اليوم الأسوأ للحالمين بالسلام

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2018/05/15
شهدت مدينة نيويورك الأميركية، ليل الإثنين، تظاهرة احتجاجية ضد نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس المحتلة، والمجزرة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة. 

واحتشد عشرات المتظاهرين، لا سيما من فلسطين، في نيويورك للتعبير عن رفضهم. وردد المحتجون هتافات مؤيدة لفلسطين ومناهضة لأميركا وإسرائيل، من قبيل: "أنقذوا فلسطين من الاحتلال العنصري"، و"القدس عاصمة فلسطين".

وجاءت التظاهرات، بعد ساعات من نقل السفارة الأميركية في إسرائيل رسمياً، من تل أبيب إلى القدس المحتلة بحضور مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى بينهم ابنة الرئيس دونالد ترامب إيفانكا، وزوجها مستشار ترامب جاريد كوشنر.

وفي هذا السياق، وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية السلام في الشرق الأوسط بأنه "سلام على جثث الشعب الفلسطيني". وقال الكاتب دان ميلبانك إنه لا مجال للخوض في السلام في ظل ما يجرى في قطاع غزة ومقتل 59 فلسطينياً، ووسط تنامي حالة العداء بين إسرائيل وإيران.

وأكد الكاتب أنه لا يمكن أن تتحدث عن سلام في ظل إشعال المنطقة كلها وفي وقت يترنح فيه حلفاء أميركا. ورأى أن "قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس كان يمكن أن يكون لحظة وحدة وأخوة، وحجر الزاوية في اتفاق السلام، ولكن ما جرى بدد الأمل في حل الدولتين".

ولفت إلى أن معظم الحلفاء الأوروبيين تخلَّفوا عن حضور الحفل، ولم يكن هناك سوى 14 عضواً من الكونغرس الأميركي، كلهم من الجمهوريين، وبينهم يهودي واحد. وأضاف أن مواقف الذين حضروا الاحتفال، سواء من إسرائيل أو الولايات المتحدة "هي مواقف عدائية لا يمكن أن تنمَّ عن قادة يبحثون عن السلام".

وأضاف أنه "بالنظر إلى طبيعة حاضري احتفال نقل السفارة، فإنه يمكن القول إنه كان أقل الاحتفالات ديبلوماسية". وتابع: "إن اليهود في أميركا يدركون أن المسيحيين والمسيحيات الذين يقودون سياسة ترامب، سيقودون إسرائيل بعيداً عن الديموقراطية والأمن أيضاً".

من جهته، قال محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "التايمز" ريتشارد سبنسر، في مقال تحليلي، إن طريقة الرئيس الأميركي في التعامل مع التسوية السلمية خلقت انقسامات. وأضاف أن "الرئيس ترامب ربما اعتقد أن لديه نهجاً جديداً لبناء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن أحداث يوم أمس بدت مشابهة، وبشكل مثير للحزن، لنتائج جهود الإدارات السابقة في تعاملها مع القضية".

وقال إن إعلان ترامب عن نقل السفارة الأميركية كان بمثابة خرق للتقاليد التي تعامل فيها من سبقه من الرؤساء مع القدس، الذين أجلوا النظر فيها حتى المفاوضات النهائية، وفق اعتقاد قام على فكرة حل الدولتين. ورأى أن "الفلسطينيين تصرفوا بطريقة يمكن من خلالها إقناع واشنطن بتغيير المطالب الإسرائيلية، ودعم واشنطن لقضيتهم، لكن أميركا لم تكن محايدة أبداً".

وأضاف أنه "من خلال الحصول على دعم لاعبين عرب، للوقوف وراء خطوط إسرائيل الحمر، فإن ترامب كان واضحاً في موقفه، إلا أن هناك دائماً عاملاً يعطل هذه الترتيبات كلها، وكما بدا يوم أمس: ما يختاره الفلسطينيون".

من جهته، علق الكاتب البريطاني دايفد هيرست على مشاركة إبنة ترامب وصهره في افتتاح السفارة الأميركية، قائلاً إنه "لا يمكن لجاريد وإيفانكا كوشنر التعذر بالجهل؛ فهما لا يعيشان في روسيا القيصرية، حيث كانت الأخبار تنتقل ببطء شديد. فبينما كانا ضمن حشد تجمع في حديقة القنصلية الأمريكية السابقة في أرنونا بالقدس يوم الاثنين، تسرب القلق إلى أوساط التجمع الاحتفالي المرح، بينما كان عدد القتلى في غزة آخذاً في الارتفاع".

وأضاف في مقال بصحيفة "ميدل إيست آي"، أن ارتفاع أعداد القتلى في غزة "لم يكن كافيا للحد من حماسة المجتمعين. ولم يخطر ببال جاريد ولو للحظة واحدة أن يعدل من نص كلمته. كانت الهداية تبرق في عينيه، كما لو أنه ابتعث ليبلغ الناس بالرسالة الحق". وتابع: "لا يعذر آل كوشنر أنهم كانوا شهوداً على كارثة، كتلك التي نجمت عن تدافع البشر. كان القتل الجماعي متعمداً، ومع سبق الإصرار".

وأضاف هيرست أنه "على الرغم من كل ذلك، استمر الحشد المرح في حديقة القنصلية يصفق، وظل الحضور يهبون واقفين كلما هنأ كوشنر حماه على التحلل من الصفقة مع إيران التي وصفها بالخطرة والمعطوبة وأحادية الجانب". وقال: "العالم الخارجي، ذلك العالم الذي فيه يعيشون فعلياً، بدمائه النازفة، بأعضائه المبتورة ومعايشه المدمرة، تم فصله جراحياً من ضميرهم".

صحيفة "نيويورك تايمز" كتبت افتتاحية بعنوان "فشل ترامب في القدس"، قائلةً إن يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس كان يفترض أن يمثل نهاية صراع بدا أنه لا ينتهي، ونهاية مأساة ملطخة بالدماء عبر العدالة والقسوة على كلا الجانبين. لكن ترامب قدم السفارة لحكومة بنيامين نتنياهو من دون أي تنازل أو شروط، وكعاصفة على الفلسطينيين.

وأضافت أن "العالم لم يشهد بزوغ فجر من السلام والأمان الذي حلم به للشعبين. لكنه شهد في المقابل، الجنود الإسرائيليين يقتلون عشرات المتظاهرين الفلسطينيين، ويجرحون الآلاف، على طول الحدود مع قطاع غزة".

وقالت إن "ترامب وعد مراراً وتكراراً بخطة سلام من دون أن يسلمها، والآن أعار ثقل أميركا إلى الاستراتجية المتطرفة". وتابعت أن إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة إليها "نحى جانباً 70 عاماً من الحياد الأميركي". وأضافت أن توقيت الاحتفال الاثنين في الذكرى السبعين لإعلان دولة إسرائيل، ويوم واحد قبل ذكرى النكبة، جاء ليجعل الانحياز الأميركي لإسرائيل، واضحاً.

وختمت الصحيفة قائلةً "لكن التناقض الذي حدث الاثنين، بين الغبطة في القدس وعذاب الفلسطينيين في غزة ، لم يكن من الممكن أن يكون أكثر حدة، أو أكثر إثارة للقلق بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يأملون في سلام عادل ودائم".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024