"فيلق الرحمن" و"جيش الإسلام" يتقاسمان الغوطة الشرقية

عمار حمو

الأربعاء 2017/05/24
أفرز الاقتتال الداخلي بين فصائل الغوطة الشرقية آثاراً متعددة عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً، وآخرها التقسيم الإداري للغوطة على أساس السيطرة العسكرية. وتقسمت الغوطة إلى قطاع أوسط تحت سيطرة "فيلق الرحمن"، وقطاع دوما وما حولها تحت سيطرة "جيش الإسلام".
التقسيم ليس رسمياً من الفصيلين، ولكن حواجزهما وتحضيراتهما العسكرية رسّخته، ما انعكس مباشرة على حياة المدنيين، وأعاق حركة تنقلهم وتجارتهم.

مصدر مدني من القطاع الأوسط قال لـ"المدن" إن "قرارات أصدرها فيلق الرحمن قبل أيام تمنع إخراج أي مواد تجارية او غيرها من القطاع الأوسط إلى دوما، وكذلك منع إدخال أي مواد منها إلى القطاع الأوسط".

وتسبب هذا القرار بحالة غضب من المدنيين المارين على الحواجز، خاصة أن التقسيم جاء على أساس السيطرة الفصائلية العسكرية، وترسيخه اقتصادياً ينهك المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية؛ لا سيما وأن القطاعين يعتمدان على بعضهما اقتصادياً ولا يمكن لأحدهما أن يعيش من دون الآخر.

من جهتها، نشرت "تنسيقية مدينة دوما" مقطعاً مصوّراً يُظهر مدنيين قالت إن "فيلق الرحمن" و"جبهة النصرة" هجّرتهم من القطاع الأوسط إلى قطاع دوما، مشيرة أن نحو 400 عائلة لقيت المصير ذاته. مصدر مدني من القطاع الأوسط أكد لـ"المدن" انتقال عائلات من القطاع الأوسط إلى قطاع دوما، مشككاً بأن يكون "التهجير" قسرياً.


(المصدر: طوران)

ووفق ما قاله مصدر مدني من مدينة دوما لـ"المدن"، فإن "ضرر الحواجز ومنع الحركة التجارية يقع على الطرفين"، مشيراً إلى أن "المدني في الغوطة الشرقية لم يعد قادراً على تصريف منتجه في القطاع الآخر وليس بإمكانه استكمال حاجياته الموجودة في غير قطاعه". وأكد المصدر أن عملية منع نقل المواد تقتصر على حواجز "فيلق الرحمن" و"هيئة تحرير الشام"، ولم تشمل حواجز "جيش الإسلام".

وترك الاقتتال بين "جيش الإسلام" من جهة، و"هيئة تحرير الشام" و"فيلق الرحمن" من جهة أخرى، آثاراً اجتماعية لا تقلّ أهمية عن الاقتصادية، فالعائلة الواحدة تسكن في مناطق سيطرة الفصائل المختلفة، وأعاقت الحواجز العسكرية حركة تلك العائلات.

"المدن" حصلت على شهادات تؤكد سوء معاملة "الحواجز العسكرية" للمدنيين، لا سيما تلك التابعة لـ"فيلق الرحمن" أو "تحرير الشام". وبحسب شهادة أحد المدنيين، ممن حاول وعائلته دخول القطاع الأوسط منطلقاً من دوما، فقد تمّ اجبارهم من قبل "ملثمين"، لدى وصولهم إلى حواجز القطاع الأوسط، على العودة. وأضاف: "بعد إجبارنا على العودة شعرنا بالخوف، لأننا كنا قد تجاوزنا مسرابا في رحلة محفوفة بالمخاطر"، وتعدّ مسرابا عقدة الوصل بين قطاع دوما والقطاع الأوسط.

وتنتشر قناصات للطرفين في مسرابا الواقعة تحت سيطرة "جيش الإسلام" ومديرا الواقعة تحت سيطرة "فيلق الرحمن" وفيها تواجد لـ"تحرير الشام". وأوقع قناصة مديرا إصابات في صفوف المدنيين من جهة مسرابا بينهم أطفال، بحسب ما ذكره مصدر محلي لـ"المدن"، مشيراً إلى أن القناصة هم لـ"النصرة" أو "الفيلق".

وبعيداً عن حالة الاستنفار العسكري بين الفصائل، يبحث المدنيون عن بدائل للتنقل بين القطاعات. وبحسب أحد المصادر من مدينة دوما، فإن طريقاً فرعياً للدراجات النارية يستخدمه مدنيون للتنقل بين القطاع الأوسط ودوما، ولكنه لا يصلح كطريق تجاري، وإنما لتنقل المدنيين فقط.

وأشار المصدر إلى وجود طريق آخر مخصص لـ"الدفاع المدني"، ولكن يتوجب في أحد نقاطه على عناصر "الدفاع" نقل المريض من سيارة لأخرى، إذ لا يسمح بتنقل السيارات ذاتها. وجاء ذلك بعد اعتداء "فيلق الرحمن" على سيارات إسعاف قال إن "جيش الإسلام" استخدمها لنقل عناصره إلى داخل القطاع الأوسط.

وينتظر المدنيون ما يشاع عن افتتاح طريق تجاري بديل عن الطريق الرئيس الواصل بين القطاعين عبر مسرابا ومديرا، والذي تحول إلى طريق عسكري مليء بالحواجز.

من جهته، قال مصدر عسكري مقرب من "فيلق الرحمن" أن "الفيلق" هو صاحب القرار في منع الحركة التجارية من القطاع الأوسط وإليه، معللاً ذلك بفرض تجار تابعين لـ"جيش الإسلام" أتاوات مضاعفة على الحركة التجارية من وإلى القطاع الأوسط.

ومن الأسباب أيضاً بحسب المصدر "وجود منظمات مدنية عاملة في قطاع دوما استخدم جيش الإسلام سياراتها للتسلل إلى خارج مناطق سيطرته".

نتائج الاقتتال بين فصائل الغوطة الشرقية الذي انطلقت شراراته الأخيرة في 28 نيسان/ أبريل، صارت بداية لمرحلة جديدة في الغوطة الشرقية عنوانها "التقسيم" والسير في طريق مجهول.

مصادر متعددة أكدت لـ"المدن" غياب الحلول في الوقت الراهن بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، ووصفت العلاقة بينهما بأنها "أزمة ثقة شديدة"، وأزمة الثقة هذه انتقلت بدورها إلى المدنيين. وبحسب مصدر مدني: "كل فصيل لا يثق بالآخر والمدني لم يعد واثقاً بكليهما بعد أن أوصلوا الحال إلى ما هو عليه".

ورغم اعتراف الفصائل العسكرية بأن النظام السوري المتربص لما يحدث هو المستفيد الوحيد من أحداث الغوطة الشرقية، إلا أن تلك الأحداث تسببت بحصار إضافي على الغوطة الشرقية التي تعاني أصلاً من تشديد الحصار عليها منذ نحو ثلاثة شهور، أي منذ بدء العملية العسكرية للنظام على أحياء دمشق الشرقية. الاقتتال بين الفصائل في الغوطة الشرقية؛ في نسخة 28 نيسان 2016، ونسخة 28 نيسان 2017، كان سبباً لتقدم النظام على حساب المعارضة، فبعد اقتتال 2016 سيطر النظام على القطاع الجنوبي، وبعد اقتتال 2017 تم تهجير أهالي أحياء دمشق الشرقية في القابون وبرزة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024