ما مصير عماد خميس..وشركائه في النظام والاستخبارات؟

عقيل حسين

السبت 2020/07/04
تضاربت المعلومات حول مصير رئيس حكومة النظام السوري السابق عماد خميس، كما تعددت الروايات حول مكان احتجازه والتحقيق معه، لكن الجميع تقريباً يتفق على أنه محتجز منذ إقالته، قبل ثلاثة أسابيع، بتهمة الفساد وتهريب الأموال.

المصادر الموالية للنظام، وكذلك المعارضة، تبنت رواية اعتقال خميس منذ انتشارها قبل أيام، ورغم عدم وجود مصدر رسمي يؤكد هذا الخبر حتى الآن، إلا أن وجود مصلحة للطرفين، المعارضة والنظام، في الترويج لهذا الخبر ساهم بانتشاره على نطاق واسع.

وكان الحديث عن اعتقال المهندس عماد خميس قد بدأ يتردد في أوساط النظام قبل نحو اسبوع، حين نشرت جهات اعلامية موالية خبر إحالته للتحقيق. وكما هو متوقع، فإن التهم التي جرى الحديث عنها منذ البداية تتعلق بالفساد واختلاس الأموال، وهما التهمتان الجاهزتان بالنسبة للنظام بشكل دائم في كل مرة يقيل فيها أحد المسؤولين أو يحيله للتحقيق، لكن هذه المرة كانت تهمة تهريب الأموال المختلسة إلى الخارج ضرورية، بالنظر إلى حساسية هذه المسألة بالنسبة لموالي النظام، الذي يجري إقناعه بأن المشكلة الاقتصادية في سوريا هي نتيجة تهريب النقد إلى خارج البلاد، الأمر الذي أحدث تفاعلاً كبيراً من قبل البيئة الحاضنة للنظام مع الخبر، لكنه تفاعل بقي حذراً طالما أن (الدولة) لم تعلن رسمياً بعد.

تقول المعلومات المتداولة، إن عماد خميس متهم بجمع 400 مليون دولار بطرق غير شرعية حصل عليها من صفقات مشبوهة، أبرزها عقد انشاء معمل لتصنيع قطع غيار السيارات مع شركة إيرانية، بينما تكشف مصادر في المعارضة ل"المدن"، أن خميس حاول تهريب هذا المبلغ الضخم إلى خارج البلاد قبل أن يكتشف النظام خطته ويعتقله.

وتضيف هذه المصادر، أن النظام ليست لديه مشكلة بأن يكون رئيس الحكومة المقال قد جمع ثروة معقولة خلال فترة تسلمه لهذا المنصب، لكن مشكلته هي في اخفاء قيمة هذه الثروة وعدم إطلاعه عليها ومشاركته بها، ما يُعتبر، وفق محددات النظام، استغفالاً له وطعناً بظهره، وهو أمر لا يمكن أن يتسامح معه، لذلك سارع إلى فتح تحقيق مع خميس من أجل استعادة ما اختلسه من أموال، لكن ليس لخزينة الدولة.

وإذا كانت الروايات قد اتفقت على اعتقال عماد خميس وإحالته للتحقيق، إلا أنها اختلفت حول مكان احتجازه والجهة التي تحقق معه.

الرواية الأولى تقول إن "رئيس الوزراء السابق موجود في سجن عدرا بريف دمشق، ويخضع للتحقيق القضائي حسب الطرق القانونية المتبعة"، لكن هذه الرواية تبدو ضعيفة جداً بالنظر إلى أن سجن عدرا هو سجن مدني مخصص للسجناء والموقوفين العاديين، ولا يمكن أن يحال إليه شخص بحجم رئيس وزراء متهم بالفساد، كما أن عدم منطقية إحالة شخصية بهذا المستوى للقضاء العادي مباشرة ودون المرور بالأجهزة الأمنية والاستخبارات، معطيات تجعل من سيناريوهات احتجازه في مكان آخر أكثر منطقية.

ومع تعدد هذه السيناريوهات، إلا أن وجود عماد خميس في معتقل تابع للحرس الجمهوري هو الأكثر تداولاً، خاصة مع اقحام إسم زوجة رئيس النظام، أسماء الأسد، بالاهتمام المباشر بالقضية، وهو الأمر الذي يضع اشارات استفهام جديدة حول الهدف من ربط قضايا مكافحة الفساد التي يعلن عنها النظام بأسماء الأسد، ما يسهم بإظهارها كشخصية قوية في النظام، وفي مكافحة للفساد تحديداً.

