"الديني الشبابي" السُنّيّ:ترويج ل"ملحمة"النظام ضد"الفئة الضالة"

خالد الخطيب

السبت 2018/09/01
اعتمد النظام السوري منذ الربع الأخير في العام 2016 على المشايخ السنة لكي يروج لانتصاره وتمدده في مختلف المناطق على حساب المعارضة المسلحة التي وصفها مشايخ النظام في خطابهم الجديد بـ"الفئة الضالة". رسالة الخطاب الجديد التي أراد النظام إيصالها والترويج لها، هي بأن معركته "مقدسة" تهدف لـ"الدفاع عن الدين الوسطي الصحيح في المقام الأول".

وكان ذلك بالتزامن مع معركة حلب التي انتهت بسيطرة النظام على الأحياء الشرقية للمدينة، نهاية العام 2016، والتي كانت بداية مرحلة جديدة بالفعل للخطاب الديني الجديد الذي قدمته مجموعة كبيرة من المشايخ الموالين للنظام في حلب وحماة ودمشق وحمص، التي كانت مركز العمليات الأهم للنظام خلال العامين الماضيين. ومنها انطلق مشايخ النظام في ما بعد لحشد الدعم الشعبي للمعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" خلال العام 2017.

وعمل قسم من المشايخ الموالين كمفاوضين باسم النظام مع المعارضة المسلحة، كالشيخ عمر رحمون، عراب اتفاق خروج المعارضة من حلب، والداعم والمروج الأكبر لاجتياح ادلب حالياً، ومسؤول التواصل مع خلايا "المصالحات" فيها. وتولى قسم آخر حشد الدعم لمليشيات النظام في خطب الجمعة، والدروس الشرعية. في حين تولى آخرون، بتوجيه من مديرات الأوقاف والفروع الأمنية عمليات التواصل مع مشايخ ووجهاء مناطق المعارضة ترويجاً لـ"المصالحة"، كما حصل في الغوطة ودرعا وريف حمص، وكان لهؤلاء دور كبير في "التسويات" التي حصلت. وألقي القبض على بعض المتورطين بالتواصل مع مشايخ النظام في ادلب خلال الحملة الأمنية الأخيرة التي استهدفت خلايا "المصالحات". قسم من المعتقلين بتهمة "العمالة" هم أصلاً من المشايخ السُنّة المحسوبين على المعارضة.

ومع اقتراب معركة ادلب التي تحشد لها مليشيات النظام، ركز المشايخ الموالون في خطبهم وحراكهم الديني الشعبي على أن المعركة القادمة هي "الملحمة الكبرى" التي سيتم القضاء من خلالها على آخر جيب لـ"الفئة الضالة" التي تعارض وتقاتل النظام أصلاً اعتماداً على فتاوى وتصورات دينية خاطئة مستمدة من مناهج ابن تيمية والوهابية التي شن مشايخ النظام، برعاية وزارة الأوقاف ومديرياتها، هجوماً عليها خلال الشهور القليلة الماضية، أطلق عليه وصف "حملة تطهير" طالت مكتبات الجوامع والثانويات الشرعية، ومعاهد تحفيظ القرآن.

ويقود حراك المشايخ السنة الموالين للنظام، الشيخ عبدالله السيد، ابن وزير الأوقاف محمد عبدالستار السيد. ويرأس الشيخ عبدالله، "الفريق الديني الشبابي" الذي تأسس مطلع العام 2016، وحصل على الترخيص رسمياً أوائل العام 2017. ويساعده الشيخ محمد سائر شعبان، مسؤول العلاقات والتدريب في "المكتب المركزي"، وعدد كبير من المشايخ في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. هذا بالإضافة لشخصيات نسائية مسؤولة في الحركة الدينية النسائية "القبيسيات" في حلب ودمشق، والتي انضمت للفريق منذ تأسيسه. وقد التقى مسؤولو "الفريق الديني الشبابي"، رئيس النظام بشار الأسد، منتصف شباط/فبراير 2017، وحظوا بدعمه، وهو الذي شدد على أن المعركة "هي معركة ضد الأفكار المتطرفة"، وأوكل للفريق مهمة "تغيير الخطاب الديني"، أي جعل الخطاب الديني لخدمة بقاء النظام.

