إطلاق سراح التلي..هل انتهى التنافس السلفي في إدلب؟

خالد الخطيب

الثلاثاء 2020/08/18
في أول ظهور له بعد إطلاق سراحه من سجون جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) في إدلب شمال غربي سوريا، استقبل جمال زينية (أبو مالك التلي) المهنئين بخروجه من السجن، بينهم السلفيان المنشقان عن النصرة أبو اليقظان المصري، وقائد تنسيقية الجهاد أبو العبد أشداء.

وفي الصورة التي جمعت التلي بأشداء وأبو اليقظان والتي تداولها السلفيون المناهضون للنصرة بشكل كبير مؤخراً بدا التلي متعباً ونحيل الجسم، وعلّق أشداء على الزيارة بالقول "رأيته كما هو صاحب هم وهمّة لم يتغير".

وكانت "جبهة النصرة" قد اعتقلت التلي أواخر حزيران/يونيو بسبب تزعمه لغرفة عمليات "فاثبتوا" والتي تأسست في 22 حزيران/يونيو، وضمت عدداً من التشكيلات السلفية أهمها "تنظيم حراس الدين". وكان لاعتقال التلي وما تبعه من مواجهات مع "حراس الدين" الأثر الفعلي على تحالف تنظيمات "فاثبتوا" والذي قضت عليه النصرة بشكل شبه كامل بعد أن ناصبته العداء باعتباره تنظيماً ينافسها على الإمارة.

خرج التلي من سجون النصرة أواخر تموز/يوليو، لكن الظهور الأخير للتلي واستقباله لألد أعداء زعيم النصرة أبو محمد الجولاني، أثار تساؤلات عديدة، أهمها، هل يحضّر الثلاثي السلفي لتحرك عدائي جديد ضد الجبهة؟، وهل ما يزال في إمكان الثلاثة، وبشكل خاص التلي، جمع التنظيمات السلفية والمنشقين عن النصرة مرة أخرى في تشكيل مشابه لتحالف "فاثبتوا"، وإنقاذ ما تبقى من تنظيم الحراس الذي تتواصل ضده حملة الاعتقالات والتضييق الجغرافي؟، ولماذا أُطلق سراح التلي وبماذا تعهد للجولاني لكي يطلق سراحه؟

ويقول الناشط الإعلامي محمود طلحة ل"المدن"، إن "خروج التلي سيؤسّس لمرحلة جديدة من المراجعات التي ستقوم بها عموم التنظيمات السلفية المناهضة للنصرة، وبشكل خاص التي كانت جزءاً من تحالف فاثبتوا، وذلك للكشف عن الخلل التنظيمي في صفوفها بعد أن تبين اختراق قياداتها من قبل الجبهة والذي كان له الدور البارز في خسارة التنظيمات أمام أول اختبار عملي في الميدان". 

ويرى طلحة أن "التلي والسلفيين المتحالفين معه لا يمكنهم القيام بأي تحرك عملي ضد النصرة في الوقت الراهن وهم بحاجة لفترة طويلة لكي يستعيدوا عوامل القوة التي خسروها لصالح الجبهة".

من جانبه، يقول الباحث في مركز جسور للدراسات فراس فحام ل"المدن"، إن أبو مالك التلي "خسر أهم عناصر القوة والجذب خلال فترة اعتقاله الأخيرة ولم يعد فعلياً قادراً على جمع المناهضين للنصرة تحت مظلة تشكيل سلفي جديد". ويوضح أن "العنصر الأهم هنا هو المال الذي كان في حوزة التلي ومجموعة الاستثمارات الأخرى في إدلب والتي كان من المفترض أن تمول تشكيلات فاثبتوا".

ويضيف فحام أن التلي خرج من سجون النصرة "بعد أن تم التفاوض معه لتسليم مبالغ مالية تعتبرها النصرة أمانة لدى أبو مالك ويجب أن يسلمها، ويتراوح المبلغ الذي من المفترض أن التلي تنازل عنه بين 2 إلى 6 مليون دولار، وهذه الأموال كانت ثمن صفقات بينه وبين حزب الله اللبناني عندما كان أميراً لجبهة النصرة في منطقة القلمون بريف دمشق".

ويرى فحام أن "هناك عوامل أخرى تجعل فرضية تجمع السلفيين مرة أخرى حول التلي مستحيلة، وأهمها، تعرض التنظيمات التي كانت في تحالف ’فاثبتوا’ لضربة قاضية خلال شهري حزيران وتموز وبشكل خاص في منطقة عرب سعيد غربي إدلب التي تعتبر المعقل الأهم لتنظيم حراس الدين. ولم يعد باستطاعة هذه التنظيمات التحرك بسهولة بعد أن خسرت عدداً من قياداتها وكميات كبيرة من عتادها، كذلك خسر التلي أهم الشخصيات الشرعية التي كانت إلى جانبه، وهو أبو محمد عاصم الذي اعتقلته النصرة مؤخراً".

الناشط الإعلامي عبد القادر يوسف يرى أن "الظهور الأخير للتلي برفقة أشداء وأبو اليقظان، رمزي، وهو رسالة للحلفاء المناهضين للنصرة يحاول من خلالها الثلاثي الجهادي القول بأنهم ما زالوا مؤثرين وهناك إمكانية لإعادة تنظيم الصفوف".

ويوضح في حديث ل"المدن"، أن "التلي وغيره من الشخصيات السلفية التي انشقت عن النصرة وتعارض سياساتها البراغماتية قد انتهى دورها، وسيتم تحييدها كلياً في المرحلة القادمة، أي لن يعود لها أي أثر في الميدان، والمرحلة القادمة تتطلب مثل هذه السياسة التي تتبعها النصرة".

من جهته، يوضح الناشط أحمد نجار ل"المدن"، أن "النصرة لا يمكن أن تطلق سراح التلي من دون أن يكون وراء ذلك هدف ما، وفي الغالب وافق التلي على العمل مجدداً لصالح الجبهة، ومن المفترض أن تكون مهمته في المرحلة القادمة التوصل لتهدئة بين الحراس وباقي التنظيمات من جهة وجبهة النصرة من جهة ثانية".

لكن الباحث الإسلام هشام محمد يرى أنه في حال "قرر التلي خوض مغامرة عدائية جديدة ضد النصرة فستكون نهايته هذه المرة". ويقول ل"المدن": "عملياً لم يعد هناك إمكانية لأي تجارب سلفية جديدة حتى لو أراد التلي وغيره ذلك، فالجولاني ممسك بالوضع بشكل ممتاز وبمساعدة تركية".

ويضيف محمد أن "الصراع بين السلفيين في إدلب صراع على السلطة، وبالتالي تحكم خلافاتهم المصلحة الشخصية، وربما تكون مصلحتهم في مرحلة لاحقة بالاجتماع مجدداً تحت مظلة واحدة، أي قد نرى هؤلاء المختلفين جميعهم بإمرة الجولاني اذا اقتضت مصلحتهم ذلك".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024