اليمن:مستقبل الصراع بعد"انسحاب"القوات الإماراتية

المركز العربي للابحاث

الإثنين 2019/07/15

أعلنت الإمارات العربية المتحدة في 8 تموز/ يوليو 2019 عزمها تخفيض وإعادة نشر قواتها في اليمن، لتتحول، كما قالت، من استراتيجية "القوة العسكرية أولًا" إلى استراتيجية "السلام أولًا". وقد أثار القرار الإماراتي تساؤلات حول تداعياته الميدانية، ومصير التحالف العربي، الذي انكمش إلى دولتين، هما: السعودية والإمارات، ومستقبل الصراع في اليمن بين حكومة السلطة التي تعدُّها الأمم المتحدة شرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وبين سلطة الأمر الواقع بصنعاء، ممثلة بحركة أنصار الله (الحوثيون).

أولًا: حجم القوات الإماراتية ومناطق تمركزها
تقدّر بعض المصادر حجم القوات الإماراتية التي شاركت في حرب اليمن منذ انطلاق العملية العسكرية الموسومة بـ "عاصفة الحزم"، في 26 آذار/ مارس 2015، بنحو 5000 جندي، تتمركز داخل قواعد عسكرية ومراكز قيادة وتدريب خاصة بها، في عدة مناطق ساحلية، تقع على خليج عدن والبحر الأحمر، فضلًا عن قاعدة صرواح التي تقع بمحافظة مأرب شمالًا، وهذه القواعد هي: البريقة (عدن الصغرى) التي تعدّ المركز الرئيس للقوات الإماراتية في اليمن ، والريان (مطار الريان بالمكلّا) بمحافظة حضرموت (الساحل)، وبلحاف بمحافظة شبوة، والمخاء (ميناء) بمحافظة تعز، والخوخة بمحافظة الحُديدة. في حين تنتشر مجاميع محدودة العدد من القوات الإماراتية في مناطق مختلفة من عدن، ولحج، وشبوة، وحضرموت، والمهرة، ومناطق من الساحل الغربي .

تبيّن الخريطة تمركز القوات الإماراتية في اليمن حتى 1 تموز/ يوليو 2019، وتظهر فيها جزيرة سقطرى في المحيط الهندي التي أقامت فيها الإمارات ثكنات عسكرية، رغم خلوها من أي نشاط عسكري للحوثيين.

ثانيًا: القوات العسكرية والأمنية الداعمة للوجود الإماراتي
يتمثل دور القوات الإماراتية في القيادة والسيطرة على التشكيلات المسلحة التي أنشأتها ودعمتها أثناء المعارك مع الحوثيين في المحافظات الجنوبية، خلال عامَي 2015 و2016، حيث غدت هذه القوات ركيزة أساسية للاستراتيجية الأمنية الإماراتية في اليمن . كما برز دور القوات السودانية في معارك الساحل الغربي، إلى جانب تشكيلات مسلحة أخرى أنشأتها الإمارات لهذا الغرض وأطلق عليها في ما بعد اسم "القوات المشتركة" ، وفي ما يلي تفصيل أهم هذه التشكيلات :

1. قوات الحزام الأمني
تشكيلات أمنية جنوبية تنتشر في محافظات عدن، ولحج، وأبين، والضالع. ويشارك عدد منها في النسق الثاني للقوات المهاجمة في الساحل الغربي، مثل اللواء 20، واللواء الثالث دعم وإسناد. وتعد "قوات الإسناد والدعم" الكيان الجامع لقوات الحزام الأمني وغيرها من ألوية الدعم والإسناد، إلا أن مسمّى "قوات الحزام الأمني" طغى على مسمى "قوات الإسناد والدعم"؛ بفعل النشاط الميداني البارز لقوات الحزام.

2. قوات النخبة
وهي تشكيلات عسكرية جنوبية خالصة، يطلق على ما ينتشر منها في محافظة حضرموت الساحل "النخبة الحضرمية"، وعلى ما ينتشر منها في محافظة شبوة "النخبة الشبوانية". وقد فشلت محاولات تشكيل قوات النخبة بمحافظة المهرة وجزيرة سقطرى؛ وظلت مرتبطة بقوات الحكومة الشرعية.

3. القوات المشتركة
تتألف هذه القوات من وحدات مستقلة، وهي، في الأساس، ميليشيات جنوبية وشمالية، تضم كلًا من: ألوية العمالقة، وألوية المقاومة التهامية، وألوية حراس الجمهورية. وتنتشر في الساحل الغربي على البحر الأحمر، في المنطقة الممتدة من مضيق باب المندب إلى مطار الحديدة. وقد جرى دمجها، بإشراف لجنة سعودية، تحت قيادة يمنية موحدة، إثر مغادرة القيادة الإماراتية التي كانت تتولى الإشراف عليها حتى نهاية الأسبوع الأول من تموز/ يوليو 2019 .