وشهدت مدينة حلب خلال الشهرين الماضيين أنشطة مكثفة قام بها "الفريق الديني" بالتعاون مع مديرية الأوقاف في حلب التي يرأسها الشيخ محمد رامي العبيد. الفريق الديني الشبابي أجرى دورات تأهيل لخطباء الجوامع، ومسؤولي الدروس الشرعية في المساجد من المدرسين والمدرسات، وتم التركيز على أن المعركة اليوم هي ضد "الفكر الديني المتطرف" الذي تتبناه المعارضة، وهذا ما يجب أن تدور حوله كل خطب الجمعة، والدروس الشرعية خلال الفترة الراهنة. ومن بين الذين عملوا على تأهيل المشايخ على الخطاب الديني الجديد، الشيخ ابراهيم هباش، خطيب جامع التوحيد في حلب، وعدد كبير من المشايخ المقربين من دائرتي الأوقاف والافتاء في حلب، ومدراء الثانويات الشرعية.

وفي حماة كانت أنشطة "الفريق الديني الشبابي" مكثفة أيضاً خلال الفترة الماضية، يدعمها الشيخ عمر رحمون، وقيادة فرع "حزب البعث" في حماة، والشيخ صالح مطر مدير أوقاف حماة. وشملت النشاطات مدينة حماة والمدن الرئيسية التابعة لها، باعتبارها مناطق قريبة من خطوط المواجهة مع المعارضة المسلحة.

كما لقي "الفريق الديني الشبابي" دعماً لأنشطته في دمشق وريفها، من قبل الشيخ خضر أحمد فائز شحرور، مدير أوقاف محافظة ريف دمشق، والشيخ محمد نعيم العرقسوسي رئيس اللجنة العليا لشؤون القرآن الكريم في وزارة الأوقاف، والشيخ محمد أنس الدوامنة مدير "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن وتفسيره" في وزارة الأوقاف، والشيخ محمد مفيد كحلوس رئيس دائرة "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره".

وظهر دور "الفريق الديني الشبابي" بشكل واضح في المناطق التي أجرت "مصالحات" مع النظام خلال الشهور الماضية، في الغوطة وريف حمص الشمالي والقلمون ودرعا. وأوصل المشايخ رسائل تطمين للأهالي في مناطق "التسوية"، وتم ضم عدد كبير من المشايخ في المناطق ذاتها إلى صفوف "الفريق الديني".

عمر رحمون، ظهر أكثر من مرة في جبهات ريف حماة الشمالي والغربي مؤخراً أثناء جولاته على مواقع مليشيات النظام، والمليشيات المحلية التي يشرف عليها رحمون. وسعى رحمون لأن يكون له دور في ادلب يشابه إلى حد ما دوره في حلب أواخر العام 2016. وبالفعل كان لديه شبكة علاقات مع شخصيات ووجهاء محليين في ادلب وريف حماة، لكن الحملة الأمنية للمعارضة أفشلت جهوده خاصة بعدما صعّد من خطابه ضد المعارضة في الآونة الأخيرة متوعداً ادلب بـ"الحرق والإبادة" باعتبارها معقل "جبهة النصرة"، الرواية التي يعمل على ترويجها مشايخ النظام عموماً للتهيئة لاجتياحها.

ورحمون حاصل على ماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، وهو من تولد حلفايا بريف حماة الشمالي الغربي، وعمل منشداً في الزوايا الصوفية في حماة وريفها الى جانب الخطابة في مساجد حلفايا، قبل اندلاع الثورة السورية التي شارك فيها. في حزيران 2013، خرج رحمون في فيديو إلى جانب شقيقه سامي رحمون "أبو العلمين"، يُعلن فيه عن تأسيس "حركة أحرار الصوفية الإسلامية"، والتي تحولت في ما بعد إلى "لواء أبو العلمين" الذي عمل مع "لواء التوحيد" في حلب وشارك فعلياً في معركة السيطرة على مدرسة المشاة. بعد ذلك انضم رحمون إلى مليشيا "جيش الثوار" وأصبح ناطقها الرسمي حتى أوائل العام 2016. وذلك قبل أن يعود إلى صفوف النظام الذي عينه في "لجان المصالحات" التي تدعمها روسيا.

