الرواية الإسرائيلية لسكوت الأسد:أبو ظبي اشترته وتحاول تعويمه

المدن - عرب وعالم

السبت 2020/09/19
لم تنشغل إسرائيل، في خضم الاحتفال "الصّاخب" بالتطبيع الإماراتي والبحريني، عن مراقبة ورصد ردود أفعال الشعوب والأنظمة العربية وخاصة رئيس النظام السوري بشار الأسد حيال اتفاق التطبيع الذي تراه "اختراقاً نوعياً" لعمق القضية الفلسطينية عربياً.

لعل سكوت الأسد على اتفاق التطبيع الاماراتي، وعدم انتقاده، قد استوقف إسرائيل مليّاً فراحت الى قراءة دلالاته الحالية والمستقبلية، على الرغم من أنها تعلم جيداً أن صمت الأسد، ليس مفاجئاً في نهاية المطاف بالنظر إلى مصلحة النظام وأولوياته في البقاء.

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أكدت في مقال تحليلي لها أن الناطقة الوحيدة التي تحدثت عن هذا الموضوع كانت بثينة شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد التي قالت في الشهر الماضي: "لا نفهم ما الذي تجده دولة الإمارات في التطبيع مع إسرائيل التي خرقت كل الاتفاقات التي وُقّعت معها".

لكن الصحيفة تفسّر كلام شعبان كتعبير إدانة ضعيف وناعم نسبياً من دمشق مقارنة بالإدانات الأكثر حدة بكثير من جانب الفلسطينيين، و"حزب الله"، وإيران ودول أخرى. وتضيف الصحيفة "كان من المتوقع أن يُصدر الأسد نفسه إدانة شديدة، لكن الرئيس السوري سكت".

وتعلل الصحيفة العبرية هذا السكوت من قبل الأسد بثلاثة أسباب رئيسية؛ أبرزها أن الإمارات فتحت من جديد سفارتها في دمشق عام 2018، ومهدت الطريق إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأبو ظبي، فضلا عن جهودها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، التي طُردت منها في أعقاب اندلاع الثورة السورية.

وهناك سبب رابع ألمحت إليه تحليلات صحافية إسرائيلية الشهر الماضي، حينما قالت إن الامارات تسعى من خلال اتفاق التطبيع إلى إقناع إسرائيل بجدوى بقاء بشار الأسد في منصبه في إطار اي تسوية للمسألة السورية. ولعل هذه النقطة الأهم التي اشترت الامارات بها صمت الأسد إزاء تطبيعها، أو ربما تخفيض حدة أي انتقاد من قبله للاتفاق التطبيعي لاحقاً.

تعتقد الدوائر الاستراتيجية في تل ابيب أن ثمة شكاً كبيراً في أن يتوجه الأسد فجأة نحو التطبيع مع إسرائيل، وثمة شك أكبر في ما إذا كان سيجد شريكاً في إسرائيل، مشيرة إلى أنه بخلاف الإمارات والبحرين، السلام مع سوريا له ثمن لن تدفعه إسرائيل، خاصة وأن الأخيرة لم يعد يعنيها ذلك الآن بعدما فرضت سيادتها على الجولان السوري المحتل.

وللمفارقة، سعت إسرائيل الى مفاوضات مع نظام بشار الأسد خلال السنوات التي سبقت اندلاع الثورة الشعبية عام 2011، وكانت الفرصة الأكثر جدية عندما خاض بشار الأسد مفاوضات ماراثونية مع إسرائيل عام 2008 في عهد رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ايهود أولمرت لكنها تعثرت لسببين؛ الأول اندلاع حرب غزة حينها، والثاني إفشالها من قبل الولايات المتحدة التي غضبت من إسرائيل كونها لم تضعها بصورة تلك المحادثات، وهو ما اعتبرته تجاوزاً لها.

مع ذلك، تقول "هآرتس" إن الأسد أرسل مؤخراً "تلميحات تُظهر أن ركوبه القطار الإسرائيلي يمكن أن يحميه من الجرائم الفظيعة التي ارتكبها ضد الإنسانية، وأنه سيحظى بالتطبيع مع العالم في مقابل التطبيع مع إسرائيل".. لكن الصحيفة تستدرك قائلة: "انه من الصعب العثور على تلميحات إلى تطبيع مع إسرائيل من الجانب السوري".

ولأن الأسد لن يتمكن هو من التطبيع بنفسه؛ فإنه يعتمد على الامارات التي طبعت مع إسرائيل للتو من أجل القيام بمهمة تسويق النظام ودفع دول إقليمية وعالمية الى التطبيع معه.. وذلك ضمن معادلة جديدة يكرسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المنطقة في ظل ضعف النظام السوري ومفادها "بقاء النظام مقابل السلام"، بعدما ظن أنه كسر معادلة "الجولان مقابل السلام"؛ معتقدا أنه أخرج الجولان من دائرة التفاوض.

وبالعودة الى دور الامارات في الملف السوري على ضوء اتفاق التطبيع، أكدت مصادر سياسية ل"المدن" ان اتفاق التطبيع الإماراتي أكثر من كونه اتفاقاً ثنائياً بين تل أبيب وأبو ظبي، وإنما توطئة لأن يكون انطلاقة لتغييرات كبيرة في الشرق الاوسط، وهو ما يتناغم مع إشارات من محسوبين على الامارات حول غايتها الأساسية من الذهاب إلى التطبيع مع تل ابيب الآن، ألا وهي رغبتها في لعب دور "المُحاور والمُيسّر الإقليمي" بدلاً من أن تنافسها على ذلك دول عربية وإسلامية.

ويتطابق ذلك مع ما ذهبت إليه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حيث اعتبرت ان اتفاق التطبيع الإماراتي هو "تغيير حقيقي في قواعد اللعبة (game changer)" من جميع النواحي.

بهذا المعنى، يرى مراقبون أن الإمارات ستعزز دورها في سوريا عبر محاولات إبعاد النظام السوري رويداً رويداً عن دائرة التأثير الايراني من خلال إغرائه ببذلها جهداً وفيراً من أجل ضمان بقائه وفتح باب التطبيع العالمي معه بموازاة العمل على إعادته إلى الجامعة العربية.. بالترافق مع ذلك تكثف مصر والإمارات حضوريهما على الخط الكردي في الشمال السوري، لمواجهة تركيا.

بدوره، قال معهد دراسات "الأمن القومي الإسرائيلي" إن ثمة قاسماً مشتركاً بين نظام الأسد من ناحية ومصر والإمارات والسعودية من ناحية ثانية، ويكمن بالوقوف ضد الدور التركي في سوريا وليبيا... مضيفاً أن الإمارات تضخ أموالاً في سوريا ولا يريد الأسد التخلي عنها، كما أرسلت مصر وحدات عسكرية إلى شمال سوريا لمساندة الأسد في التصدّي للحضور التركي، ومواجهة المجموعات المسلحة المدعومة من أنقرة.

وهذا يعني -بالمنظور الإسرائيلي- أن تقاطع المصالح هذا بين الأسد والإمارات ومصر له وزن أكبر من إرادة إيران بشجب عملية التطبيع مع إسرائيل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024