ثمة قوات أخرى يطلق عليها اسم "كتائب أبي العباس"، نسبة إلى مؤسسها وقائدها "أبي العباس"، عادل عبده فارع، وكانت حتى أواخر نيسان/ أبريل 2019 تسيطر على أحياء من مدينة تعز، وتمارس أدوارًا سلطوية موازية لسلطات الحكومة الشرعية ، ثم دمجت، ماليًا وإداريًا، ضمن اللواء 35 مدرع، وأعيد نشرها في منطقة الكدحة شمال غرب مدينة تعز، بعد مواجهات عنيفة مع قوات حكومية، في نيسان/ أبريل 2019.

ثالثًا: طبيعة انسحاب القوات الإماراتية وأسبابه
رغم الإعلان المفاجئ عن تقليص القوات الإماراتية وإعادة نشرها في اليمن، فإنه لم يُرصد حتى الآن تغيير ملموس في وضع هذه القوات، خلا ثلاثة مواقع في المحافظات الشمالية؛ تسلّمت الإشراف عليها قوات سعودية، في صرواح بمأرب، وفي مدينة (ميناء) المخاء والخوخة على البحر الأحمر، ونشرت فيها بطاريات دفاع جوي "باتريوت" . وقبل ذلك بأسبوع، تسلّمت قيادة قوات خفر السواحل بعدن جزيرة بريم (ميُّون) الواقعة بباب المندب.

في حين لا تزال القوات الإماراتية المرابطة في المحافظات الجنوبية في قواعدها، رغم نقل الدبابات المتمركزة بميناء عدن إلى مركز القيادة الإماراتي بمنطقة البريقة . وبناء على ذلك، يمكن وصف ما حدث، حتى الآن، على أنه تخفيض في عدد القوات وإعادة تموضع وفق خريطة جديدة، طرفاها البارزان: السعودية والإمارات، أمْلتها مصالح مشتركة، وظروف داخلية وإقليمية أدت دورًا في اتخاذ هذا القرار، ومن هذه الظروف ما يلي:

• التوتر الذي يسود منطقة الخليج بفعل تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران، وما رافقه من تعرض أربع ناقلات نفط لعمليات تخريبية، قبالة سواحل إمارة الفجيرة، في 12 أيار/ مايو 2019، وإسقاط الإيرانيين طائرة أميركية من دون طيار، يُعتقد أنها انطلقت من قاعدة عسكرية إماراتية . وقد يكون استهداف هذه السفن حفّز الإمارات على مراجعة سياستها المتشددة تجاه إيران وحلفائها الحوثيين، خوفًا من تداعيات أي مواجهة محتملة على اقتصادها الذي يعتمد كليًا على ظروف الاستقرار في المنطقة.

• وجود تفاهمات سعودية - إماراتية لاقتسام النفوذ في اليمن، بحيث يتركز نفوذ الإمارات في مناطق يمنية بحرية ترتبط بأمنها ومصالحها الاقتصادية، خاصة في الجنوب وباب المندب.

• غياب أي أفق لحل الصراع مع الحوثيين، بعد تعثّر تطبيق اتفاق ستوكهولم.

• تصاعد الضغط الدولي لوقف الحرب في اليمن، وتنامي الانتقادات للدورين السعودي والإماراتي بسبب المآسي الإنسانية التي يتسبب بها استمرار الصراع.

• تصاعد الرفض الشعبي والرسمي اليمني تجاه الإمارات؛ نتيجة لممارساتها الداعمة لقوى الانفصال، وتقويض سلطة الشرعية.

• تفضيل الإمارات اللجوء إلى استراتيجية الدعم غير المباشر، بوصفها الخيار الأسلم والأقل تكلفة، بما يعفيها من الاستمرار في تحمّل المزيد من الخسائر المادية والعسكرية والسياسية، فضلًا عن اطمئنانها إلى حلفائها الداخليين، للقيام بالدور الميداني بالوكالة، وتفرّغها للإشراف من بعد، مع بقاء القوات المكلّفة بمحاربة الإرهاب من دون أي تغيير.

