تركيا: اللاجئون السوريون بين "الكيملك" و"الاستثنائية".. والترحيل

أحمد طلب الناصر

الخميس 2019/07/11
شنت السلطات التركية حملة أمنية كبيرة في ولاية أضنة وسط البلاد، الثلاثاء، شملت مئات اللاجئين السوريين للتحقق من حيازتهم على بطاقة التعريف الخاصة بـ"الحماية المؤقتة" المعروفة باسم "الكيملك".

وعملت السلطات على إعادة العشرات من السوريين إلى الولايات التركية التي استخرجوا منها بطاقات الكيملك بالأصل، بعد حملة أمنية مكثفة تم فيها فحص أكثر من 1250 بطاقة في شوارع مدينة أضنة من قبل دوريات الأمن الداخلي، بالإضافة إلى إحالة كل من يفتقر للبطاقة إلى القضاء ليصار إلى ترحيله لاحقاً.

في مدينة الريحانية بالقرب من الحدود السورية التركية تمّ ترحيل 284 سورياً، وسط استنفار ضمن الأسواق الشعبية والشوارع الفرعية، وفي مدينة كلس الحدودية أغلقت عشرات المحال التجارية المُخالفة للسوريين.

وتشهد الولايات التركية في الآونة الأخيرة نشاطاً أمنياً واسعاً استهدف السوريين المقيمين على أراضيها بهدف ضبط حالات "الهجرة غير الشرعية" حسب ما ورد مؤخراً على لسان وزير الداخلية التركية سليمان ويصلو، الذي تعهّد بإعادة وترحيل كل من يثبت عدم حيازته "الكيملك".

وجاء ذلك بالتزامن مع إغلاق دوائر الهجرة لباب تسجيل لاجئين سوريين جدد، في معظم الولايات التركية. وليس معروفاً لماذا توقفت دوائر الهجرة التركية عن اصدار "الحماية المؤقتة" للسوريين مؤخراً. إذ لم تصدر قرارات بهذا الأمر، وإنما تعميمات أصدرتها بعض الولايات التركية، بعد انتخابات الإعادة لبلدية اسطنبول التي كانت قد توقفت عن إصدار الكملك للسوريين منذ زمن بعيد.

ونالت ولاية إسطنبول النصيب الأكبر من حملة التدقيق الأمنية والتي لا تزال مستمرة، منذ انتخابات الإعادة لرئاسة بلديتها في 23 من حزيران/يونيو، وما أعقبها من خطابات "كراهية" تحرّض على السوريين، والتي نتج عنها أحداث عنف شهدتها منطقة إيكي تلّي، بعد أسبوع من صدور النتائج.

حملة التفتيش عن "الكيملك" في إسطنبول انطلقت في الأسبوع الأول من تموز/يوليو، من منطقة أسنيورت المكتظة بالسوريين، غربي المدينة. وخلال ساعات قليلة تم توقيف نحو 100 سوري غير مسجلين في الولاية، وتم تحويلهم إلى قسم "دائرة الأجانب" التابع للهجرة قبل التحقيق وترحيل من يثبت عدم شرعية وجوده، إلى مناطق الشمال السوري.

خوفاً من الترحيل: ما ثمن "الكيملك"؟

المعقّب في استخراج الإقامات وأذون العمل نجم إبراهيم، الحاصل على الجنسية "الاستثنائية"، يقول لـ"المدن": "تردني يومياً عشرات الاتصالات يسأل أصحابها عن طريقة للحصول على الكيملك بأي شكل وأي ثمن. منذ يومين طرح أحدهم مبلغ 1000 دولار مقابل الحصول عليه".

ويوضح ابراهيم: "منح الكيملك للسوريين يتم بصورة مجانية كلما فتح باب التسجيل في دوائر الهجرة، إلا أن بعض السماسرة للأسف يمارسون النصب مستغلين جهل اللاجئين بآلية استخراج الكيملك"، أما في حالات إغلاق باب التسجيل فلا "يمكن مطلقاً منح الكيملك لأي شخص كان إلا ضمن حالات استثنائية حددتها وزارة الداخلية بدقّة، كالمرض وتسجيل المواليد الجدد على سبيل المثال".

