أسس النصر "الأردوغاني"

جو حمورة

الأربعاء 2014/04/02
 ضخماً ومهماً كان نصر حزب "العدالة والتنمية" يوم الأحد الماضي في الإنتخابات المحلية التركية. فعلى الرغم من ازدياد نسبة ناخبيه من 38.8 في المئة عام 2009 إلى 45.5 في المئة في الإنتخابات الاخيرة، إلا أن أهمية هذا الفوز تكمن في أنها تأتي مباشرة بعد فضائح وتسريبات مسّت بكبار قيادات الحزب. وتسببت في كشف قضايا فساد طالت رئيس الحزب، رجب طيب أردوغان، ومقربين منه. هذا عدا عن قمعٍ حكومي للحريات العامة في تركيا، وخلافات داخل التيار الإسلامي في البلاد.

لم تتمكن الأزمات التي عصفت بحكم أردوغان وحزبه في إضعافه، بدءاً من مظاهرات ميدان "تقسيم" في العام الماضي وما تلاها. قد يكون ذلك لأن الحزب الحاكم ذا الجذور الإسلامية يعتمد على قواعد تأييد، خارج نطاق المتضررين المباشرين من سياساته الأخيرة. تلك القواعد كانت "مداميك" لوصوله إلى الحكم عام 2002، ولا تزال تشكل "الأسس" الصلبة في استمراره حتى اليوم.
 
تشكل "شريحة" رجال الأعمال الأتراك الأساس الأول للحكم "الأردوغاني". وتتألف من "تجمع رجال الأعمال والصناعيين المستقلين (موسياد)"، و"تجمع رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد)"، اللذين يضمان سوية حوالي 8000 رجل أعمال، يملكون آلاف المصانع والشركات التجارية في تركيا وخارجها، كما مئات الألوف من الموظفين والعمال. 
 
في البدء، ومنذ مطلع التسعينيات، راكمت هذه الشريحة أموالها حين مثّلَ السقوط المدوي للإتحاد السوفيتي فرصة ذهبية لهم للاستثمار في أسواق جمهورياته الآسيوية السابقة. فاغتنوا بسبب غياب المنافسة، ثم عادوا إلى تركيا ووسعوا نشاطاتهم التجارية والصناعية في الأناضول والمدن الكبرى. في عهد رئيس الوزراء أردوغان، انتعشت أعمالهم، وساعدتهم سياساته الخارجية على التمدد خارجاً حين فتحت لهم الأسواق العربية والأفريقية. 
 
أما الطرق الصوفية، وخاصة النقشبندية منها والتي تعد الأقوى في تركيا، فتشكّل داعماً أساسياً للحزب الحاكم. ويشكل بعض أعضائها جناحاً حزبياً قوياً داخل العدالة والتنمية ذا خلفية نقشبندية. وبسبب فعاليته، زاوج هذا الجناح بين نفوذ الحركة الصوفية التركية من جهة، واستمرار الحزب الحاكم الإسلامي في السلطة من جهة ثانية. يأتي هذا التحالف في وجه العلمانيين الأتراك؛ أعداء الحركات الصوفية التاريخيين. 
 
الأساس الثالث، هو الإسلام التقليدي، وشارعه المتأثر بحركات الإسلام السياسي. تتركز هذه الكتلة في الأناضول وضواحي المدن الفقيرة، والذين يعبر عنهم سياسياً الحزب الإسلامي الحكم.  تاريخياً، أفسحت ديكتاتورية العسكر ضد اليسار التركي المجال أمام قوى الإسلام السياسي لتمثيل سكان ضواحي المدن وفقراء الأناضول. أما "العدالة والتنمية" فاستفاد من غياب ممثلي اليسار، وعمل على كسب الشارع الإسلامي. مرّ ذلك بمراحل من النهوض الإقتصادي، حسّنت من وضع الأتراك، وزادت من متوسط الدخل لهم بمقدار ثلاثة أضعاف من العام 2002 إلى اليوم، بحسب إحصاءات البنك الدولي.
 
أما الأساس الرابع لحكم أردوغان فهو سياسته الخارجية، التي تشكل للأتراك الإسلاميين والقوميين مصدر فخر واعتزاز، على اعتبار أن هذه السياسة تزيد من قوة تركيا وحضورها، وما سياسة تركيا الخارجية، بالنسبة لهم، سوى دفاع عن الشعوب الإسلامية المضطهدة. لذلك وقبل الانتخابات بأيام قليلة، لم يفلح تسريب فيديو مناقشة المسؤولين الأتراك احتمال تدخل تركي في سوريا من تقليل شعبية الحزب الحاكم.

على العكس، أفاده هذا التسريب في إبراز السلطة التركية كمدافع عن تركيا وأمنها القومي وحدودها الجغرافية والمسلمين في "الأمة". وهذا ما برهن عليه فوز حزب أردوغان في الولايات التي كانت تعد معاقل للقوميين الأتراك منذ عشرات السنين وحتى الأمس القريب، كولايتي سامسون و كاستامانو.
 
لذلك فإن أردوغان وحزبه يمكنهم "المس" بمسائل تتعلق بالحريات في تركيا، أو حتى الإفلات من شبهات فساد دون الخوف من خسارة السلطة. ذلك لأن أسس حكمهم صلبة وقوية وموزعة في كل الجوانب الاقتصادية والدينية والجغرافية في تركيا، ما يجعل خسارته لنسب الأصوات محدودة. في حين يعول منافسوهم العلمانيون على الشباب النشط فقط في المدن الغربية القريبة من أوروبا وعلى سواحل المتوسط والمعارضة أصلا للحزب الحاكم. 
 
انتهت معركة أردوغان في الانتخابات المحلية بنجاح، وحافظ على أسس حكمه التي تزداد قوةً وتأثيراً كلما استمر بالسلطة. أما هو فيستعد لمعركة أخرى تتمحور حول  تعديل الدستور التركي لجعله رئاسياً قبل ترشحه إلى منصب رئاسة الجمهورية في شهر آب المقبل. في حين يبدو توليه هذا المنصب أمراً شبه محسوم طالما بقيت أسس نصره ثابتة في تأييده.


 
حزب العدالة والتنمية تصدر نسب تصويت الناخبين الأتراك بنسبة 45.55 في المئة (انفوغرافيك: نضال التوبة)
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024