مفاوضات"مجلس سوريا الديموقراطية" والنظام: رغبة أميركية؟

سعيد قاسم

الإثنين 2018/07/30
بدت الجلسات الأولى من المفاوضات بين "مجلس سوريا الديموقراطية" والنظام مرتبكة، لم تحقق مكاسب لأي منهما، ولكنها عكست قوة سياسية غير معهودة لـ"مسد".

ويملك "مسد" الكثير من أوراق التفاوض، عدا عن أنه مدعوم عسكرياً من الولايات المتحدة، ولعل أبرزها سيطرته الأمنية على مناطق تنشط فيها خلايا "الدولة الإسلامية" النائمة. إلا أن التخوف من انتشار هذه الخلايا، هو أبرز نقاط ضعف "مسد"، وحليفه الأميركي، في الوقت ذاته. فاستمرار الوضع المتردي خدمياً، في العديد من مناطق سيطرة "مسد"، كفيلٌ بتوجه الأمور نحو نزاعات ستعمل خلايا "داعش" على استغلالها. لذلك، تبدو المفاوضات بين النظام و"مسد" مطلباً أميركياً، وربما ترجمة لتفاهمات روسية-أميركية.

تحتاج الولايات المتحدة إلى تجاوز المرحلة العسكرية في العمق السني العربي شرقي الفرات، بالقضاء على الجيوب المتبقية لـ"داعش"، حتى وإن كانت هذه الجيوب المُراقبة تُشكّلُ حالياً أحد وسائل السيطرة على التنظيم ومنع امتداده. وذلك قبل الانتقال إلى تطبيق سياسات أمنية تسمح بوجود بيئة تنموية.

وتمارس الولايات المتحدة سياسة إرضاء الوجهاء المحليين، واعطائهم الحق في تشكيل كتائب خاصة مرتبطة عسكرياً بالولايات المتحدة وإداريا بـ"المجالس العسكرية" لـ"قوات سوريا الديموقراطية". وتمارس هذه الكتائب سلطة الحكومات المحلية في تأمين الخدمات وحراسة آبار النفط. وربما هذا النموذج من الحوكمة هو تمهيدٌ لخطط أميركية في تشكيل مجالس محلية، تمت مناقشتها بين النظام و"مسد".

ويدعم هذا التصور، أن وفد "مسد" التفاوضي ضم ممثلين عن منبج والرقة وكوباني والقامشلي، في إشارة إلى أن كل منطقة ستتمتع بقدر كبير من الاستقلالية خاصة إن تم الاستغناء عن تشكيلات "قسد" العسكرية، في صيغة قد تكون مشابهة لنظام البلديات المعمول به في الحسكة والقامشلي. فالمجالس البلدية في الحسكة والفامشلي باتت تشهد تطوراً سريعاً، منذ عام، وتوسيعاً للصلاحيات.

وقد تعود حالة الارتباك في صفوف "مسد" إلى أن مناطق سيطرة "قسد" غير محكومة بنظام إداري موحد؛ فلم تدخل الرقة وديرالزور بعد مرحلة الانتهاء من "داعش"، وتديرهما "مجالس عسكرية"، بخلاف منبج التي تعتبر الآن عاصمة اقتصادية وتجارية لعموم مناطق سيطرة "قسد" شرقي الفرات.

وبالتالي، هناك اختلاف في الرؤى والأولويات؛ فـ"الاتحاد الديموقراطي"، على المستوى السياسي، يطمح للحصول على مكاسب قومية كردية، وينظر إلى اللامركزية على أنها تقدم للقضية الكردية، وضمان لدور سياسي كردي على المستوى الوطني، مشابه للدور الكردي في العراق. وعلى المستوى العسكري، لدى "الاتحاد الديموقراطي، مشاريع تتجاوز الحدود السورية، إذ إن "وحدات حماية الشعب" لا تزال تُقاد من قبل كوادر "العمال الكردستاني" الذين يخوضون مواجهات عسكرية ضد تركيا، في مناطق مختلفة من تركيا وسوريا والعراق.

في المقابل، تنظر الأطراف العربية في "مسد"، إلى مسألة اللامركزية، على أنها شكل موسع من الإدارة المحلية مرتبطة  بالقانون رقم 107/2011 الخاص بالادارات المحلية. ولذلك فإن  المسألة بالنسبة لها تتمحور حول توسيع الصلاحية، لأن اي استقرار سيكون نافذة لحصولها على امتيازات سياسية واقتصادية واسعة، خاصة بالنسبة لحزب "المستقبل" الجديد.

كما ان اللامركزية هي أمر هام بالنسبة للولايات المتحدة، التي تعمل على مسألتين متناقضين؛ ارتباط مناطق نفوذها خدمياً وإدارياً، بحالة دستورية، تسمح مستقبلاً بوجود استثمارات لشركات دولية، والثانية استقلال هذه المناطق عسكرياً، إذ إن أي نفوذ عسكري أو أمني للنظام سيضع الولايات المتحدة في موضع التنسيق مع الجانب الإيراني جنوب شرقي الفرات.

وعلى ذلك، يبدو أن وفد "مسد" التفاوضي لا يجمعه سوى الراعي الأميركي، ما يعني أننا لسنا أمام وحدة إدارية جديدة تضم مناطق سيطرة "قسد"، وإنما أمام إدارات ذاتية متعددة ضمن نظام لامركزي مفتوح، أو ربما نظام لامركزي عبثي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024