عشائر الجزيرة السورية: الولاء للأقوى

سامر الأحمد

الأحد 2017/02/19
سيرة المحامي فاضل السليّم، من قرية الفدغمي في ريف الحسكة الجنوبي، قد توضح إشكالية تبدّل ولاء عشائر الجزيرة السورية؛ فمن معارض سابق وعضو "المجلس الوطني"، إلى لاجئ في فرنسا، إلى أمير في "جبهة النصرة"، إلى شرعي في تنظيم "الدولة الاسلامية" باسم "أبو المغيرة الهاشمي" في الشدادي. تقلبات السليّم لم تنتهِ هنا، بل تقدّم قبل أيام لـ"تسوية" مع "وحدات حماية الشعب" الكردية، وسط أنباء عن تنسيبه إلى الجهاز القضائي في "الإدارة الذاتية".

الرئيس الأسبق لـ"الائتلاف الوطني" المعارض أحمد الجربا، كان قد أكد مؤخراً، أن لديه قوات مسلحة "قوات النخبة" ويبلغ تعداد مقاتليها 3000 عنصر، وستشارك في معارك "تحرير الرقة" إلى جانب "قوات سوريا الديموقراطية". وكانت علاقة الجربا، وهو من مشايخ عشيرة شمر العربية، بقيادة "قسد"، قد تحسنت بعد مشاركة أحد مسؤولي "وحدات حماية الشعب" الكردية، والمكون الرئيس في "قسد"، في مؤتمر "تيار الغد" الذي يتزعمه الجربا، في القاهرة في العام 2016. لكن حين كان الجربا رئيساً لـ"الائتلاف"، قبل عامين، لم تكن علاقته جيدة بحزب "الاتحاد الديموقراطي"، بل دفع هو وسالم المسلط، بصفتهما ممثلين عن محافظة الحسكة في "الائتلاف" في العام 2014، إلى إصدار بيان يدين ممارسات "وحدات الحماية" في الحسكة.

الجربا والسليم وغيرهم كثر، ممن غيروا تحالفاتهم وولاءهم، خلال السنوات الماضية، قد يدفع إلى الخوض في الطبيعة العشائرية للجزيرة السورية، واختلاف ولاء العشائر، تبعاً للقوى المسيطرة.

النظام السوري كان قد تلاعب بالمنظومة العشائرية والبنى الأهلية في محافظة الحسكة، منذ السبعينيات، وتعزز ذلك بشكل واضح بعد العام 2011، فدعم زعماء عشائر على حساب آخرين، كما صنع زعماء جدد كانوا أحياناً من خارج عائلة الشيخ الفعلي للعشيرة، إذا ما كانت مواقف شيخ العشيرة غير مرضية للنظام.

فعلى سبيل المثال؛ دعم النظام عبدالسلام العاكوب، ابن عم الشيخ محمد العاكوب شيخ عشيرة حرب، لان مواقف الأخير لم تكن مؤيدة للنظام. كما صنع النظام زعامات من عوائل مهمشة، وأعطاهم سلطة التوسط لديه النظام للإفراج عن المعتقلين؛ كما حدث مع بيت الليلو في حارة طي في القامشلي، فأصبح بيت الليلو أصحاب كلمة في أكبر حي عربي في القامشلي.

تعدد وجوه العشيرة الواحدة أدى إلى انقسام معظم العشائر في الحسكة، فلم تعرف المحافظة الشرقية، عشيرة كاملة، مالت بموقفها بشكل كلي إلى أحد أطراف الصراع، وبذلك ضمن النظام عدم انجرار أي عشيرة بالكامل إلى صفوف الثورة.

وينقسم شيوخ العشائر في الجزيرة السورية، بحسب ولائهم، إلى أربع مجموعات: من وقف إلى جانب النظام منذ انطلاق المظاهرات، وقام بتسليم أو طرد من عُرف من أبناء عشيرته بالاشتراك في الحراك السلمي. وهؤلاء عزز النظام مكاناتهم، وقام بدعمهم بالسلاح، وأجبر أهالي المعتقلين للجوء إليهم للتوسط عنده، أو لدفع مبالغ طائلة يتقاسمها هؤلاء مع ضباط الأجهزة الأمنية مقابل الإفراج عن أولادهم، أو تقديم أي معلومة عنهم. محمد الفارس ابن عم شيخ قبيلة طي، كبرى قبائل القامشلي، هو نموذج عن هذه المجموعة.

كما سمح النظام بتأسيس مليشيات خاصة بكل عشيرة تحت اسم "الدفاع الوطني" وتنتشر مقراتها بكثرة في مدن الحسكة والقامشلي، ويسمى كل مقر باسم قائده الذي غالبا ما يكون ابن شيخ العشيرة أو أحد اقاربه.

المجموعة الثانية، أدانت بالولاء لحزب "الاتحاد الديموقراطي" وجناحه العسكري المتمثل بـ"وحدات حماية الشعب" الكردية. وقام أبناء بعض شيوخ العشائر بالعمل مع الحزب وتشاركوا معه "الإدارة الذاتية"، حتى وصل أحد أفراد عشيرة حرب، في رأس العين، إلى منصب "وزير" في "حكومة مقاطعة الجزيرة". كما عُيّن حميدي الدهام الجربا، وهو شيخ عشيرة شمر، "حاكماً مشتركاً" لمقاطعة الجزيرة. وتعززت مكانة هؤلاء الشيوخ، مع تصدير "الاتحاد الديمقراطي" صورة لإداراته الذاتية بأنها غير متعصبة للقومية الكردية، وأنها تتقاسم السلطة مع أبناء العشائر العربية، بحسب ما قاله لـ"المدن" الإعلامي مصعب الحامدي.

