صراع الاندماج.. هل سيفكك "أحرار الشام"؟

أحمد مراد

الإثنين 2017/01/02
أصدرت شخصيات محسوبة على فصائل إسلامية في سوريا فتوى بخصوص الاندماج الأخير بين الفصائل، تحت مسمى "عام الجماعة"، البيان نصّ على "ضرورة الالتزام بالاندماج"، و"الوفاء بالعهود"، و"حرمة النكث بالعهود"، داعياً كافة الفصائل والكتائب العسكرية في سوريا للانضواء تحت رايته، في حين أصدرت مجموعة من الشرعيين ومنظّري الجهاد، بياناً يدحض الفتوى، ويبين مواطن الخلل في الاندماج.

بيان "عام الجماعة" تضمّن أسماء الفصائل الموقعة على بيان الاندماج، وهي "حركة أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام" و"حركة نور الدين الزنكي" و"أجناد الشام" و"لواء الحق" و"الحزب الإسلامي التركستاني" و"أنصار الدين"، وتم تذييله بأسماء الموقعين على الفتوى، ليسارع بعض الشرعيين الواردة أسماؤهم في الفتوى لنفي علمهم بالبيان، وتأكيد عدم مشاركتهم فيه، ويتحول البيان من فتوى، إلى ما وصفه شرعيون في "حركة أحرار الشام" بـ"إعلان الحرب".

تصاعد وتيرة الاتهامات بين "حركة أحرار الشام الإسلامية" و"جبهة فتح الشام"، جاء بعد إعلان القيادي في "حركة نور الدين زنكي" حسام إبراهيم الأطرش، عدم توقيعه على البيان. "الأطرش" أكد أن إسمه وأسماء أخرى، وضعت مع الموقعين على البيان من دون علم مسبق، منهم علي سعيدو، والدكتور عمر رمضان. وأضاف الأطرش: "من وضع البيان استند إلى تأييدنا له، باعتبار حركة نور الدين زنكي من المشاركين في إعداد المشروع، وليس إلى توقيعنا، ولا يعتبر هذا الخطأ (تدليساً)، وإنما هو (سهو ونسيان)".

وترى "جبهة فتح الشام" أن تنصل "أحرار الشام" من الالتزام بالتوقيع، هو نتيجة ضغوط فرضتها القوى الداعمة للحركة، وتفرقة للصف، وضياع للجهود الرامية إلى توحيد الصف، في وقت يحتاج فيه "الجهاد الشامي" للوحدة، وترى أن جلّ رافضي الاندماج هم خارج الساحة، كـ"المجلس الإسلامي السوري" المتواجد في إسطنبول. ""فتح الشام" رأت أن فتوى 17 شخصية من أهل العلم توجب المضي في الاندماج، طالما رضيت الأطراف في الساحة أن يكون لهؤلاء العلماء كلمة الفصل في حل الخلافات.

بدوره عمل بيان "عام الجماعة" على حشد مناصري الاندماج عبر استبيان أطلقه، وأورد أسماء شرعيي الفصائل المؤيدين له، ومؤسسات إعلامية وفصائل عسكرية، ومنها "أجناد القوقاز" وكتيبة "مسلم الشيشاني" و"جمعية الأنصار والمهاجرين" و"نشطاء وإعلاميي شبكة أخبار المعارك".

في المقابل، أصدر شرعيون بياناً تحت مسمى "جواب على فتوى طلبة العلم حول الاندماج"، أوضح أن رؤية الاندماج التي يراها علماء "عام الجماعة" توحيداً للصف، واستجلاباً النصر، يراها آخرون سبيلاً لدمار الساحة، واستجلاباً للقتال الداخلي، وإسالة الدماء، ويجب أن يجمع الاندماج كل الفصائل، ولا يستثني فصائل بعينها. البيان عاد ليؤكد أن "جبهة النصرة" عملت على تعطيل محاولات سابقة لتوحيد الفصائل، ونكثت في اتفاقات المحاكم التي أضاعت دماء خيرة المجاهدين والفصائل.

مصادر في "حركة أحرار الشام"، ذكرت أن الحركة لم تتنصل من تعهداتها، لكن من إصدار البيان "ليّ للذراع"، وفق ما نشره عضو "مجلس شورى" الحركة أبو البراء معرشمارين، في "تويتر": "الحركة لن تقبل بسياسة ليّ الذراع وتمضي باندماج لا يشمل معظم الفصائل العسكرية، ولا يحقق مطالب الشعب، ويمنع الاستقطاب ويجرّ إلى التغلّب، لا شك في أهمية الاندماج وضرورته، فالثورة في مرحلة تحتاج منا أن تكون على قدر من المسؤولية. قبل هذا الاندماج كانت محاولات فاشلة، كاندماج الجبهة الإسلامية ذات الفكر الواحد، والجبهة الشامية". أبو البراء اعتبر أن محاولات الاندماج مبنية على نظرات مثالية غير واقعية.