الجزء الآخر من هذا السيناريو يتحدث عن تشكيل رئيس النظام وزوجته لجنة تحقيق موسعة مع عماد خميس، تتألف من قادة في أجهزة المخابرات، على رأسهم اللواء علي مملوك، مستشار بشار الأسد لشؤون الأمن الوطني، وأن التحقيقات أدت حتى الآن إلى اعتراف خميس باختلاس نحو 60 مليون دولار، وليس 400 مليون، لكن الأهم أنها كشفت عن عمليات أخرى كانت غائبة عن أعين أجهزة النظام الأمنية ولم يحصل منها كبار القادة على حصتهم المقررة في مثل هذه الحالات.

وإذا كانت التحقيقات قد كشفت أيضاً عن اسماء أخرى متورطة مع عماد خميس في الصفقات (التي جرت في الظلام)، وأدت إلى اعتقال عدد من هذه الشخصيات بالفعل، فإن المفاجأة الأهم هي باكتشاف التحقيقات أن أحد أعضاء لجنة التحقيق، وهو العميد ابراهيم الوعري، نائب رئيس شعبة الاستخبارات، كان شريكاً لخميس في إحدى الصفقات، ما أدى إلى عزله من اللجنة.

وعن سبب عدم اعتقال الوعري، يقول المصدر المعارض، وهو مسؤول كبير منشق عن النظام، إن هذا يؤكد مجدداً أن النظام لا مشكلة لديه في وجود الفساد، بل هو إحدى القواعد الأساسية التي يقوم عليها النظام ذاته، مشكلته الأساسية تكون في تحدي النظام أو استغفاله، كما حصل في قضية خميس. أما بالنسبة لنائب رئيس شعبة المخابرات، فإن هذه القضية ستستخدم ضده في وقت لاحق حتماً، وليس بالضرورة في الوقت الحالي، وهي سياسة متبعة لدى النظام.

ويكشف المصدر ل"المدن"، أن الوعري ليس الشخص الوحيد الذي تم الكشف عن اشتراكه في شبكة الفساد التي تعامل معها عماد خميس، بل هناك عدد آخر من الوزراء والمديرين والتجار ورجال الاعمال الذين وردت اسماؤهم في التحقيقات وتم التغاضي عنهم لاعتبارات متعددة، بعضها شراكتهم مع ماهر الأسد والفرقة الرابعة، وبعضها ارتباط أصحابها بإيران أو روسيا، وبعضها تتعلق باستمرار حاجة النظام لهم.

وفي ما يتعلق بالروايات التي تحدثت عن قتل أو انتحار أو وفاة عماد خميس خلال التحقيقات، نفى المصدر المعارض أن يكون خميس قد تعرض لأي عنف أثناء التحقيقات التي ما تزال جارية منذ اعتقاله حتى الآن. وأكد، حسب المعلومات التي توفرت له حول الموضوع، أنه لا صحة للمعلومات التي تحدثت عن وفاته تحت الضغط أو التعذيب كما أشاع البعض، ولا دقة للحديث عن (انتحاره) الذي يبقى وارداً بالطبع، لكن ليس قبل حصول النظام على كل ما يريد الحصول عليه منه، فعماد خميس بالنهاية ليس رامي مخلوف ولا يمت لآل الأسد بقرابة تحصنه من التصفية.

لا يبدو إذاً مصير محمود الزعبي، رئيس الوزراء الأسبق الذي قضى "منتحراً" بعد أيام من إقالته من منصبه عام 1999 مستبعداً بالنسبة لعماد خميس، و"منتحراً" تعني بالطبع التصفية من قبل النظام، على الرغم من أن احتمال نجاة الأخير من هذا المصير تظل واردة، لأي سبب كان.

إلا أنه وبغض النظر عن المصير الذي سينتهي إليه رئيس الحكومة السابق، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن السوريين في ظل هذا النظام، سيبقون بالفعل أمام "حكومات الزعبي المتلاحقة" كما وصفها عضو مجلس الشعب الحالي، والصحافي الموالي للأسد، نبيل الصالح، في إشارة واضحة إلى أن المشكلة ليست في الوزراء والمديرين، بل في النظام السياسي والأمني ذاته، وهو ما يدركه جميع الموالين لهذا النظام طبعاً، لكن أحداً منهم لا يجرؤ على الإعلان عن هذه القناعة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024