من البقاع إلى اللاذقية.. هذه رحلة المخدرات إلى روسيا

عبدالسلام حاج بكري

الأحد 2019/08/11
"ارفع الحاجز.. وصل الكينغ"، جملة تجعل موظفي مرفأ اللاذقية في حالة استنفار وتوتر، وتدفعهم لمغادرة الساحة الرئيسية. والويل طبعاً، لمن يمسك بهاتفه الجوال، قبل مغادرة الـ"كينغ".

يدلف الكينغ إلى المرفأ بسيارة BMW سوداء، رباعية الدفع، تغطي زجاجها الخلفي صورة للأمين العام لمليشيا "حزب الله" حسن نصرالله، وراية الحزب. سيارة الكينغ تتقدم رتل سيارات سوداء، لا تحمل لوحات مرورية.

ومع الكينغ حراس مفتولي العضلات، مزودين ببنادق أميركية M16. وسرعان ما يعمل أولئك على نقل حقائب إلى غرفة خاصة في الطابق الثاني من البناء. وعند الانتهاء من إفراغ السيارات من الحقائب، يترجل الكينغ، ويصعد للبناء يرافقه شخص واحد، فيما يتوزع البقية في الساحة والمدخل.

هكذا وصف الناشط الإعلامي محمد الساحلي، ما يجري في ميناء اللاذقية، عند وصول شحنات المخدرات من البقاع اللبنانية، تحضيراً لشحنها إلى روسيا.

حقائب الكينغ تُنقَلُ إلى السفن، من دون تفتيشها، ويمنع على المتواجدين استخدام الهواتف لمنع تصويرها. "تم رمي هاتف أحدهم في البحر عندما حاول الرد على اتصال هاتفي ورده"، بحسب الساحلي.

وتحتوي الحقائب بالعموم على المخدرات، إلا أن موظفاً في المرفأ رجّح أيضاً أن يحتوي بعضها على قطع أثرية بعدما نشط "حزب الله" مؤخراً بالتنقيب عن الآثار في القلمون.

الموظف قال لـ"المدن"، إن الكينغ يلتقي في الطابق الثاني مع ضابط روسي، لا يضع رتبة على كتفيه، في الغرفة التي توضع فيها الحقائب عند إتمام تجميعها. وفور انتهاء الاجتماع، يتولى المرافقون نقل الحقائب إلى السفينة المبحرة إلى روسيا.

عملية نقل المخدرات بحراً هي أمر روتيني تكرر عشرات المرات خلال السنتين الماضيتين، إلا أن وتيرة العمل تضاعفت في الشهور الثلاثة الأخيرة، من دون معرفة السبب.

لا معبر محدداً على الحدود السورية-اللبنانية تدخله سيارات الكينغ. تارة تأتي عبر معبر الدبوسية، وتارة تصل عبر المصنع إلى دمشق، ومنها إلى اللاذقية.

مصدر في "الأمن العسكري"، قال لـ"المدن"، إن سيارات الكينغ تدخل من الممر العسكري لمعبر العبّودية، حيث لا صلاحية للحواجز على توقيفها أو تفتيشها. مرة، حاول عنصر جديد على الحاجز، توقيف السيارات، فأشهر المرافقون سلاحهم، وهددوه.

وقد لا يكون الكينغ عضواً في "حزب الله"، لكنه لبناني يعمل تحت أمرة مسؤول في الحزب يُلقب بـ"رعد". "هذه معلومات متداولة بين عناصر حاجز المعبر، ونعرفها جميعا"، تقول مصادر "المدن".

في 21 تموز/يوليو، أوقف عقيد في شرطة اللاذقية إحدى شحنات الكينغ على مدخل مرفأ اللاذقية، وصادر كمية كبيرة من المخدرات بمختلف أصنافها، وتم تصويرها، ونشرت صور لها في وسائل إعلام محلية. حينها، لم يكن الكينغ يقود أسطوله من السيارات.

الناشط الساحلي، يقول عن تلك المصادرة: "أعيدت كامل الشحنة للكينغ، وأعيد نقلها إلى روسيا، كالعادة، وحذفت الأخبار والصور عنها من وسائل الإعلام، فيما صدر أمر بنقل العقيد الذي صادر الشحنة، إلى مدينة حمص، في اليوم التالي".

ولا توجد إحصائية تقديرية عن عائدات تهريب المخدرات من سوريا إلى روسيا. كما أن وجهتها النهائية ليست معروفة أيضاً، إذ غالباً ما تعمل المافيا الروسية على إغراق الأسواق الأوروبية بالمخدرات من مصادر مختلفة؛ باكستان وأفغانستان والهند، وحالياً من لبنان عبر سوريا. وبات "حزب الله" يعتمد على زراعة الحشيش وتصنيع أنواع مختلفة من المخدرات، وبيعها في الأسواق الإقليمية والدولية، لتمويل ذاته، خاصة بعد زيادة فاعلية العقوبات الأميركية على طهران.

في الساحل السوري، حيث السيطرة المطلقة لروسيا، يُشارك ضباط روس في قاعدة حميميم العسكرية بتهريب المخدرات عبر مرفأ اللاذقية. وقد عمل هؤلاء على احتكار خط التهريب، بالتعاون مع "حزب الله"، ما شكّل ضربة لعمل مجموعات الشبيحة في اللاذقية. إذ باتت الشرطة السورية معنية بمصادرة أي شحنة مخدرات تعود لمجموعات الشبيحة، وهي التي يتم الإعلان عن ضبطها ونشر أخبارها في وسائل إعلام النظام.

ويُرجحُ مراقبون أن تكون روسيا وراء الوشاية بشحنة المخدرات الكبيرة التي صادرتها السلطات اليونانية في تموز/يوليو، والتي وصفت بأضخم شحنة مخدرات يتم ضبطها في البحر المتوسط. مصادر "المدن" أشارت إلى أن تلك الشحنة خرجت بسرية من ميناء اللاذقية، وكانت في طريقها إلى الصين، وتعود ملكيتها لسامر الأسد، وعلي كيالي "معراج أورال". ويربط المراقبون بين محاولة اغتيال كيالي قبل أسبوعين، ومصادرة تلك الشحنة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024