"إنتصار" الأسد بين بوتين ونتنياهو

بسام مقداد

الأربعاء 2018/07/11

زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، هي الخامسة عشرة له، والثالثة هذه السنة، مع جدول أعمال تشكل إيران فيه بنداً ثابتاً لا يتغير. وكان نتنياهو قد أعلن عشية الزيارة، إثر اجتماع مجلس وزرائه، عزمه على أن يشرح للرئيس الروسي مبدأين اثنين ترتكز إليهما السياسة الإسرائيلية، ويتلخصان بأن إسرائيل لن تسمح بوجود عسكري لإيران وحلفائها في أي منطقة من سوريا "لا قرب الحدود الإسرائيلية، ولا بعيداً عنها"؛ وسوف تطلب إسرائيل من سوريا ومن الجيش السوري "الإلتزام الصارم" باتفاقية فصل القوات للعام 1974.

وكان من اللافت أن تعمد إيران، وبالتزامن مع زيارة نتنياهو، إلى إرسال مستشار آية الله علي خامنئي للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي إلى موسكو، لإبلاغ رسالة من خامنئي إلى الرئيس الروسي فلايمير بوتين، كما ذكرت وكالة أنباء "نوفوستي" الروسية.   

الموقع الإخباري الإسرائيلي "فيزتي" الناطق بالروسية، تساءل عما إذا كان هناك من علاقة بين زيارات نتنياهو لموسكو والغارات الإسرائيلية على قاعدة "تي-4" العسكرية قرب حمص، إذ تزامنت الزيارات الثلاث هذه السنة مع غارات للطيران الإسرئيلي على القاعدة، كانت إما تسبقها أو تتبعها مباشرة. ولا تختلف زيارة نتنياهو الحالية عن سابقاتها، من حيث تزامنها مع غارة على القاعدة المذكورة، لكنها تجري على خلفية الهجوم الذي يشنه الجيش السوري المدعوم من الطيران الروسي على الجنوب باتجاه الحدود مع إسرائيل. ولا تخفي إسرائيل قلقها حيال هذا الأمر، إذ إنها تتخوف، بحسب الموقع، من أن تستقر القوى الموالية لإيران، بما فيها "حزب الله"، في المناطق التي يستعيدها الجيش السوري.

ويقول الموقع، إنه ليس من إثباتات ملموسة للصلة بين زيارات نتنياهو وبين الغارات على الأهداف الإيرانية في سوريا، إلا أن توقيت هذه الغارات لافت للنظر؛ فقد أعلنت إسرائيل غير مرة، على لسان رئيس وزرائها ووزير دفاعها أفيغدور ليبرمان، أن ثمة "خطوطاً حمراء" بالنسبة لها لا يمكن تخطيها، حتى لو كانت كلفة الأمر نزاعاً مع "حزب الله" وتدهوراً للعلاقات مع روسيا. ومن الصعب الجزم، حسب الموقع، ما إذا كانت الغارة الأخيرة على "تي-فور" رسالة دورية للرئيس بوتين حول جدية نوايا إسرائيل، إلا أن "قناة الإقناع" هذه سبق لإسرائيل ان استخدمتها غير مرة.

ثمة أسئلة عديدة، بحسب الموقع، تثيرها الغارات الإسرائيلية على القاعدة العسكرية، التي لا تستخدم قاعدة تمركز للقوات الإيرانية فحسب، بل ويستخدمها أيضاً الطيران العسكري الروسي منذ عام 2015. وعلى الرغم من أن الأجوبة على هذه الأسئلة تبدو للبعض بديهية، إلا أننا "على الأغلب، لن نحصل على مثل هذه الأجوبة أبداً".

يقول الموقع في معرض تساؤلاته المذكورة، إنه إذا كانت إسرائيل "حسب ما نشرته وسائل الإعلام الأجنبية" قد هاجمت غير مرة القاعدة المذكورة، فلماذا لم يتحدث مصدر واحد عن أضرار لحقت بالعسكريين الروس، ولحقت فقط بالمعدات والعسكريين الإيرانيين؟ فهل هذا يعني أن إسرائيل أخطرت الروس مسبقاً بالهجمات؟ وإذا كانت إسرائيل قد أخطرت روسيا بأمر هذه الهجمات، فهل هذا يعني أنهم لم يعترضوا في الكرملين على مثل هذه الغارات؟ وإن كانوا، فلنقل إنهم لم يأذنوا بها؟ وإذا كانوا قد علموا بأمر الغارات في روسيا، فلماذا لم يخطروا الإيرانيين بأمرها، وهؤلاء حلفاؤهم إسمياً في الحرب في سوريا؟ وإذا كانوا لا يخطرون الإيرانيين، فهل هذا يعني أن روسيا غير راضية عن وجود إيران في سوريا ويفضلون في الكرملين التفاهم مع إسرائيل؟

