معركة "كسر حصار" حلب.. بدأت

خالد الخطيب

الجمعة 2016/10/28
بدأت المعارضة المسلحة في غرفتي عمليات "جيش الفتح" و"فتح حلب"، الجمعة، معركة جديدة بهدف كسر الحصار عن الأحياء الشرقية المحاصرة، والسيطرة على الأحياء الغربية التي تخضع لمليشيات النظام وحلفائه. وبعد ساعات على انطلاقتها، تمكنت المعارضة من السيطرة على حاجزي المستودع والصورة بالقرب من "ضاحية الأسد"، و"مناشر منيان" و"معمل الكرتون" غربي المدينة.

وباشرت المعارضة معركتها صباح الجمعة، من مواقعها داخل الأحياء الشرقية المحاصرة والمحاور الغربية خارج المدينة ومن عشرات قواعد الإطلاق، بقصف مكثف وتمهيد ناري بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة؛ صواريخ غراد والمدفعية وقذائف الهاون وصواريخ "حمم" محلية الصنع، لأكثر من ساعتين. واستهدف القصف معاقل المليشيات العراقية والأفغانية و"حزب الله" اللبناني و"الحرس الثوري" الإيراني و"القوات الخاصة" الروسية، ما تسبب في تشتيت القوات المتحصنة من المليشيات، وخلق ثغرات في دفاعاتها لتنطلق المرحلة الثانية من الهجوم.

واستهلت المعارضة المسلحة هجومها البري بتفجير ثلاث سيارات مفخخة؛ استهدفت الأولى محور "ضاحية الأسد" بجرافة عسكرية، والثانية نسفت دفاعات المليشيات في محيط "معمل الكرتون" قرب حلب الجديدة، والثالثة بدبابة مفخخة استهدفت تحصينات "ضاحية الأسد". وحققت جميع المفخخات أهدافها بفتح ثغرات لتقدم سرايا المقتحمين من مختلف الفصائل، وقتلت وجرحت أكثر من 100 عنصر من المليشيات.

واشتبكت المعارضة من "جيش الفتح" و"فتح حلب"، وجهاً لوجه، مع المليشيات في محاور جمعية الزهراء و"الفاميلي هاوس" ومناشر منيان ومعمل الكرتون و"ضاحية الأسد" والأكاديمية العسكرية و"مشروع 3000 شقة" في الحمدانية. وشهدت هذه المحاور، وما تزال، أعنف المعارك، وسط تقدم مستمر للمعارضة في المنطقة، باعتبارها المحاور الأساسية في المرحلة الأولى من هجومها البري.

كما شهدت جبهات "مشروع 1070 شقة" و"المدارس العسكرية" معارك كر وفر، وقصفاً متواصلاً من قبل المعارضة التي دمرت دفاعات المليشيات وأجبرتها على التراجع نحو مواقع خلفية. وامتدت المعارك لتشمل جبهات "كتيبة الصواريخ"، وجبهات شرقي خان طومان، ومعمل البرغل، وعدد من المحاور في ريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي. وحقق التوسع جنوباً للمعارضة تشتيتاً للجهد العسكري للمليشيات المرابطة، وقوافل مؤازرتها، وخصوصاً "حركة النجباء" العراقية و"حزب الله" اللبناني اللذين تكبدا خسائر كبيرة في صفوفهما.

ولم تشهد جبهات غربي وجنوب غربي حلب، وحدها، أعنف المعارك بين المعارضة والمليشيات، بل شاغلت الفصائل المسلحة المتمركزة في حلب المحاصرة الفصائل المهاجمة من المحاور الداخلية، واستهدفت معاقلها في محاور حلب القديمة والشيخ سعيد وصلاح الدين وسيف الدولة والإذاعة وبستان الباشا ومطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري. وحققت المعارضة اصابات مباشرة في المواقع المستهدفة ما تسبب بنشوب حرائق كبيرة فيها، تبعها اشتباكات، ما تزال مستمرة، في عدد من المحاور.

القائد العسكري في "جيش المجاهدين" النقيب أمين ملحيس، قال لـ"المدن"، إنه مع الساعات الأولى لانطلاق معركة السيطرة على حلب وكسر الحصار عنها، أثبتت فصائل المعارضة التزامها بمخططات غرفة العمليات وحققت نتائج ممتازة في المراحل الأولى من الهجوم البري بفضل التنسيق بينها، مؤكداً أن كل الفصائل العسكرية مشاركة في العملية وتتقاسم في ما بينها المهام.

وأوضح النقيب أمين أن لدى المعارضة طموحات كبيرة، وأهدافاً لن تتوقف عند كسر الحصار، والهدف البارز هو السيطرة على كامل مدينة حلب وتحريرها من قبضة مليشيات النظام والمليشيات الشيعية الموالية له. وبالطبع فإن ذلك يعود للميدان، وجملة الظروف المتحكمة في سير المعركة، بحسب النقيب أمين، الذي أكد أن مليشيات النظام و"القوات الخاصة" الروسية فوجئت بالغطاء الناري الذي تمتعت به فصائل المعارضة ممهدة لتقدمها في المحاور الرئيسية. كما أن الجبهات المفتوحة في كل محاور الداخل والخارج ساعدت بشكل كبير على شلّ حركة القوات المعادية.

