"حزب الله": إرهاب الحشيش وحروبه

مازن عزي

الإثنين 2016/06/13
في منطقة البقاع اللبنانية، تمتد حقول الحشيش على مدّ النظر، بعدما تحولت أراضي الخضروات إلى جزر في بحر الحشيش. وتحول إنتاج الحشيش إلى عملية صناعية ذات جدوى اقتصادية مرتفعة، تفيد "حزب الله" في تمويل جزء من تكاليف انخراطه في الحرب السورية.

وتشهد صور "شهداء المقاومة" المنصوبة على الطرق العامة بين مزارع الحشيش، على شرعية زراعة الممنوعات. صور لشباب قضوا أثناء تأديتهم "الواجب الجهادي" في سوريا، ومحاولة إخضاعهم السوريين المنتفضين ضد النظام.

شباب الحزب، المقاتلون والقتلى، كانوا قوة العمل الزراعي، لكنهم فضلوا القتال على الزراعة. فاليد العاملة أدنى مرتبة من المقاتلة، لدواعٍ مذهبية. الحزب رحّل اليد العاملة اللبنانية الشيعية إلى سوريا لخوض الحرب المقدسة، واستبدلها بيد عاملة سورية نازحة. مقاتلو الحزب تركوا الزراعة، ليحل مكانهم أبناء من قتلهم وهجّرهم الحزب من سوريا، كعاملين زراعيين في الحشيش.

صناعة الحشيش تحولت إلى مصدر تمويل ذاتي للحزب، بما يتضمن ذلك الصناعات الموازية، مثل الكيبتاغون والترامادول، كمخدرات صناعية تلقى رواجاً كبيراً في سوق الحرب السورية، وتمتد قائمة زبائنها من قوات النظام إلى مقاتلي "الدولة الاسلامية". التحول من الزراعة إلى الحرب، هو تغيّر في نمط الانتاج، من النمط الزراعي إلى الحربي، مع تمفصل لبقايا نمط الإنتاج الزراعي في الحربي، من بوابة صناعة المخدرات.

التحول الذي رافق انتقال جمهور الحزب البقاعي، من الزراعة إلى الحرب، تمفصل مع تحول آخر في وظيفة "حزب الله": من الإرهاب إلى الجريمة، بحسب التوصيف الأميركي له. فالحزب تحوّل إلى مكافح لـ"الإرهاب السني"، ما أسقط عنه دولياً صفة "الإرهاب"، وتحول إلى منظمة إجرامية، تخرق القانون الدولي. التحوّل من المنظور الدولي ليس بسيطاً، بل هو أشبه بترقية. ففي حين تتفادى المنظومة العالمية، التواصل مع منظمات إرهابية، إلا أنه يمكنها التعاون مع منظمات إجرامية بغرض مكافحة "الإرهاب". الأمر أشبه بالفصل الأوروبي، بين جناحين للحزب؛ عسكري وسياسي. لعب على التوصيف، بما يتيح التعاون والتنسيق. "المنظمة الإجرامية" تتضمن إمكانية ملاحقتها قانونياً وجزائياً، ويمكن محاربتها بقوات الشرطة، في حين أن "المنظمة الإرهابية" تقتضي تدخلاً عسكرياً من "تحالف دولي" يتألف من 60 دولة لا تمانع أدواراً قتالية مساندة لها من قبل المنظمات الإجرامية.

وقد تكون العقوبات الأميركية الأخيرة ضد "حزب الله"، موجهة فقط لاحتواء "الطور الإجرامي" الذي بات الحزب عنصراً بارزاً فيه، بعدما غدا عضواً في أندية المافيات العالمية، تمتد ملاعبه من فنزويلا وكولومبيا إلى المكسيك والولايات المتحدة. إحتواء لـ"الطور الإجرامي" وإمساك بقنواته المالية. الأمر ليس حرباً، بل أشبه بلعبة ترويض للحزب.