ويبيّن إبراهيم وجود فئة لا بأس بها من اللاجئين القدامى ممّن يفتقرون للكيملك، منهم من لم يستخرجه بسبب الإهمال، والبعض بسبب "نيّته اللجوء إلى أوروبا عبر طرق التهريب، وتأثر بالإشاعات القائلة بأن بصمة الكيملك ستظهر عند دول اللجوء فتعيدهم إلى تركيا"، ويستطرد قائلاً "غالبيتهم فشلوا في تجاوز الحدود التركية والوصول إلى أوروبا، فعادوا واستقروا هنا، وحين قرروا استخراج الكيملك كان التسجيل قد توقّف".

"الحماية المؤقتة"

أ
ثارت الأحداث الأخيرة وارتباطها بـ"الكيملك" تساؤلات واستفسارات حول ماهيته ودوره والخصائص التي جعلته يتحكم بمصير السوريين اللاجئين في تركيا.

البداية كانت في العام 2013 مع تفاقم الأوضاع العسكرية داخل سوريا، ما أدّى إلى تزايد أعداد النازحين إلى تركيا. ويتخطّى عددهم اليوم عتبة 4 ملايين شخص، بالرغم من الإحصاءات الرسمية التي تتحدث عن 3.6 مليون لاجئ مسجّل.

ونظراً لذلك، راحت الحكومة التركية تبحث عن آليّة مناسبة لضبط أعداد اللاجئين وحركتهم، سيما بعد توزّع الجزء الأعظم منهم في قلب المدن وخارج المخيّمات المخصصة لهم في الولايات الجنوبية المحاذية للحدود السورية، والتي لم تعد تحتمل إيواء أكثر من 10% من مجموع اللاجئين.

أصدر البرلمان التركي "قانون الأجانب والحماية الدولية" في 4 نيسان/أبريل 2013، وأُقرّت تفاصيله بقرار مجلس الوزراء في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2014. ويقضي القانون بتأمين "الحماية المؤقتة" لكل من يُهجّر من بلاده ويلجأ إلى تركيا أو الحدود التركية لظروف تهدد حياته وتمنعه من العودة إلى بلاده، كما يقضي بمنح السلطات التركية حق البقاء له في تركيا إلى أن يقرر العودة إلى بلده بصورة طوعية.

وعلى ضوء ذلك، باشرت الحكومة التركية بمنح اللاجئين السوريين هويات تعريف خاصة "الكيملك" بغرض حصر أعدادهم وتنظيم أمورهم الحياتية، ولضبط الأوضاع الأمنية داخل الأراضي التركية.

وقد حملت الهويات رقماً وطنياً "TC" خاصاً يميّزها عن بقية الهويات التركية، ونظّمتها إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.

وللحديث عن قانون الحماية المؤقتة وتوصيفه، التقت "المدن" برئيس "تجمع المحامين السوريين في تركيا" غزوان قرنفل، الذي قال: "نتيجة غياب التوصيف القانوني لوجود السوريين الطارئ في تركيا دفع الحكومة في البدء إلى إطلاق صفة الضيوف، ذات المنحى الإنساني والتي تفتقر للمعنى القانوني. وحين تجاوزت أعداد السوريين الحدّ المعقول بالتزامن مع غياب الدعم الدولي لهم لجأت الحكومة التركية إلى قانون الحماية المؤقتة".

وتابع قرنفل: "تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق اللاجئين في جنيف 1951، ولكن كان لديها تحفّظان؛ الأول جغرافي والثاني زمني. حيث لا تعتبر الشخص لاجئاً إلا إذا تعرّض لتهديد جسدي أو نفسي قبل عام 1950 في دول غرب وشمال أوروبا حصراً، أما مناطق الجوار العربي، كالعراق وسوريا، وبعض دول وسط وشرق آسيا وأوروبا، فلا ينطبق عليها قانون اللجوء المتّبع في الدول الأخرى الموقعة على اتفاق جنيف".

