامي، أصدر بياناً دافع فيه عن الحملة الأمنية التي تشنها "الهيئة"، شارحاً فيه أهمية التحول الذي قامت به "جبهة النصرة" حين فكت ارتباطها بـ"القاعدة"، الذي اعتبره اجراءً شرعياً. وقال الشامي: "استطاعت الحركة الجهادية ولأول مرة في التاريخ المعاصر أن تنتقل إلى حركة تعيش آلام الناس، وأوجاعهم وتحاول جهدها إيصال هم نصرة الدين إلى عموم المسلمين، وقد ظهر نجاح هذه الحملة النوعية في أرض الشام جلياً والحمد لله".

وأضاف بيان الشامي: "إن ما حصل اليوم هو نتاج لمرحلة مضت، ولكن لم يستجب الأخوة لمقترحاتنا، والذي ينظر لمصلحة الساحة، ومصلحة أهل السنة في الشام يعلم أن الخطب جلل، فسنعمل جاهدين على إخماد هذه الفتنة".

"جبهة النصرة" التي تتزعم "هيئة تحرير الشام" حالياً، حاولت ثني التيار المنشق عنها عن مواصلة مشروعه الذي يهدف لإعلان فرع لتنظيم "القاعدة" في سوريا. والجهود الرامية لتخفيف التصعيد بين التيارين فشلت، على الرغم من أن شخصيات محسوبة على التيار السلفي الجهادي، من بينها المقدسي وأبو قتادة، كانت أصدرت قبل مدة مبادرة للصلح بين الطرفين.

"الهيئة" فشلت أيضاً في إقناع المنشقين، على الرغم من عروضها المغرية كتنصيب بعضهم في مواقع قيادية مقربة من الجولاني. وتتخوف "الهيئة" من تنامي دور هذه الجماعة التي أصبحت تمثل تهديداً حقيقياً لها في إدلب، في ظل تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" في ريف حماة، ومعه طيف واسع من عناصر "لواء الأقصى" المقربين من "أنصار الفرقان".

ولعل إعلان "لواء الأقصى"، على لسان أحد الإعلاميين المقربين منه، عن استعداده لتأمين الحماية للملاحقين من قبل "الهيئة" حال توجههم لمدينة سرمين، خير دليل على أن الطرفين؛ "لواء الأقصى" و"أنصار الفرقان"، على تنسيق يهدف إلى الانقلاب على "هيئة تحرير الشام".

الحملة الأمنية لـ"الهيئة"، مستمرة حتى اللحظة. وأحدثت الاعتقالات موجة عارمة من الاعتراضات داخل صفوف "الهيئة" على اعتقال المهاجرين وطالبت بالإفراج عنهم فوراً. "قوات النخبة/القطاع الغربي" التابعة لـ"جيش النصرة"، أصدرت بيان إدانة للحملة الأمنية، وكذلك مجموعة من القيادات العسكرية والشرعية في "الهيئة". وطالبت الأصوات المعترضة بإطلاق سراح المعتقلين، وأعلنت عن تعليق عملها داخل صفوف "الهيئة" ممهلة الجولاني 24 ساعة للاستجابة للمطالب.

استنفار واسع تعيشه "هيئة تحرير الشام" في ظل تنامي التيار المناهض داخلها للحملة الأمنية التي تشنها على أتباع "القاعدة". فهل ستستجيب "الهيئة" لمطالب المناهضين لها، وتوقف حملتها الأمنية؟ أم أن الأمور تتجه نحو التصعيد، وربما ستشهد انشقاقات كبيرة في صفوفها تؤدي لاقتتال شرس بين أبناء البيت الواحد؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024