المركز العربي للابحاث
ورغم أولوية هذه الأسباب الفنية، فإنّ قراراً بهذه الأهمية لا يمكن فصله عن الأوضاع داخل أوبك، ولا سيما ما يتعلق بهيمنة الدول الكبرى في إنتاج النفط، وإجرائها اتفاقات خارج إطار المنظمة وفرضها على الدول الأقل إنتاجاً. وكانت قطر تمسكت بعضويتها في أوبك في أشد ظروف المنظمة سوءاً بما في ذلك في أوقات الحرب الإيرانية - العراقية (1980-1988)، واحتلال الكويت (1990)، وغزو العراق (2003)، أو حتّى خلال حقبة انهيار أسعار النفط عقب ثورات الربيع العربي (2014-2017).
وترى وكالات اقتصادية متخصصة في قرار انسحاب قطر في هذه الظروف دليلاً على تراجع نفوذ أوبك، وخاصة أنّ السعودية، التي تقود حصاراً رباعياً ضد قطر، تعمل خارج إطار المنظمة وبالتنسيق مع دول غير أعضاء (روسيا تحديداً) للتحكّم في كميات الإنتاج ومن ثم مستوى الأسعار. وقد أخذت هذه السياسات تضرّ بمصالح الدول الأعضاء؛ إذ أدت زيادة الإنتاج بالاتفاق بين السعودية وروسيا، وبطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى انخفاض أسعار النفط بأكثر من الثلث خلال شهر واحد، فانخفضت من سعر 85 دولاراً أميركياً للبرميل في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2018 إلى نحو 50 دولاراً عشية الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. وكان الرئيس ترامب قد طالَب أوبك في 20 أيلول/ سبتمبر 2018 بضرورة خفض أسعار النفط، وذلك قبل أسابيع قليلة من فرض عقوبات أميركية على قطاع الطاقة الإيراني، معتبراً أنّ دولته تحمي بلدان الشرق الأوسط.
وقد استجابت السعودية وروسيا للطلب الأميركي، في محاولة لتحسين حظوظ الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية. وزادت الرغبة السعودية في إرضاء ترامب بعد جريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، بعد أن غدت هذه القضية ورقة ضغط كبيرة بيد ترامب، يستطيع من خلالها الحصول على ما يشاء من السعودية، وخاصة أنّه تحوَّل ليصبح الحامي الفعلي لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من تداعيات هذه الجريمة.
من جهة ثانية، يأتي قرار قطر بالانسحاب في الوقت الذي أصبحت عضوية منظمة أوبك تنطوي على مخاطر سياسية. ففضلاً عن هجمات ترامب المتكررة على المنظمة، بدأت وزارة العدل الأميركية رسمياً بمراجعة تشريعاتٍ (قانون NOPEC) لكبح جماح قوّة الكارتل النفطي. وفي حالة إقرار هذه التشريعات في الولايات المتحدة، فإنّ أعضاء المنظمة سيجدون أنفسهم عرضةً لملاحقات قانونية بموجب قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار لسنة 1890؛ وهو القانون الذي استحدث في حينه لتفكيك إمبراطورية الملياردير الأميركي جون روكفلر.
تداعيات محتملة
يرى خبراء أنّ خروج قطر من أوبك سيكون له انعكاس إيجابي على اقتصادها، لأنها تتّخذ خطّاً إنتاجياً بعيداً عن مسار دول أوبك التي تعتمد على النفط، وسيسمح لها ذلك بزيادة تركيزها على صناعة الغاز وتعزيز نفوذها في سوقه.
أما على مستوى أوبك، فيتوقع أنّ يشجع قرار قطر دولاً أخرى داخل المنظمة، مستاءة من التفرد السعودي بالقرارات، على الانسحاب، وخاصة أنّ سوق النفط أضحت مرتبطة بصورة أساسية باتفاقات السعودية وروسيا لإبقاء الإمدادات تحت السيطرة، الأمر الذي يهدد مستقبل المنظمة ووجودها ويضعف من قدرتها على السيطرة على العرض والطلب. وقد تبدّى هذا الأمر بوضوح في موقف مندوب إيران في منظمة أوبك، كاظم بور أردبيلي، الذي أعرب عن أسفه للقرار القطري، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى تفهّمه بالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع داخل أوبك. وأضاف المندوب الإيراني، أنّ ثمة كثيراً من الأعضاء في أوبك يشعرون بخيبة أمل من أن اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة التي ترأسها السعودية وروسيا تتخذ قرارات بشأن الإنتاج بصورة منفردة ومن دون توافق مسبق داخل أوبك.
خاتمة
يبدو القرار القطري بالانسحاب من منظمة أوبك مرتبطاً بإستراتيجية قطر الخاصة بالطاقة؛ إذ إنّها بهذا القرار رسمت طريقاً آمناً يجعلها بمنأى عن الضغوط والالتزامات التي قد تكون مجحفة في بعض الأحيان. وتنظر قطر بواقعية إلى قدراتها في مجالَي النفط والغاز، وتقرّ بمحدوديتها في المجال الأول، في حين أنّها تطمح إلى الحفاظ على الصدارة العالمية في مجال صناعة الغاز المسال. مع هذا لا يمكن إغفال السياق الجيو-سياسي للقرار القطري المتعلّق أساساً بسلوك المملكة العربية السعودية داخل منظمة أوبك، وتهميشها للمنظمة في سلوكها خارجها (مثل التنسيق مع روسيا وإملاءات ترامب). وبخروج قطر تتعمق أزمة المنظمة؛ إذ قد تسير دول أخرى نحو سياسات إنتاجية مستقلة بعيداً عن أوبك، ما لم تلمس هذه الدول تغيراً في المواقف السعودية بالعودة إلى التزام مصالح الدول الأعضاء.