ما الذي ينتظر القوى الكردية في الشمال السوري؟

عمر كوش

الجمعة 2020/02/28
مع احتدام المعارك في الشمال السوري، بعد الهجمات العسكرية التي تقودها القوات الروسية، وأفضت إلى إعادة سيطرة قوات النظام السوري وميلشيات نظام الملالي الإيراني على مناطق عدة في أرياف حلب وإدلب، تتجه الأنظار إلى ما تبقى من مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي أعلن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، قبل سنوات، تشكيل "إدارة ذاتية" فيها، بمشاركة رمزية لبعض الحلفاء المحليين من عشائر عربية وقوى سريانية وسواها. وتركز التساؤلات حول دور القوى الكردية في الصراع على الشمال السوري ومواقفها منه، وتطاول أيضاً مستقبل تواجدها في المنطقة.
وبالرغم من استمرار المفاوضات بين ممثلين عن نظام الأسد وعن مجلس سوريا الديموقراطية، إلا أن مسؤولي النظام يرفضون باستمرار الاعتراف بالإدارة الذاتية، فيما يعتبر قادة قسد أن "العودة إلى سوريا ما قبل العام 2011، غير ممكنة"، وأن ما يطالبون به هو حق مشروع، ويتمثل في اعتراف النظام بالإدارة الذاتية ومخرجاتها. ومع ذلك أثمرت المفاوضات المستمرة بين الطرفين عن موافقة النظام على وساطة روسية للمفاوضات بينهما، من خلال التفاهم على تشكيل لجنة خاصة، لمناقشة قانون الإدارة المحلية، والهيكلية الإدارية في المناطق الشمالية والشرقية، وذلك بعد أن نجحت روسيا في فصل مسارات المسألة الكردية عن مسار شرقي الفرات وقسد، من خلال اعتبار موضوع قسد ھو شأن عسكري بحت، يناقشه القادة العسكريين، بشكل منفصل عن المسار السياسي، المرتبط بالحل النهائي المؤجل، مع الأخذ في الاعتبار ربط مصير قسد برغبة نظام الأسد في دمج عناصرها ضمن وحدات جشيه.
وعلى الجانب الأميركي، يقوم المبعوث الخاص إلى سوريا، جميس جيفري، بالتشاور مع قادة قسد من أجل التوصل إلى تفاهم يفضي إلى وضع خطة جديدة لملء الفراغ في شرقي الفرات، وبنفس الوقت، يدفع باتجاه إحداث تقارب بين قسد وأنقرة، كي تخفف التوتر بينهما، تمهيداً لانسحاب ما تبقى من القوات الأميركية من المنطقة، الذي سيترك فراغاً لا يريد الأميركيون أن يستفيد منه الروس، وخاصة آبار النفط والغاز فيها. كما أن توجه قسد نحو تركيا بدلاً من العودة إلى حضن النظام وروسيا، لن يفقد الولايات المتحدة آخر أوراقها في سوريا. وقد لاقت المحاولات الأميركية قبولاً لدى قادة قسد، وذلك بإعلان قائدها مظلوم عبدي تجديد تأكيده الاستعداد للتفاوض مع أنقرة.
ويبدو أن الوضع المتوتر في الشمال السوري دفع كل من الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي، إلى محاولة بناء تفاهمات وتعاون بينهما، بالرغم من سنوات الافتراق والقطيعة التي اعترت علاقاتهما منذ سنوات، حيث تفرض تحديات الوجود والمستقبل عليهما إلى التقارب، الذي يدفع باتجاهه الأميركيون، وأثمر ذلك إعلان الإدارة الذاتية أن "لا عائق قانونياً أمام المجلس الوطني الكردي في سوريا من أجل فتح مكاتبه التنظيمية والحزبية، ومزاولة نشاطه السياسي والإعلامي والاجتماعي، دون الحاجة إلى أي موافقات أمنية مسبقة، وذلك في سبيل إزالة كافة العقبات أمام عملية إعادة بناء الثقة بين كافة الفعاليات السياسية والإدارية". إضافة إلى نظر الإدارة الذاتية في اختفاء عدد من الشخصيات التي طالب المجلس الوطني الكردي الكشف عن مصيرها.
