لماذا محمد شتية رئيساً للحكومة الفلسطينية القادمة؟

أدهم مناصرة

الإثنين 2019/03/11
لم تكن مصادفة، أن يكلف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الأحد، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد شتية بتشكيل الحكومة الجديدة، بالتزامن مع إعلان حكومة تيسير الأعمال عن خطة طوارئ للتعامل مع المرحلة المالية المعقدة، على ضوء امتناع السلطة عن تسلم أموال المقاصة من إسرائيل إثر خصم الأخيرة مستحقات عائلات الشهداء والأسرى.

كأنه أريد بهذا التزامن أن يقال ضمناً أن حركة "فتح" اختارت شتية رئيساً للحكومة المقبلة، جالباً معه الحلول للمرحلة المعقدة أو أنه الأقدر على التعامل معها. وإن حدث ذلك فيُسجل الإنجاز للحركة، ما يمنحها فرصة لتقليص الفجوة مع الشارع الفلسطيني التي تضاعفت بالسنوات الأخيرة.

ولعل هذه الرسالة حول اعتبار محمد شتية الأنسب من بين زملائه الآخرين في المركزية للمهمة الجديدة، أرادها رئيس السلطة محمود عباس لتصل أيضاً لمسامع أقطاب "فتح" الغاضبين والمحتجين على هذا التكليف، وليس فقط للشعب الفلسطيني وحده.

مصدر في السلطة الفلسطينية قال لـ"المدن"، إن عباس هو مَن حسم عملية اختيار شتية لرئاسة الحكومة الجديدة منذ الوهلة الأولى، لا اللجنة المركزية، ذلك أنه لو خضع الأمر للتصويت في اللجنة لما نجحت عملية تكليفه نتيجة الخلافات والآراء المتعددة.

وبيّن المصدر أن عباس حاول إقناع الآخرين في مركزية "فتح" بشخصية شتية، ولكن لما حدث غضب ورفض، انتظر عباس مدة شهرين حتى ينفذ قراره. ويبدو أن رئيس السلطة وجد ضالّته في الأزمة المالية المعقدة التي نشأت بعد خصم اسرائيل رواتب عائلات الشهداء والأسرى، فكانت بمثابة الوقت الأنسب لتكليف محمد شتية رسمياً بتشكيل حكومته الجديدة.

وبينما بررت حركة "فتح" تغيير حكومة التوافق التي يرأسها رامي الحمد الله، بأن الغاية منها قد انتهت في اعقاب وصول المصالحة الفلسطينية مع حماس إلى طريق مسدود، إلا أن سياسيين كباراً أكدوا لـ"المدن"، أنه لا أحد يعرف السبب الملح لهذا التغيير، بغض النظر عن الأصوات الصادرة من "فتح" والداعية إلى ضرورة تصدرها للحكومة لرأب الصدع مع الشارع. وكأن هؤلاء السياسيين يلمحون بهذا القول إلى أسباب أخرى غير معلنة قد تكون داخلية أو خارجية استدعت تغيير الحكومة.

وبالرغم من تصريحات شتية النارية ضد الإدارة الأميركية وإسرائيل، إلا أن أقطاباً في "فتح" تعتبر أنه يملك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، فيما يقول آخرون ممن يدافعون عن شتية لـ"المدن"، إن علاقته "مهنية" مع المسؤولين الأميركيين، وليس موالياً لواشنطن. ويستذكر هؤلاء أن وزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري كان يُطلق تسمية "الولد المشاغب" على محمد شتية خلال مشاركة الأخير في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في عهد إدارة الرئيس السابق باراك اوباما، إذ إن شتية يقول دائماً "لا"، بحسب المدافعين عنه.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بير زيت الدكتور غسان الخطيب قال، لـ"المدن"، إن اختيار أحد اعضاء اللجنة المركزية جاء بقرار من المركزية بالمحصلة، بعدما كلفت الحكومة السابقة برئاسة رامي الحمد الله، حركة فتح كثيراً من مكانتها الجماهيرية خصوصا مع أزمة قانون "الضمان الإجتماعي" ومواضيع أخرى، الأمر الذي ولّد فجوة كبيرة مع الشارع. فـ"فتح" محسوبة على السلطة بالنهاية، وأي صعوبات بجماهيرية السلطة والحكومة تدفع ثمنها فتح.

ويبدو أن قيادات "فتح" أرادت معالجة الفجوة من خلال أن يتولى أحد أعضاء مركزيتها رئاسة الحكومة. غير أنّ الخطيب يرى في ذلك فرصة ومغامرة كبيرة في الوقت ذاته، فبينما سيعلي شأن الحركة إذا نجحت في تجاوز الصعوبات وتصحيح المسار الإقتصادي والتنموي والإجتماعي للمواطن، فإن ذلك سيكلفها ثمناً سياسياً كبيراً إذا ما أخفقت ولم تحقق هذه الغاية.

ويتحدث الخطيب عن دلالتين لإختيار محمد شتية رئيساً للحكومة، الأولى أن شتية هو الشخص الوحيد الأكثر قبولاً من مختلف التيارات في "فتح" نظراً للخلافات الداخلية الكبيرة الموجودة داخل الحركة. أما الثانية، فما دامت المهمة التنموية والإقتصادية هي التحدي الأساسي، فشتية هو الأكثر علماً وخبرة عملية بهذا المجال من بين زملائه في المركزية.

وبينما يستبعد الخطيب أن تكون السلطة الفلسطينية قد حصلت على موافقات دولية على الأشخاص المناسبين لرئاسة الحكومة، إلا أنه يقر في الوقت ذاته بأنه "ربما كانت هناك مشاورات بأنه من الحكمة أن تتولى شخصية من المركزية ويبدو أن هذا كان مقبولاً بشكل عام".

وأعرب الخطيب الذي كان قد شغل منصب مدير المركز الإعلامي الحكومي في عهد سلام فياض، عن تمنيه بأن يلقى شتية قبولاً محلياً ودولياً "لأننا بأمس الحاجة لتحسين علاقاتنا مع العرب والعالم".

ولأن مخاوف وامتعاض أقطاب في حركة "فتح" لتعيين شتية رئيساً للحكومة السياسية المقبلة، نابع من الصراع على خلافة عباس على رئاسة السلطة الفلسطينية، فإن أوساطاً في "فتح" لا تحب شتية، وتخشى أنه برئاسته للحكومة الجديدة ستكون حظوظه أقوى لرئاسة السلطة الفلسطينية في حال اي غياب مفاجئ لعباس. وقد دلت على ذلك ضمناً، هيئة البث الإسرائيلية "كان 11" عندما قالت إن "تعيين شتيه رئيساً للحكومة الفلسطينية يعزز فرصته لخلافة أبو مازن".

وفي السياق، يرى محللون أن تعيين شتية يندرج ضمن جهود عباس لزيادة عزلة حركة "حماس"، التي تسيطر على قطاع غزة.

وقد رفضت حركة "حماس" وعلى لسان الناطق بإسمها فوزي برهوم، الإعتراف بالحكومة الجديدة التي كُلف محمد شتية بتشكيلها، واعتبر برهوم أن "تشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني، سلوك تفرد وإقصاء وهروب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة".

وشدد برهوم على أن المدخل الأمثل لتصحيح الوضع الفلسطيني هو بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة شاملة "رئاسية وتشريعية ومجلس وطني".‎
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024