النظام المثقل اقتصادياً..ينهك أسواق دمشق بالخسائر

نور عويتي

الجمعة 2020/06/26
لا يزال النظام السوري يطرح حلولاً هزلية لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي يمر بها. فبعد أن ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وانقطعت عن الأسواق بعض المواد الأساسية واضطر الكثيرون لإغلاق محلاتهم التجارية؛ أصدرت محافظة دمشق تعميماً بتمديد ساعات العمل للمحلات التجارية، على اعتبار أن هذا الإجراء سيساعد المواطنين في تأمين احتياجاتهم.

القرار ينكر السبب الرئيسي في معاناة المواطن السوري المرتبط بممارسة حكومة النظام السوري، التي أحدثت فارقاً هائلاً  ما بين سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء وفي المصرف المركزي، ويربط الموضوع بسوق البيع والشراء.

الحكاية بدأت مع قانون "قيصر" الذي زعزع وضع العملية السورية ولا يزال. فضّل أصحاب المحلات التجارية إغلاق محلاتهم حتى في الأسواق الرئيسية في العاصمة دمشق، كسوق الصالحية والحميدية ومدحت باشا. كانت خسائر الإغلاق أقلّ وطأة على التجار من خسائر البيع، لاسيما أن الحكومة تشدد الرقابة، وتجبر التجار على البيع بأسعار تحددها لهم علماً أن البضائع في مصدرها قد يكون سعرها أعلى من السعر الذي حددته الحكومة.

الرقابة التموينية المشددة، التي ازدادت فعاليتها بعد حراك السويداء الثوري، لم تقتصر على محلات بيع المواد الغذائية ذات الإنتاج المحلي، وإنما شملت أيضاً محلات بيع الملابس والأدوات الكهربائية والمنزلية المستوردة، والتي يسعّرها التموين وفقاً لسعر الدولار في البنك المركزي.

ويقول أحد تجار الهواتف الخلوية ل"المدن"، إن وزارة التموين "تتعمّد نشر موظفيها بشكل كثيف في الأسوق الشعبية كلما ارتفع سعر صرف الدولار، لتجني المخالفات من الباعة الذين سيضطرون لزيادة أسعار بضائعهم؛ وهو ما يحدث في الأيام الأخيرة، التي بات فيها عناصر التموين زبائن ثقيلين دائمين على محلاتنا".

ويضيف "قبل أيام كادت أن تخالفني دورية تموين بعد أن تظاهر أحد عناصرها أنه زبون عادي وسألني عن سعر هاتف خلوي حديث، وحسبت له السعر وفقاً لسعر صرف الدولار يومها. وانتهي الأمر بحصوله على الهاتف الذس يتجاوز سعره 350 دولاراً، مع تهديدات باتخاذ إجراء أقسى إن لم التزم بسعر البيع وفقاً لتسعيرة الوزارة، وكان يومها يعادل 90 دولاراً. قررت إغلاق محلي بعد تلك الحادثة، ولكن وصلتني تهديدات بالاعتقال وإغلاق المحل بالشمع الأحمر. لذلك قمت بسحب الهواتف، واكتفي اليوم بتعبئة خطوط الهاتف وبيع بعض الاكسسوارات بالأسعار الخاسرة التي تحددها الحكومة".

الخسارات الكبيرة التي يتكبدها أصحاب المحلات التجارية لا تقتصر على بيع البضائع الأجنبية المعروف سعرها عالمياً، وإنما يشمل كل المنتجات التي تتبدل أسعارها من مصدرها بشكل يومي، وفقاً لسعر الدولار. 

ويقول مصدر من دمشق ل"المدن": "خسارتنا نحن أصحاب محلات البقالة هي الخسارة الأكبر في هذه الفترة؛ فنحن مضطرون لبيع الناس حاجاتهم الرئيسية بتجارة خاسرة أنهكتنا، والأسوأ من ذلك أن الجميع يلقون اللوم علينا، وكأنهم لا يدركون أن ارتفاع الأسعار هو أمر طبيعي مع ارتفاع سعر الدولار، بل إن البعض يقومون بشتمنا ويتهموننا بأننا نستثمر الظرف لتحقيق مرابح أعلى".

وأضاف "أنا أخسر بشكل يومي، والدولة لا ترحمنا أبداً. تلزمنا بفتح محلاتنا وخدمة الناس على نفقتنا، دون أن تعوضّنا عن خسارتنا. بل إنها شددت الرقابة علينا مؤخراً لترغمنا على البيع بخسارة، وكأن الهدف وراء ذلك هو إفلاسنا".

ومن الطبيعي أن يحاول أصحاب المحلات من التهرب من الخسائر الحتمية، وهو ما أدى إلى موجة إغلاق المحلات التجارية في دمشق. إلا أن الأجهزة الامنية لم يرق لها ذلك، وشنت حملة اعتقالات واسعة طالت عدد كبير من التجار الذين أصروا على إغلاق محلاتهم، وتم إلزام أصحاب المحلات التجارية من قبل الأمن بفتح محلاتهم بدوام كامل بشكل إلزامي دون صدور قرار رسمي بذلك.

ويقول مصدر آخر من دمشق ل"المدن"، إنه "تم الاتفاق بيني وبين مجموعة من أصحاب المحلات في الشعلان على الإغلاق حتى ثبات سعر صرف الدولار. ولم يمضِ على تسكير المحلات سوى يومين عندما تواصلت معنا الجهات الأمنية وأمرتنا بفتح محلاتنا، متحججةً بأن إغلاقها سيعطي صورة غير مستحبة تنذر بانهيار الاقتصاد الوطني". 

وتابع: "في اليوم الثالث تم اعتقال شخصين لرفضهم إعادة فتح محلاتهم، وخُتمت محلاتهم بالشمع الأحمر ولم يطلق سراحهما إلا بعد أن دفعا مبالغ مالية كبيرة. بالإضافة لذلك، يتوجب عليهم دفع ما يقارب 350 ألف ليرة سورية لفك إشارة الشمع الأحمر عن المتاجر وإعادة فتحها".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024