ولدى رحمون شخصيات منافسة في حماة، وتعمل على التقليل من تأثيره المتنامي بسبب علاقاته الأمنية الواسعة. فقد طالب عضو مجلس الشعب وضاح مراد، بأن يقدم الشيخ رحمون إلى "محكمة الإرهاب" وفق ادعاء شخصي من المدنيين الذين ادعوا عليه بقيامه بقتل أبنائهم في صفوف قوات النظام عندما كان رحمون في صفوف المعارضة المسلحة. واتهم مراد، رئيس "شعبة الأمن العسكري" في حماة بالتغطية وحماية رحمون، وناشد بشار الأسد، من أجل توجيه أوامر باعتقال رحمون وزجه في السجن، مؤكداً أن الأخير قرر العودة إلى "حضن الوطن" بعد علمه بأن النظام سينتصر في هذه الحرب.

رحمون توعد مراد، ومنافسيه بالرد القاسي، وقال في "تويتر": "هجومنا على النصرة وداعش لا يعني دفاعاً منا عن دواعش الداخل، فعندنا مسؤولين يمثلون الاخوان المسلمين وداعش والقاعدة داخل مناطق النظام، أعرفهم جيدا، المعركة معهم مؤجلة الى ما بعد الانتصار على الارهاب، وسنحاربهم هذه المرة بسيف القانون وليس بالمظاهرة وحمل السلاح".

مفتي النظام الشيخ أحمد حسون، انضم أخيراً إلى الحراك الذي يقوده الشيخ عبدالله السيد، وأجرى زيارات خلال الأسبوعين الماضيين في حلب وأريافها. وزار حسون مدينة السفيرة شرق حلب، والتقى فيها مدير الثانوية الشرعية الشيخ محمد الحاج بركات، ومدير الأوقاف الشيخ أحمد ملا، الذين استقبلاه في مزرعة على مأدبة غداء. حسون أعطى خلال اللقاء تعليماته للأئمة والخطباء شرقي حلب للعمل على "تغيير الخطاب الديني" ودعم النظام "في حربه ضد التكفيريين والمعارضة التي تتبنى أفكارهم".

الخطاب الديني الذي يروج له "الفريق الديني الشبابي" برعاية وزارة الأوقاف وفروع الأجهزة الأمنية، يعتمد على مشايخ الصوفية للوصول إلى الحاضنة الشعبية في مناطق المعارضة المسلحة. فيديوهات الشيخ فتحي الصافي، في دمشق، تعتبر الأكثر رواجاً في مواقع التواصل الاجتماعي، وغزت بقوة مناطق سيطرة المعارضة، إلى أن ظهر في برنامج إذاعي يرد فيه على متصل يشكو له طول خدمته العسكرية في صفوف مليشيات النظام بالقول: "يتوجب عليك الصبر، فالمعركة مقدسة"، مؤكداً أن ابنيه وأقاربه يقاتلون في صفوف قوات النظام.

ويعمل "الفريق الديني الشبابي" على الترويج للشيخ الصافي، ومشايخ السنة الموالين لهم، وتسهيل إذاعة دروسهم وخطبهم الشرعية التي لا تخلو من السخرية والضحك، والدعوة للتسامح، والتلميح بشكل مبطن للمعركة التي يخوضها النظام "ضد الباطل"، باعتبار هؤلاء المشايخ الشكل الوسطي الأسهل للتدين الذي يقابل التطرف لدى "الفئة الضالة".

ويقدّم هؤلاء المشايخ خدمة كبيرة للنظام، بالتزامن مع استعادته السيطرة على مناطق واسعة من سوريا على حساب المعارضة المسلحة التي حوصرت شمالاً. ويتم استخدام هؤلاء من قبل النظام لاستعادة سيطرته الفعلية في المناطق المستعادة حديثاً، والحشد لاجتياح ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرته تحت مسمى "الجهاد المقدس" للدفاع عن "الدين الوسطي الصحيح".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024