المجموعة الثالثة، كانت ممن والى الثورة السورية، إذ لجأ بعض شيوخ العشائر أو أبنائهم لدعم الحراك السلمي، ثم انخرطوا في الحراك المسلح، أثناء دخول كتائب الجيش الحر إلى الحسكة. وبعد طرد الجيش الحر من المحافظة، على يد تنظيم "الدولة" انقسمت هذه المجموعة بين "عائد إلى حضن النظام" معلناً توبته، وبين منخرط في "الدولة الإسلامية"، فقام التنظيم بدعمهم وأعطاهم مكاسب لا تختلف كثيراً عما اعطاه النظام او حزب "الاتحاد الديموقراطي" لأعوانهما.

المجموعة الرابعة، ضمّت شيوخ بعض العشائر الذين فضلوا الوقوف على الحياد، وعدم الانخراط في كل ما يحصل بهدف المحافظة على مكانته بين أبناء عشيرته.

ولاء المجموعات الأربع، لم يكن مطلقاً، إذ حوّل الكثير من الشيوخ ولاءهم وفقا لغلبة منطق القوة، فقد قام زعيم أحد مقرات "الدفاع الوطني" ثابت الجوهر، في قرية الذيبة قرب الحسكة، بتحويل تبعيته من النظام إلى "وحدات الحماية" الكردية، قبل شهور بعد شعوره بضعف النظام في مدينة الحسكة.

وقام عشرات العناصر في مقرات "الدفاع الوطني" في حارة طي جنوبي القامشلي، بالالتحاق مؤخراً، بالوحدات الكردية بعد أزمة المحروقات التي عانت منها القامشلي، وذلك للحصول على مخصصات إضافية منها باعتبار "وحدات الحماية" هي من تقوم بتوزيع المحروقات على أحياء المدينة.

محمد العبيد الخليل، من شيوخ حرب في رأس العين، كان داعماً للجيش الحر قبل أن ينضم إلى "الاتحاد الديموقراطي". فيصل الغنام، من وجوه عشيرة بني سبعة، كان مع الجيش الحر، قبل أن يبايع "الدولة الإسلامية"، ويصبح أميراً فيها. محمد الحلو، من شيوخ عشيرة عدوان، كان عضو "مجلس الشعب"، قبل أن يعلن انشقاقه وينضم للمعارضة. مؤخراً عاد الحلو إلى "حضن الوطن".

المعارض عبدالقادر العاكوب، قال لـ"المدن"، إن تغيير الولاء قد يُنسب إلى خوف هؤلاء من فقدان مكانتهم التي اكتسبوها برحيل النظام، لذلك لجأوا إلى قوى أكثر فاعلية في المنطقة، قد تعطيهم امتيازات إضافية وتحافظ على سطوتهم.

من جهة أخرى، اضطر زعماء بعض العشائر لموالاة "وحدات الحماية" الكردية، خوفاً من اتهامهم من قبلها بالتهمة الجاهزة: "حواضن لتنظيم الدولة"، وما يستتبع ذلك من تضييق على أبناء العشيرة. ما يحصل في منطقة تل حميس والشدادي، أكبر دليل على ذلك، فقد حاولت "وحدات الحماية" قبل أيام سحب شباب إحدى العشائر لـ"التجنيد الإجباري"، وعندما رفضت العشيرة ذلك قامت الوحدات بمحاصرة بعض القرى واعتقال أكثر من ثلاثين شخصاً، بينهم نساء، واتهامهم بأنهم "خلايا نائمة لداعش".

الإعلامي مصعب الحامدي، يعتقد بعدم وجود عشيرة ذات ولاء مطلق، بسبب تشتت العشائر، بفعل التعامل الأمني الذي كرسه النظام سابقاً، إذ كانت تنقسم عشيرة شمر، مثلاً، إلى أربعة ولاءات في وقت واحد، تبعا للزعيم وقوته. ففي حين كان حميدي دهام الجربا رئيسا لـ"مقاطعة الجزيرة" التابعة لحزب "الاتحاد الديموقراطي" كان ابن عمه ميزر مدلول الجربا، من المقربين من النظام، في حين أن ابن عمهم أحمد الجربا، رئيس كتلة كبرى في "الائتلاف الوطني" المعارض، وابن عمهم الأخر كان قائداً في إحدى كتائب الجيش الحر. هذا الامر ينطبق على معظم العشائر. وتقلب الولاء عند عشائر الجزيرة يأتي وفق تغير المصلحة، ويعد أحمد الجربا النموذج الأقرب والأوضح لتغيير ولاءاته حسبما تقتضي مصلحته.

اختلفت البنى الأهلية لعشائر الجزيرة، بشكل كبير، منذ خمس سنوات، وأثر ذلك بشكل فعلي حتى على سمعة بعض العشائر، وتخلت أخرى عن مبادئ أصيلة في منظوماتها الاجتماعية، تبعاً لتغير ولاءاتها لسلطات الأمر الواقع. فما حدث في معسكر "حامو" قرب القامشلي، يشير إلى ذلك، بعد تجنيد النظام المئات من بنات بعض العشائر العربية في ريف القامشلي. وهو ما يعتبر مخالفة واضحة لمبادئ العشائر ومعاملتها للمرأة، بعدما كانت تمنع تعليم الفتيات فوق المرحلة الإعدادية، قبل الثورة.

الأيام القادمة قد تحمل تغييرات جديدة في ولاءات العشائر، بعد معلومات عن دخول إيران على خط القوى متعددة الأهداف والمصالح في الجزيرة السورية، عبر مليشيات "الحشد الشعبي". وقد تفقد الوحدات الكردية بعض دعمها الغربي. ومن المحتمل أن تسحب روسيا دعمها للنظام في القامشلي، فينسحب من المنطقة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024