رابعًا: تداعيات الانسحاب الإماراتي
يمكن تحديد أبرز التداعيات المتوقعة لانسحاب القوات الإماراتية من اليمن، في ما يلي:

1. التداعيات على الصعيد الميداني
نتيجة اعتماد قوات الحزام الأمني وقوات النخبة، الشبوانية خاصة، على الدعم الإماراتي؛ فقد يتأثر موقفها الميداني أمام أي هجوم يشنّه الحوثيون على مناطق انتشارها في لحج والضالع. لكن مقدار الأثر سيعتمد على مدى استمرار مشاركة الطيران الحربي الإماراتي في التغطية الجوية. قد يظهر الأثر الأوضح في مناطق الشمال (الجوف، وصعدة، وحجة، ومأرب، والبيضاء، والحديدة، وتعز) نتيجة لتضاعف الأعباء على السعودية، بعد إخلاء القوات الإماراتية لمواقعها في مأرب والساحل الغربي (الحديدة وتعز). ويزداد هذا الموقف حرجًا بفعل ما يعانيه الجيش اليمني من نقص في الأسلحة الثقيلة؛ حيث لم يمكّن التحالف جيشَ الحكومة الشرعية من الحصول على حاجته من الدبابات، والمدفعية الصاروخية، فضلًا عن الطائرات.

وقد تمكنت قيادة الجيش في السلطة الشرعية من وضع يدها، جزئيًا، على القوات المشتركة في الساحل الغربي، ويمكن التوقع بأن تعود جبهة صرواح بمأرب إلى سابق عهدها، بعدما غادرتها القوات الإماراتية؛ حيث كانت في عهد قائدها اللواء عبد الرب الشدادي، الذي قُتل في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، من أنشط الجبهات، مع كونها إحدى البوابات المتوقعة للدخول إلى صنعاء.

2. التداعيات على التحالف السعودي – الإماراتي
قد يضع هذا الانسحاب السعودية في مواجهة منفردة أمام الحوثيين؛ ما يضعف موقفها، أو يؤدي في نهاية المطاف إلى إذعانها لمطالبهم بوقف الحرب، والدخول في عملية سلام مباشرة ، وقد يتأثر الأداء الاستراتيجي للعمليات الجوية والبحرية السعودية، مع غياب الشريك الإماراتي الذي لن تتمكن السعودية من إيجاد بديل إقليمي لتعويض غياب دوره. وفوق هذا كله، ستزيد أو تتضاعف التكلفة المادية للمواجهة المنفردة على عاتق السعودية، إذا ما أصرّ الحوثيون على مواصلة الحرب، في إطار استراتيجيتهم الموسومة بـ "النفس الطويل"، وتركيز هجماتهم على المدن والمراكز الصناعية، والنفطية، ومصادر توليد الطاقة، في جيزان، وعسير، ونجران، ومناطق أخرى في العمق، واستمرار إيران وحزب الله في دعمهم، خاصة في مجال الصواريخ الباليستية، والطائرات من دون طيار.

خاتمة
مثّلت القوات الإماراتية المشاركة في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ثاني قوةٍ فاعلة بعد القوات السعودية، منذ عام 2015. ومنذ الوهلة الأولى، ركزت الإمارات على مدينة عدن، الميناء التاريخي الشهير، والسواحل الممتدة على خليج عدن والبحر الأحمر، والجزر الاستراتيجية، مثل جزيرتَي بريم (ميّون) وسقطرى؛ ولذلك كان تمركز قواتها في هذه المناطق، خلال سنوات الحرب الماضية، في محاولة لإحداث تكامل مع وجودها في الساحل الأفريقي المقابل.

كانت الأهداف المعلنة للتحالف تتمثل في "إعادة السلطة الشرعية، ودحر الانقلاب الحوثي"؛ لكن الاستراتيجية الإماراتية جاوزت ذلك بإنشاء ميليشيات مسلحة مستقلة عن السلطة الشرعية ودعمها، وبعضها ميليشيات انفصالية، وبعضها محلية قبلية، وبعضها سلفية مدخلية، وأخرى بقيادة أمراء حرب. وقد تحولت هذه الميليشيات إلى عائق آخر أمام عودة الشرعية، فتوترت العلاقات بالرئيس عبد ربه منصور هادي، واستطالت الحرب، حتى تحولت إلى كارثة إنسانية، دفعت الإمارات إلى الانسحاب بهدوء من بعض مناطق تمركزها، خصوصًا في الشمال. لن يؤدي هذا الانسحاب، على الأرجح، إلى وقف الحرب قريبًا، وإن كان سيثقل كاهل السعودية؛ نتيجة لتضاعف تكاليف وأعباء المواجهة عليها، وتحمّلها ذلك منفردة، وقد يتجاوز هذا التأثير إلى اتساع دائرة التباين في المواقف والمصالح بين الدولتين الحليفتين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024