مصدر خاص من "حركة أحرار الشام" أكد لـ"المدن"، أن شروط الاندماج وضوابطه كانت محل خلاف بين القادة الأربعة ممن تولوا العملية، وهم؛ أمير "جبهة فتح الشام" أبو محمد الجولاني، وأمير "حركة أحرار الشام" أبو عمار، والشيخ توفيق شهاب الدين القائد العام لـ"حركة نور الدين الزنكي"، وأبو عمر التركستاني القيادي في "فتح الشام"، والذي قتل في غارة جوية بطائرة من دون طيار مساء الأحد، قرب سرمدا في جوار الحدود السورية التركية.

المصدر أوضح أن شروط الاندماج المتفق عليها: "أن يشمل الاندماج معظم الفصائل العسكرية في الساحة السورية، لكن جبهة فتح الشام آثرت تأخير إعلان الاندماج لاستقطاب فصائل عسكرية، لكن الاندماج أغفل وجود هذه الفصائل وشروطها، وعمد إلى إقصائها، هذه الفصائل ذاتها هي التي رفضت أي اتفاق لوقف إطلاق النار لا يشمل فتح الشام". وهذه الفصائل تصفها "جبهة فتح الشام" بـ"المرهونين للخارج". ومن شروط الاندماج التي حددتها "حركة أحرار الشام"؛ زرع الثقة بين الجبهة والفصائل العاملة في الساحة السورية، عبر تبييض السجون، وإغلاق معتقلات "عقاب"، ومحاسبة "جند الأقصى" الذين أوغلوا في سفك دماء الفصائل، لكن عدم استجابة الجولاني للمطالب دفع أمير "حركة أحرار الشام" إلى التراجع عن قراره، ورفض الاندماج.

ولم يخفِ بعض قيادات "الأحرار" خوفهم من الاندماج مع "فتح الشام"، المصنفة ضمن "لائحة الإرهاب"، وضرر الاندماج معها ضمن فصيل واحد، ما سيؤدي إلى كارثة على أهالي المنطقة خاصة مع إعلان وقف إطلاق النار، وأن التنظيم المنفصل عن "القاعدة" سيحاول الاحتماء بالفصائل العسكرية.

ويبدو أن "حركة أحرار الشام" تواجه مفترق طرق، بعد انشقاق قائد "صقور الشام" أبو عيسى الشيخ أولاً، وإعلان تشكيل يجمعه بفصائل من الجيش الحر، وإعلان تشكيل "جيش الأحرار" بقيادة الأمير الأسبق للحركة جابر الشيخ أبو هاشم، والمحسوب على التيار الأصولي في الحركة. وكذلك الخلافات في "مجلس الشورى" على تعيين علي العمر، كأمير للحركة، بعد عزل أبو صالح طحان من منصبه كقائد عسكري. طحان وعدد من أعضاء "مجلس الشورى" كانوا قد علّقوا عملهم في أحرار الشام احتجاجاً على تعيين العمر من قبل 11 عضواً من أعضاء "مجلس الشورى" البالغ عددهم 19، في حين كان طحان يحاول إعادة هاشم الشيخ إلى قيادة الحركة من جديد، على أن يكون العمر نائباً له.

أبو جابر كان قد أعلن موافقته الكلية على مشروع الاندماج، ما سيفرض على "أحرار الشام" مستقبلاٌ خيارين، أحدهما القبول بالاندماج الجديد على أن يكون علي العمر قائداً عاماً والجولاني قائداً عسكرياً، أو أن تتفكك الحركة إلى تيارين، الأول موافق على الاندماج سيستقطب العناصر المتشددة في الحركة، لكن هذا التيار يمثل أقلية في الحركة، باعتبار أن معظم الفصائل المشكلة لـ"جيش الأحرار" والبالغ عددها 16 فصيلاً، غير فاعلة ولا يتجاوز تعدادها 1000 مقاتل، في حين سيكون التيار التجديدي في الحركة الذي يتزعمه العمر قريباً من تشكيلات الجيش الحر التي تحاول هي الأخرى الخروج بصيغة اندماج. وفيما لو انقسمت الحركة سيخرج تيار ثالث يؤيد أبو جابر الشيخ، ويمثل بعض أعضاء "مجلس الشورى" ومنهم أبو صالح طحان القائد العسكري السابق للأحرار، وأبو خزيمة، وأبو محمد الغاب.

وتشير تسريبات إلى وجود تنسيق بين القائد العام للحركة و11 فصيلاً من الفصائل غير المتشددة ومنها "جيش المجاهدين" "وصقور الشام" و"فيلق الشام"، لبحث عملية الاندماج، ما سيخلق توازناً في القوى العسكرية على الأرض بين الفصائل المتشددة، والفصائل المعتدلة، ويمكن أن يؤدي لخلافات جديدة بين الفصائل، مع احتمال بروز قوى فاعلة على الأرض، تكون بمثابة بيضة الميزان في هذا التنافس، كـ"حركة نور الدين زنكي" و"جيش إدلب الحر".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024