ويمضي الموقع في حديثه ليتساءل، بأنه إذا ما كان كل ذلك صحيحاً، بشكل أو بآخر، فهل يمكن القول إن نتنياهو لم يكثر من تردده على موسكو عبثاً؟ ويؤكد الموقع، أنه إذا ما تحدث الإعلام الأجنبي، الذي تترك له وحده إسرائيل الحديث عن غاراتها على سوريا، عن ضربة جديدة للجيش الإسرائيلي في سوريا بعد الزيارة، فهذا يعني أن الربط بين الضربات الإسرائيلية وزيارات نتنياهو إلى موسكو واضح للعيان؟ وإلا، فإن كل ما ذكر سابقاً عن هذا الربط بين الأمرين، ليس سوى محض صدفة.

وفي صبيحة يوم الزيارة نفسه، الأربعاء، كتب الموقع عينه، أن بوتين ونتنياهو سوف "يقرران في موسكو مصير سوريا". وقال إن زعيمي البلدين سوف يناقشان التسوية السياسية، التي سيحصل بموجبها الأسد على السلطة في كل سوريا، وسوف ينبغي على إيران أن تغادرها.

ويضيف الموقع، إن الرئيس بوتين كان صاحب المبادرة لعقد مثل هذا اللقاء "لأن لديه سبباً مهماً لذلك"، إذ يريد التسريع في عملية استعادة الرئيس السوري بشار الأسد سلطته على كامل الأراضي السورية وبلوغ التسوية السياسية. لكن إسرائيل بوسعها عرقلة الأمر، كما ينقل الموقع عن المراقب العسكري بن إيشاي. فهي بوسعها عرقلة ظهور جيش الأسد في الجزء السوري من هضبة الجولان، إذا ظهرت معه الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ومقاتلو "حزب الله"، خاصة أن هذا الجيش قد ضبط في محاولة تضليل مراقب محايد (قوة اندوف)، إذ إنه سلم الزي الرسمي للجيش السوري الى مقاتلين موالين لإيران خلال المعارك حول درعا.

كما أن بوسع إسرائيل توسيع محيط دائرة ضرباتها عشرات الكيلومترات في عمق سوريا، مما يعرقل حتماً الإستقرار في البلاد. ولهذا يريد بوتين التوصل إلى توافق مع نتنياهو حول الوضع في سوريا، خاصة حول طول المنطقة منزوعة السلاح، والخالية كلياً من القوات الإيرانية و"حزب الله".

ويقول الموقع، إن بوتين يؤيد مطلب إسرائيل بإخلاء الأراضي السورية من الوجود العسكري الإيراني، لأن الإيرانيين هم عامل عدم استقرار في سوريا، وهو ليس بحاجة لهم، لأن بوسعهم عرقلة تسوية سياسية وإقتصادية وإجتماعية مربحة لروسيا في سوريا. لكن الإيرانيين ليسوا مستعدين للتخلي عن وجودهم في سوريا، لأن بوتين ليس مستعداً للدخول في نزاع معهم، بسبب بعض المصالح المشتركة، التي تضطره لأخذ مطالبهم بالإعتبار. ولذا، على بوتين إيجاد حل وسط مقبول بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لإيران، مثل أن يكون انسحاب القوات الإيرانية من سوريا على مراحل، على ألا يُسمح، في جميع الأحوال، بتواجد الإيرانيين وأتباعهم على بعد عشرات الكيلومترات بعيداً عن الحدود الإسرائيلية، وأن تكون روسيا مستعدة لتقديم ضماناتها لذلك.

أما نتنياهو فهو يريد، وفق الموقع، إقناع بوتين بضرورة أن تكون هضبة الجولان خالية من أي وجود إيراني، سواء كانت وحدات عسكرية أو ميليشيات شيعية تابعة لها. وهو سوف يكرر على مسامع بوتين بأن إسرائيل لن تسمح بظهور قواعد عسكرية ومخازن أسلحة إيرانية في سوريا. وسوف تصر على القضاء الكامل على الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وإن كانت "مستعدة للموافقة على وجودها الإقتصادي".

وهكذا، يتضح مما سبق أن مصير سوريا، بعد "نصر الأسد"، يتقرر على طاولة مفاوضات بين محتلين اثنين ينسقان في ما بينهما لإخراج محتل ثالث، مما يشير إلى أن محنة الشعب السوري مستمرة بأشكل جديدة مختلفة، قد لا تكون أقل قتلاً ودماراً مما هي عليه الآن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024