ترامب على شفير حرب لا يريدها مع إيران

ريم جبر

السبت 2019/06/22
شارفت أميركا وإيران على الانزلاق الى حرب فجر الجمعة حين أمر ترامب بشن ضربات على مواقع داخل إيران رداً على إسقاط طائرة "درون" أميركية فوق مضيق هرمز، في الأجواء الدولية على ما تقول واشنطن وفوق الأجواء الايرانية على قول طهران.

ولكن قبل أيام قليلة، كان عدد من المحللين والمعلقين الأميركيين يتبجحون بقوة بلادهم في شد الحبال مع إيران ونجاح مساعيها في خنق الاقتصاد الايراني في وقت تخوض معارك تجارية مع معظم حلفائها التجاريين (كندا، المكسيك، والصين...). ولاحظ ولتر راسل ميد في وول ستريت جورنال أن نفوذ أميركا في النظام الدولى تعاظم، على الرغم من الكلام على أفول دورها. فقبل خمس سنوات فحسب، لم يكن في مقدور واشنطن لفظ إيران من أسواق النفط الدولية من دون أن ترتفع اسعار النفط والغاز ارتفاعاً ضخماً يزعزع استقرار الاقتصاد العاملي، ولكن أسواق الطاقة صارت متينة لا بل أن أسعار النفط الخام انخفضت منذ الهجمات على ناقلات النفط في أيار (مايو) المنصرم.

وحازت أميركا القدرة على عولمة العقوبات الأحادية، وصارت واشنطن في غنى عن دعم الحلفاء في عزل طهران. فـ"العقوبات الثانوية" قادرة فعلياً على إلزام الدول بالمساعي الأميركية. ولكن التحلي بالقوة المطلقة لا يترتب عليه تلقائياً التحلي بالحكمة.

وأمام إحكام طوق العقوبات الاقتصادية على إيران، سعى نظام طهران الى النجاة من الاختناق الاقتصادي البطيء الوتيرة من طريق رفض المفاوضة والنزول على شروط بومبيو المسبقة، ومنها وقف تطوير إيران برنامجها النووي من جهة، ومن جهة أخرى وقف أعمال وكلائها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وأفغانستان.

والمطالب هذه أو الشروط هي صنو الاستسلام وإلقاء السلاح. ولكن طهران لا يسعها أن تساوم وتقدم أي تنازلات لحسابات داخلية. فهي تخشى  فقدان ماء الوجه أمام الرأي العام الايراني المتململ، على ما ينبّه ألان فراشون في صحيفة "لوموند" الفرنسية

ويذكّر ديفيد إيغناسيوس في "واشنطن بوست" أن بدء التصعيد بين إيران والولايات المتحدة يعود إلى مطلع أيار/مايو بعد أن أحكم دونالد ترامب الطوق عليها: فواشنطن أدرجت الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، وألغى الرئيس الأميركي الاعفاءات من العقوبات على استيراد النفط الايراني ل"تصفير" عائدات طهران النفطية - وكانت دول مثل الصين وتركيا والهند تستفيد من الاعفاءات هذه. 

وكانت الجمهورية الاسلامية الايرانية تنتظر نهاية ولاية ترامب. ولكن إثر الاجراءات الأميركية الخانقة، عدلت طهران عن استراتيجية الانتظار. فهي حشرت في الزاوية وقررت القتال لشق طريقها من الأزمة. وسيراً على خطى الروس في أوكرانيا، انتهجت استراتيجية شن عمليات تتنصل من المسؤولية عنها ولا سبيل الى إثبات التهمة عليها. فبدأ حلفاؤها الحوثيون في اليمن بمهاجمة منشآت نفطية سعودية ومطارات مدنية ومنشآت طاقة ومياه وغيرها من الأهداف. ووُجهت أصابع الاتهام إليها بتفخيخ ناقلات نفط. وشن حلفاؤها في العراق هجمات على مقرات أميركية لم تصب أهدافها. 

وبدأ الايرانيون يخرجون عن طورهم، فأعلنت طهران في مطلع الأسبوع الجاري، أنها لن تلتزم بعد اليوم بنواة الاتفاق النووي المبرم في 2015، أي رفعها عتبة تخصيب اليورانيوم. وفي اليوم نفسه، أعلن البنتاغون أنه سيرسل ألف جندي إضافياً وبطاريات صواريخ باتريوت وطائرات درون الى المنطقة، بعد أن أرسل الشهر الماضي 1500 جندي وحاملة طائرات وقاذفات بي- 52.

ولكن أميركا لم تتراجع أمام هذه التكتيكات المحدودة او المُقيدة، فرفع الإيرانيون مستوى التوتر حين أسقطوا طائرة من دون طيار أميركية. ويرجح إيغناسيوس أن تكون خطوة أميركا المقبلة هي مواكبة طائرات "أف-18" طائرات الدرون الكبيرة. 