الانتقال من نمط الانتاج الزراعي إلى الحربي، وما رافقه من تطور صناعي للمخدرات، أصبح كفيلاً بفتح الباب أمام شبكات الحزب المافيوية لتوزيع المخدرات وتهريب الأسلحة وتبيض الأموال. لكن "حزب الله" في طور تحولاته الجديدة، من الزراعة إلى الحرب، ومن الإرهاب إلى الجريمة، يتماشى مع تحول آخر: إدخال إيران، عرّابة الحزب وحاميته، إلى المنظومة العالمية. فبعد طول استثناء واستبعاد، أعيد إدخال إيران إلى المنظومة الدولية، من باب الاتفاقية النووية. وفي التفاصيل، يبدو أن إعادة إيران الخامنئية إلى المنظومة، تتم على حساب استبعادٍ موازٍ لمراكز القوى السنية، وسط حالٍ من التشظي لدول المشرق العربي.

إدخال إيران في المنظومة الدولية، يحتمل شرط تحويلها إلى شرطي على الخراب الإقليمي الذي عملت على هندسته. فدخول إيران يتم من باب تبنيها للحرب ضد "الإرهاب السني"، ورعايتها تفكيك الدول وتمويل وتدريب تنظيمات مقاتلة غير دولتية على نهج ولاية الفقيه. فالدول المشرقية التي حُكمت من قبل أقليات، مثل سوريا والعراق، على مدى نصف قرن، باتت اليوم مناطق خارجة عن النظام العالمي، يمكن عزل خطرها، عبر استدامة الفوضى والاقتتال ضمنها، وتمكين المليشيات الشيعية فيها. الأمر مشابه لتحول نمط الإنتاج الذي يعيشه "حزب الله"؛ فيصبح للسكان السنّة المشرقيين حق الإنتاج الزراعي في أراض محددة، في حين تمتلك المليشيات الشيعية-الإيرانية، مقاليد الحكم والقوة العسكرية. تمفصل أنماط الإنتاج السابقة، قائم على إعادة التقسيم الإجتماعي-الإثني للعمل.

عملية إدخال إيران في المنظومة العالمية والتعامل مع "حزب الله" كمنظمة إجرامية، ما زالت تعاني عثرات. فشهية إيران والحزب، لابتلاع المنطقة، تبدو أكبر من قدرتهما على الهضم. ولذا يبدو التدرج في رفع العقوبات عن إيران، أو التدرج في فرضها على الحزب، كاختبارات صغيرة تجريها "المنظومة الدولية" لمدى قبول الحزب ودولته الراعية بالشروط الدولية.
وفائض قوة "حزب الله"، الموجّه حالياً للضغط على النظام المصرفي في لبنان، نتيجة استجابته للعقوبات الأميركية على الحزب، قد يشير إلى رسالة أبعد: ماذا سيحدث لو امتنعت أميركا عن الإفراج عن بقية الأموال الإيرانية؟

قد يكون التعامل مع طور الحزب الإجرامي، أقل حرجاً دولياً، من التعامل مع منظمة إرهابية. إلا أن خط التصنيف الواهن، بين الإرهاب والجريمة، لن يقونن الجريمة ولا يخمد الإرهاب، خصوصاً مع ما تشهده المنطقة، من انهيار للدول، وتوكيل المليشيات الشيعية-إيرانية الهوى، مهمة عزل مناطق "الخطر" فيها، وتهجير أهلها وإعادة هندستها. مهمة يمكن وصفها بإرهاب شيعي يُنصّب نفسه مكافحاً لإرهاب سنّي. وفي الحالتين، ستبقى مزارع الحشيش، وصناعة المخدرات وتهريب السلاح، مجرد أعمال إجرامية، يستحق عليها الحزب العقوبات. ورغم ذلك، فالأمر لا يمنع أحياناً من توجيه الحزب لرسائل لوم متفجرة، حتى ولو كانت في طريق فرعي، خالٍ من المارة، مساء الأحد، بالقرب من "بنك لبنان والمهجر".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024