درعا: عندما "تحرص" روسيا على وقف التهجير

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2018/07/10
ما زال إجلاء ألف مسلح من فصائل المعارضة مع عائلاتهم من جنوب سوريا باتجاه إدلب، الذي أعلن عنه "مركز المصالحة الروسي" في قاعدة حميميم العسكرية، يشهد تأجيلاً مستمراً لأسباب غير معلنة، بحسب مراسل "المدن" قتيبة الحاج علي.

وتراجع الحديث عن عملية التهجير المرتقبة، بشكل ملحوظ خلال الأيام القليلة الماضية، مع دخول قوات النظام إلى عدد من بلدات ريف درعا، كان آخرها تل شهاب وزيزون وخراب الشحم في الريف الغربي. وما زالت فصائل المعارضة تخوض جولات تفاوض لضم بلدة طفس ومدينة إنخل إلى قائمة "المصالحة"، في انتظار إتمام هيئات المعارضة في بلدات منطقة الجيدور ومحافظة القنيطرة تشكيل وفد موحد لدخول المفاوضات أيضاً. ما يشير إلى أن سيطرة قوات النظام وحليفها الروسي على ما تبقى من محافظتي درعا والقنيطرة، قد يتم من دون معارك، إلا في منطقة حوض اليرموك الخاضعة لسيطرة "جيش خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم "الدولة الإسلامية".

العامل الموحد في كل المفاوضات بين روسيا وأطراف المعارضة في درعا، هو دعوتها المعارضة إلى البقاء في مناطقها، وحث الأهالي على عدم أخذ قرار التهجير نحو الشمال، على الرغم من إبقائها هذا الخيار مطروحاً. ويبدو هذا السيناريو غريباً على الجانب الروسي، الذي فرض التهجير القسري على المعارضة في حلب الشرقية والغوطة الشرقية. إذ ظهر الجانب الروسي هذه المرة متحمساً لطمأنة أهالي الجنوب، والإبقاء عليهم. الأمر الذي قد يُفسّر بوجود تفاهمات إقليمية أفضت إلى المشهد الحالي من انسحاب المعارضة وتنازلاتها السريعة، ودخول روسيا كـ"ضامن رئيسي للاستقرار وعدم التهجير".

وظهر تأثير الدور الروسي الجديد على قوات النظام وهيئاته المدنية، فالدخول العسكري لجنود النظام ودباباته إلى الشريط الحدودي مع الأردن، والسيطرة على طرق رئيسية في المحافظة، تم بشكل سلس جداً من دون أي صدامات مع الأهالي. ولم تدخل الأجهزة الأمنية إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام حديثاً، ولم تقم تلك القوات بتنفيذ حملات اعتقال، حتى اللحظة، واكتفت بتجريد المقاتلين المارين على حواجزها من سلاحهم الفردي والسماح لهم بإكمال طرقهم، بينما سمحت لأهالي بلدة خربة غزالة بالدخول إلى البلدة وتفقد منازلهم، للمرة الأولى منذ السيطرة عليها وتهجير أهلها في العام 2013. وبدأت الهيئات المدنية بالعمل على مدار الساعة على تأهيل الأوتوستراد الدولي دمشق–عمان، تمهيداً لإعادة افتتاح معبر نصيب الحدودي في أقرب وقت. وأرسلت محافظة درعا التابعة للنظام المحروقات والطحين إلى عدد من بلدات ريف درعا الشرقي، وقامت مديرية المياه التابعة له بإعادة تشغيل العديد من الآبار.

الوتيرة السريعة لهذه الأحداث والخدمات، تبدو مدروسة بعناية بهدف التأثير على أهالي المنطقة الجنوبية، وطمأنتهم على مستقبل المنطقة عسكرياً ومدنياً، لدفعهم نحو خيار "المصالحة" مع قوات النظام بدل التهجير نحو الشمال. وبدأت نتائج هذه المقاربة تظهر خاصة في أحياء درعا البلد المُحررة، بعدما كانت على موعد لدخول الحافلات الخضراء وبدء عملية التهجير. ليعلو اليوم صوت البقاء على خيار التهجير.

الجهود الروسية المبذولة على أكثر من صعيد، مدنياً وعسكرياً، تبدو وقد نجحت في قبول شريحة من أهالي المنطقة، وربما تغيير موقفهم لصالح خيار "المصالحة"، لكنها فشلت في الوصول إلى شريحة أخرى حسمت قرارها برفض التواجد تحت سلطة النظام. ولعل فئة الشباب هي الأبرز فيها، فـ"المصالحة" مع النظام، وإن لم تشهد أي خروق، ستفضي إلى التحاق من هم في سن الخدمة الإلزامية في صفوف قواته بعد 6 شهور، المدة التي حددتها روسيا للمتخلفين عن الخدمة، وزجهم على جبهات القتال. وهو السيناريو الذي ما زال يضغط على آلاف الشبان من أبناء المحافظة ويدفعهم للنزوح من كل منطقة تدخلها قوات النظام وعدم التنازل عن خيار التهجير نحو الشمال.

كما أن فئة من المقاتلين والناشطين المدنيين والإعلاميين المؤيدين للثورة، لم تلمس، حتى اللحظة، وجود ضمانات تحميهم من اعتقال أو إيذاء النظام وأجهزته الأمنية، الأمر الذي دفع "رابطة الصحافيين السوريين" لإصدار بيان دعت من خلاله دول الجوار، خاصة الأردن، لفتح الحدود أمام نحو 270 صحافي عالقين في محافظة القنيطرة وريف درعا المجاور، بالإضافة لمن تمت محاصرتهم داخل درعا البلد "أو تقديم ضمانات وتعهدات من القوى المسيطرة على الأرض لمنع ملاحقة أو اعتقال أو إيذاء من يرغب بالبقاء"، بحسب بيانها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024