وفيما تعترف تركيا بالمجلس الوطني الكردي، وتسعى إلى تقويته بالتنسيق مع قادة كردستان العراق، فإنها بالمقابل، ترفض الاعتراف أو التفاوض مع قسد، وتطالب حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بفك ارتباطه بحزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، وبضمانات لتحوله إلى حزب سياسي سوري وبأجندة سورية، لكن الارتباط بحزب العمال الكردستاني صعب الفكاك منه، لذلك يجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه مضطراً للتحاور مع النظام برعاية روسية، متخلياً شعارته وطموحاته السابقة في روج آفا وشعب غرب كردستان والفدرالیة، لصالح تشكیل لجنة لدراسة قانون الإدارة المحلیّة، والعودة إلى منصة القاهرة للمعارضة، وربما الدخول إلى هيئة الرياض 2 التفاوضية. 
ولا يعدم الأمر وجود قلق لدى قادة القوى الكردية بسبب عدم الثقة بالطرف الروسي، بالرغم من دوره الفعل في دفعهم إلى التحاور مع نظام الأسد للتوصل إلى اتفاق معه من أجل تسوية أوضاعهم، الأمر الذي يضع أسئلة محيرة حول مستقبلهم السياسي والعسكري في المنطقة، لذلك يفضلون بقاء القوات الأميركية كنوع من الحماية لهم، ولإحداث توزان في الشمال الشرقي لسوريا، خاصة وأن القادة الأكراد، سواء في حزب الاتحاد الديموقراطي، ومعهم قادة العمال الكردستني، أم في وحدات حماية الشعب، وجدوا أنفسهم في موقف حرج، بعد خسارتهم منطقة عفرين في 2018، ثم خسارتهم مناطق عديدة في معقلهم الرئيس في الجزيرة السورية، وخيبة أملهم من الولايات المتحدة، لذلك اضطروا إلى تغيير الرايات، وراحوا يبحثون عن داعم لهم، فقبلوا الشروط الروسية، القاضية بعودتهم إلى حضن نظام الأسد، عبر الدخول معه في مفاوضات، والتنسيق معه مقابل الحماية الروسية، بالرغم من أنهم لم يفقدوا بعد الرعاية الأميركية تماماً.
ويجادل القادة الأكراد بأنه لا توجد مفاوضات رسمية مع نظام الأسد، لكنهم مستعدون لردم الهوة بينهم وبينه، والتقارب معه، في ظل عدم وضوع موقف الولايات المتحدة من مجريات الصراع على الشمال السوري، بينما الاستراتيجية الروسية واضحة في سوريا، وتقوم على توسيع نفوذهم فيه، وحثّ قسد ومخرجاتها على التفاوض بغية التوصل إلى اتفاق مع النظام، يفضي إلى عودة مؤسساته إلى المنطقة وانتشار قواته على الحدود مع تركيا، إلى جانب عودة جميع المنشأت النفطية والمرافق الإدارية والحيوية الأخرى إلى نظام الأسد، وبناء تفاهمات معه حول مستقبل ومصير الوحدات الكردية وما تبقى من الإدارة الذاتية، تؤدي إلى دمج مقاتلي سوريا الديمقراطية في جيش النظام، وهو أمر لا يزال موضع اعتراض من بعض القيادات الكردية، التي تطالب بالإبقاء على قواتهم وإدارتهم في ظل نظام حكم لا مركزي، يرفضه النظام.
والحاصل هو أن الصراع على الشمال السوري لم يكتمل بعد، الأمر الذي يشي باستمرار أمده، كونه بات مرهوناً بموازين القوى الدولية والإقليمية المتدخلة على الأرض، لذلك تحاول القوى الكردية بناء اتفاقات وتفاهمات معها، تضمن وجودها واستمرار سيطرتها في الشمال السوري، كي تضمن أيضاً حصتها في أي اتفاق سياسي للحل النهائي، الذي يبدو بعيد المنال في أيامنا هذه على حساب تفاقم الكارثة التي ألمت بسورية والسوريين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024