ويبدو أن استراتيجية ترامب طويلة الأمد، فحين ينظر المرء الى تعرجاتها، يبرز تماسكها. فقبيل وساطة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي دار كلام الرئيس الأميركي على حماسة طهران للمفاوضات. وإثر الهجوم على ناقلتي النفط الاسبوع الماضي، وصفه ب"الثانوي إلى حد بعيد". وكذلك كانت تغريداته على تويتر معتدلة نسبياً إثر اسقاط الدرون، فغرد قائلاً: "الطائرة لم يكن على متنها طيار، وهذا كل الفرق". وفجر اليوم التالي، عزا الاعلان عن إلغائه ثلاث ضربات عسكرية على طهران إلى عدد الضحايا الكبير الذي سينجم عن الضربات والمقدر ب150 شخصاً. 

وإلى اليوم، يبدو أن ترامب لا يريد شن هجوم عسكري على إيران في وقت تنعقد ثمار حربه الاقتصادية عليها. وأغلب الظن أن الحرب الاقتصادية هذه تترافق مع عمليات سرية في العالم الرقمي وغيره من المجالات.

وعلى رغم إعلان ترامب أنه لا يسعى إلى تغيير النظام في إيران، يرى كثير من المراقبين أن هذه المواجهة لن تفضي إلا إلى إطاحة النظام الايراني، ما لم يتجرع خامنئي جرعة صغيرة من السم الأميركي، على قول إيغناسيوس.

ودعت نيويورك تايمز في افتتاحيتها الجمعة صقور الحرب في إدارة ترامب، أي جون بولتون، مستشار الامن القومي، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسناتور توم كوتون، إلى إقناع الكونغرس بالحرب قبل شنها وانتظار موافقته. فمنذ هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، انزلقت الحملات العسكرية الأميركية عن أهدافها، تحديداً في حربي العراق وأفغانستان. وقالت هيئة تحرير الصحيفة أن على السلطة التنفيذية استعادة دورها في الإشراف على الحروب التي تشن باسم الشعب الأميركي. وأشارت الى بوادر تحرك السلطة التنفيذية.

فعلى خلاف تمنيات الرئيس، صوت الكونغرس على حظر صادرات السلاح الى السعودية في حرب تخوضها بالوكالة مع إيران في اليمن. وصوت مجلس النواب الأميركي هذا الأسبوع على قرار نقض "الإذن باستخدام القوة العسكرية" الصادر في 2001. فهذا الإذن، وعمره 18 سنة، لا يخول الرئيس شن هجوم على إيران، على رغم مساعي الادارة الى إقناع الكونغرس بأن طهران متحالفة، بطريقة أو بأخرى، مع "القاعدة".

ولكن أبرز ما يقلق الصحيفة هو موقف ترامب. فعلى رغم رفضه الانزلاق إلى الحرب، يبدو بحسب قولها وكأنه لم يعتبر بأبرز دروس العقدين الاخيرين من العمل العسكري الأميركي: من اليسير بدء نزاع ولكن من العسير التنبؤ بما سيؤول إليه.

ويحتسب ترامب أثر قرار الحرب على شعبيته، فهو غذّى تيار رفض الحرب في الحزب الجمهوري. وخير مثال على ذلك توجيه السناتور راند بول، وهو مقرب منه، دفة مساعي حظر بيع السلاح للسعودية في مجلس الشيوخ، على رغم أن صفقة السلاح هذه كانت على الأغلب ترمي إلى مساعدة الرياض على إعداد العدة لنزاع مباشر مع إيران، على ما يلاحظ جيرالد سيب في وول ستريت جورنال في مقالة عنوانها مناورات ترامب على شفير حرب لا يريدها. وكان ركن حملته الانتخابية- وهو لم ينافس فيها الحزب الديموقراطي فحسب بل هيئات الحزب الجمهوري كذلك- التنديد بانزلاق حزبه إلى حروب الشرق الأوسط. 

ويبدو أن إيران تتوسل بضربات استعراضية لتظهر أنها لم تخضع للاملاءات أو الضغوط الأميركية ولحمل المجتمع الدولي على تخفيف معاناتها الاقتصادية. ولكن إسقاط الدرون الأميركية بدا وكأنه خروج عن الضربات المقَنّعة، وعن الحدود المضمرة المتفق عليها. فهل أساءت الجمهورية الاسلامية الحساب، على ما حسِب ترامب حين إعلانه وقف الضربة الأميركية؟ إلى اليوم، يبدو أن الرئيس الأميركي لم يفرّط بالحدود التي ساهم الجانبان الإيراني والأميركي في رسمها، أي عدم الانزلاق إلى حرب مباشرة. ولكن الرقص على شفير الهاوية بالغ الخطورة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024