لماذا يحثّ الأردن خطوات التطبيع مع الأسد؟

العقيد عبد الجبار العكيدي

الأربعاء 2021/10/06
"تلقى جلالة الملك عبد الله الثاني، الأحد اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد، تناول العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما. وأكد جلالة الملك خلال الاتصال دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها".
بصدور هذا البيان عن الديوان الملكي الهاشمي يكون الاردن قد أعلن رسمياً عن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بعد عقد على القطيعة المعلنة معه.
كان الملك الأردني أول الناصحين لبشار الأسد بالرحيل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011، بالإضافة لتصريحات أعضاء في حكومته ومسؤوليه التي لم تكف يوماً عن إدانة جرائم النظام، بل إن الأردن كان في طليعة من استقبل السوريين الفارين من بطش الأسد، واحتضن الجيش الحر ودعمه.
تأتي هذه الاستدارة الحادة للجار الشقيق المثقل بأزماته السياسية والاقتصادية، التي في معظمها جاءت نتيجة أزمات الجوار، تتويجاً لخطوات سبقت هذا الإعلان وتمثلت بنجاح العاهل الأردني خلال زيارته إلى واشنطن في شهر تموز/يوليو الفائت، ودعوته الرئيس الأميركي جو بايدن لتخفيف عقوبات قانون قيصر واستثناء الأردن مبدئياً، ليتمكن من كسر الطوق الذي فرضته العقوبات على النظام، فاتحاً بذلك الباب أمام تشغيل خط الغاز العربي وتزويد لبنان بالكهرباء الأردنية عن طريق سوريا، وهذه كلها جاءت محصلة تطورات كبيرة انتجتها تحولات المشهد الإقليمي والدولي مؤخراً.
سبقت هذا الاتصال تحركات معلنة بين دمشق وعمان، كان أبرزها في شهر اذار/مارس، عندما قام وزير الصناعة التجارة الأردنية طارق الحموري بزيارة دمشق، ثم تبعه اتصال وزير الداخلية السوري محمد خالد الرحمون بنظيره الأردني مازن الفراية، في شهر تموز،  ثم استقبال  رئيس الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي لوزير الدفاع ورئيس الأركان السوري العماد علي أيوب، في 19 أيلول/سبتمبر، ثم لقاء وزيري خارجية البلدين أيمن الصفدي وفيصل المقداد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأخيراً قبل أيام  الزيارة الرسمية لأربعة وزراء من نظام الأسد الى عمان وإعلان فتح معبر جابر-نصيب الحدودي.
تأتي هذه الخطوات بعد تذليل العقبة الأميركية التي فرضها الرئيس الأسبق دونالد ترامب من خلال قانون قيصر، وقبله عندما افتتحت الامارات قنصليتها في دمشق أواخر العام 2019. وكادت بعض الدول العربية اللحاق بركبها، وفي طليعتها الأردن ومصر والبحرين، لكن موقف إدارة ترامب كان حاسماً حين وجهت رسالة شديدة اللهجة الى الخارجية المصرية تحذرها من أي تطبيع مع نظام الأسد.
الأردن بلد ريعي يعتمد على المساعدات وتجارة الترانزيت، والبوابة السورية تعتبر رئة اقتصادية مهمة له، لكن وبعيداً عن المصالح الاقتصادية، من المحتمل أن يكون هذا التقارب عبارة عن مقايضة بمساعدة روسيا مقابل أن يقوم الأسد فعلاً بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الأردن، وهذا ما طلبه الملك عبد الله من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة الى موسكو في أواخر آب/أغسطس، وبعد أن لمس خلال زيارته لواشنطن نزوع إدارة الرئيس بايدن للتعامل اللين مع ايران واتباع سياسة ناعمة معها، فكان هذا المؤشر أن ايران باقية وتتمدد في المنطقة، ونفوذها يزداد من خلال سيطرة شبه تامة على أربع عواصم عربية (دمشق، بغداد، بيروت، صنعاء) وبالتالي أصبح الأردن الذي بات محاطاً بأذرع إيران مقتنعاً أن التصعيد معها غير مفيد، وأنه لا بد من التقارب معها من خلال التطبيع مع الأسد والانفتاح على العراق.
ربما يحمل هذا التوجه الأردني أيضاً رسائل موجهة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لم تستطع تشكيل غطاء لها.
العاهل الأردني كان قد صرح في 25 تموز لقناة "CNN"، أن النظام باقٍ وعلينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا.. هل نريد تغييراً في النظام أم تغييراً في السلوك؟". كما أوضح أن رؤية بلاده للوضع في سوريا تقوم على التحاور "لأن الجميع يقوم بذلك، ولكن ليس هناك خطة واضحة إزاء الحوار مع النظام، والحوار معه أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه".