ويرى الباحث والمحلل السياسي التركي باكير أتاجان، في حديثه لـ"المدن"، أن الدافع وراء تعامل تركيا بقانون الحماية المؤقتة نابع بالدرجة الأولى من منطلق إنساني-اجتماعي بحت، من مبدأ "الروابط الإنسانية والتاريخية-الحضارية مع الشعب التركي منذ مئات السنين، وبالتالي فإن الحكومة التركية لا تعتبر السوريين لاجئين بقدر ما تعتبرهم من الأقوام التي كوّنت المزيج التركي تاريخياً، بكل قومياته وطوائفه وجنسياته".

"الكيملك" يوفر للسوريين اليوم تسجيل الطلاب بالمدارس التركية، والاستطباب في المشافي الحكومية بصورة مجانية، ويتيح إمكانية التنقل بين المدن والسفر بالطائرة، بشرط استصدار إذن سفر من مراكز الهجرة في كل ولاية، ويُسهّل إجراءات المعاملات الحكومية وتنظيم عقود الايجار وتسجيل ساعات الكهرباء والماء والغاز، وفتح حساب بنكي ومعاملات كاتب العدل، ويحلّ مشكلة الحصول على إذن العمل لكافة المهن والحرف.

الجنسية التركية "الاستثنائية" للسوريين

مع حلول العام 2016 بدأت فروع الهجرة التابعة للولايات التركية بالتواصل مع حملة الشهادات الجامعية من السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة، تبلغهم بترشّح أسمائهم لنيل الجنسية التركية، طالبة منهم مراجعة الفروع لتأكيد موافقتهم واستكمال أوراق التجنيس.
وأغلب من شملتهم الدفعة الأولى من المرشحين كانوا من فئة المعلمين المتطوعين في المدارس السورية المؤقتة، نتيجة تنظيم قوائم بأسمائهم لدى وزارة التربية التركية بناءً على بيانات بطاقات الكيملك، إذ تم رفض تسجيل من لم يحصل على الرقم الوطني الموجود على كل بطاقة، والبادئ برقم 99.

وجاءت الدفعة الثانية في أواخر العام 2016 لتشمل غالبية من سجّل شهادته الأكاديمية في دائرة الهجرة وقام بتحديث بياناته فيها، من أطباء ومهندسين وحقوقيين وغيرهم. وكذلك شملت الحاصلين على أذونات وإقامات العمل في شتى المهن والتخصصات. ومع بداية العام 2017 أضيفت قوائم الطلبة السوريين المسجّلين في الجامعات التركية إلى ملفات التجنيس الاستثنائي، وحصل غالبيتهم على الجنسية التركية.

وبحسب وزير الداخلية سليمان ويصلو، فإن عدد المجنّسين السوريين وصل حالياً إلى نحو 79 ألفاً، توزّع أكثر من نصفهم في ولايات هاتاي وأورفا وغازي عينتاب.

الجنسية "الاستثنائية"، بحسب المحامي قرنفل، هي التي "تمنحها السلطات لشخص أو لمجموعة أشخاص دون الخضوع لمعايير وآليات منح الجنسية المنصوص عليها ضمن مواد وفقرات القانون الخاص بأي دولة ومنها الدولة التركية"، كمدة الإقامة مثلاً أو إنشاء شركات استثمارية أو تقديم خدمات علمية وفنية واجتماعية متميزة للدولة. وإنما "صدرت بقرار استثنائي عبر تصويت غالبية البرلمان التركي، على أن تستهدف السوريين اللاجئين بصورة خاصة وبصرف النظر عن فترات تواجدهم داخل تركيا".

ويفيد قرنفل بأن الجنسية الاستثنائية "لا تختلف بالمطلق عن الجنسية العادية؛ فالحاصل عليها هو شخص كامل المواطنة ويحق له الانتخاب والتملّك واستخراج جواز سفر تركي والعمل في كافة المؤسسات الحكومية وتسري عليه كافة القوانين. ولكن ما يخص الترشح للمناصب العامة، كالبرلمان والرئاسة وما شابه، فهذا يتبع لدستور البلاد، إذ يُشترط على المرشح أن يكون مواطناً لمدة محددة".

والترشيح لنيل الجنسية الاستثنائية لا يزال سارياً حتى اليوم لحملة بطاقات الحماية المؤقتة، طبقاً للمعايير والشروط المؤهِلة لنيل الجنسية، ولا يشمل ذلك غير المسجلين في دوائر الهجرة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024