لا شك أن لدى عمان عوامل أساسية دفعته لاتخاذ هذه الخطوة أهمها:
أولاً: الازمة الاقتصادية والسياسية الخانقة التي يعاني منها الأردن، والتي دفعت قيادته للاعتقاد بأن فتح صفحة جديدة مع نظام الأسد ستساعد على التخفيف من تلك الأزمات، والحد من تردي الوضع الاقتصادي. فبالإضافة إلى استفادة الأردن من عائدات مرور خطوط الغاز والكهرباء إلى لبنان عن طريق سوريا، يسعى الملك للاستفادة من حركة الترانزيت التي كانت ترفد الخزينة الأردنية بعائدات مالية كبيرة، ممنياً النفس بحصول تفاهمات روسية-تركية ناتجة عن قمة سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي قبل أيام، بفتح الطرق التجارية وخاصة طريق إم-5، الذي يصل غازي عينتاب التركية بمعبر نصيب الحدودي، وربما تلقى وعداً بذلك من الرئيس بوتين خلال زيارته الأخيرة لموسكو، وهناك مؤشرات على الأرض توحي بذلك.
ثانياً: مخاوف ملك الأردن من أن تؤدي الأزمة السياسية التي عصفت به مؤخراً (مؤامرة باسم عوض الله) إلى غضب شعبي قد يفتح الأبواب أمام انتفاضة على غرار ما حصل في دول الربيع العربي، وبالتالي يعتقد الملك ربما أن عودة العلاقة مع نظام الإجرام في دمشق هي رسالة للداخل الأردني، بعدم جدوى الانتفاضات والثورات وأنها تؤدي الى نتائج كارثية، وأن الأنظمة والحكومات على علاتها تبقى الخيار الوحيد لعدم انجرار البلاد إلى كوارث تشبه ما حصل في سوريا، وهذا ما سوق له بعض حكام المنطقة لتربية شعوبهم بمأساة للشعب السوري.
ثالثاً: العامل الثالث مرتبط بعلاقات الأردن مع أمريكا وروسيا. ففي ظل الانكفاء الأميركي عن المنطقة، رغم تعزيز قواعدها في الأردن، إلا أن انسحابها من أفغانستان وتقليص قواتها في العراق والخليج العربي، وعدم إيلاء أولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وتنامي الدور والنفوذ الروسي في المنطقة، جعل من الملك الأردني يسعى لتمتين علاقته مع روسيا من خلال البوابة السورية، كي تكون موسكو حليفاً له في حال استمرار إدارة الرئيس بايدن في سياسة التخلي عن الحلفاء.
رابعاً: لا يمكن إغفال العامل الأمني من حسابات الأردن، وخطر الجماعات المتطرفة (داعش والقاعدة) عليه، وبالتالي العمل على رفع مستوى التنسيق الأمني بين البلدين، الذي أكد مدير مخابرات الأردن قبل يومين أنه لم يتوقف أصلاً، والاستفادة من الداتا الموجودة عند أجهزة مخابرات النظام في ما يتعلق بالجماعات الإرهابية.
هذه الخطوة لم تثر أصواتاً معارضة فقط من الشارع الأردني، بل خرجت أصوات من البرلمان رأت بأنها خطوة لن تكون مفيدة للأردن، حيث اعتبرها النائب صالح العرموطي "إنقاذاً للنظام السوري بعد تورطه بارتكاب مجازر وانتهاكات كبيرة بحق الشعب السوري". وشكك العرموطي حتى بالجدوى الاقتصادية من تطبيع علاقات الأردن مع نظام الأسد، معتبراً أن فساد النظام المستشري والقبضة الأمنية لن تعطي للأردنيين المزايا التي يتحدثون عنها، والدليل على ذلك وجود عشرات المعتقلين الأردنيين في سجون النظام منذ سنوات عديدة ورفضه اطلاق سراحهم رغم كل المناشدات.
مقابل ذلك، ترى السلطات الأردنية أن القسم الأكبر من الرأي العام المحلي يرحب بهذه الإجراءات، وهو اعتقاد ربما يشجع الملك الأردني أكثر في تسريع مساعيه الهادفة إلى إعادة النظام الى حظيرة الجامعة العربية، وفي هذا السياق يمكن وضع الزيارة التي يُعتقد أنه سيقوم بها الأسبوع القادم إلى الدوحة لإقناع قطر بعدم معارضة ذلك. فهل سيكون هذا التقارب وتطبيع العلاقات بمثابة الفرج للأردن بالفعل؟ أم أن نظام الأسد هو المستفيد الأول والأكبر؟ سؤال بديهي ليس أمام الجميع إلا ترقب ظهور الإجابة عنه، ما لم يحدث شيء يعيد خلط الأوراق ويقلب الطاولة على الجميع.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024