وكان للأحوال الجوية الغائمة، الماطرة بشكل متقطع، وإشعال الإطارات في كل أرجاء حلب الشرقية ومناطق المعارضة غربي حلب وريفها الغربي، دور كبير في التعمية على المقاتلات الحربية الروسية، وخلق أجواء مرعبة ساعدت على خلق الرهبة في نفوس مقاتلي المليشيات الذين فروا من مواقعهم الأولى في محاور متعددة. وتمكنت المعارضة من أسر عدد كبير منهم، من جنسيات باكستانية وأفغانية، وكان آخرهم مجموعتان كاملتان؛ الأولى من مليشيا "حزب الله" تم أسرها بالقرب من "ضاحية الأسد" غربي المدينة بعد مقتل قائد بارز في في الحزب، ومجموعة ثانية من مليشيا "حركة النجباء" العراقية.

ورغم الظروف الجوية غير الملائمة لتحليق المقاتلات الروسية، وألسنة الدخان المتصاعدة من كل مكان، إلا أن الطيران الروسي كان حاضراً بقوة، ونفذت أسراب المقاتلات عشرات الغارات، من دون تركيز مستهدفة مواقع المعارضة وخطوط امدادها في ريف حب الغربي ومدن وبلدات أورم الكبرى وكفرناها و"الفوج 46" والمنصورة والراشدين و"جمعية المهندسين" ومحيط الأتارب وخان طومان وجانبي طريق دمشق-حلب الدولي.

المعارضة تقول إن لديها الكثير من المفاجآت، ستكشف عنها خلال الساعات القادمة، من فتح محاور قتال جديدة غير متوقعة، والمزيد من العربات المفخخة. وفي الوقت ذاته، وجّهت المعارضة مناشدات للمدنيين القاطنين في مناطق سيطرة النظام في حلب الغربية، بضرورة الابتعاد عن المقار والثكنات العسكرية قدر الامكان، للحؤول دون تضررهم واصابتهم.

ورغم احتياطات المعارضة، فقد تسببت بعض القذائف الصاروخية والمدفعية التي أطلقتها على الخطوط الخلفية للمليشيات ومقارها وثكناتها في حلب الجديدة والشهباء و"ضاحية الأسد" وجمعية الزهراء والحمدانية، في مقتل عدد من المدنيين.

وفي المقابل، نفذت مرابض المدفعية وقواعد الصواريخ التابعة للمليشيات حملة قصف عشوائية، ما يعكس حالة التخبط التي تعيشها، واستهدفت معظم الأحياء الشرقية في حلب القديمة والشيخ سعيد وكرم الطراب والشيخ لطفي وصلاح الدين وسيف الدولة، سقط على إثرها قتلى وجرحى بين المدنيين. كما طال القصف المدفعي والصاروخي بشكل أعنف، الجبهات غربي حلب وريف حلب الغربي، في المنصورة والجمعيات السكنية والراشدين وسوق الجبس ومنطقة عقرب وخان العسل ومحيط خان طومان.

معركة المعارضة، حققت حتى الآن، مكاسب مقبولة، من ناحيتي التقدم البري، وحجم الخسائر التي أوقعتها في صفوف المليشيات، والتي تجاوزت 100 عنصر بينهم قادة وضباط ميدانيون، بالإضافة إلى ما يقارب العشرين أسيراً، وتدمير خمس سيارات دفع رباعي، ومدرعتين، وقواعد رشاشات ثقيلة من عيار "23" و"57" ميليمتر، بواسطة المضادات الرشاشة، وصواريخ "تاو". كما اغتنمت دبابتين إحداهما من طراز "T-72" وعربة "BMB".

ويشهد إيقاع المعارك تصاعداً مع فتح المعارضة لجبهات ومحاور جديدة، وهي ما تزال في مرحلتها الأولى التي من المفترض أن تحقق ثغرة في دفاعات المليشيات غربي المدينة، في "ضاحية الأسد" و"الأكاديمية العسكرية". وتتوقع المعارضة أنه بمجرد انهيار الدفاعات الأولى للمليشيات، سيكون من السهل عليها التوغل في الأحياء السكنية كالحمدانية وحلب الجديدة، ما سيؤمن لها حماية لازمة أمام الطيران الروسي، ويتيح لها الفرصة للثبات في مواقعها ومواصلة المعركة. وخير دليل على ذلك كان "مشروع 1070 شقة" الذي مازالت المعارضة تحتفظ بمواقعها فيه منذ أن خاضت معركتها الأولى لكسر الحصار منذ ما يقارب الشهرين.

وتعرف المعارضة أن المعركة ليست سهلة، ومثلما تحتفظ هي بمفاجئات وخطط سيطرة، تمتلك قوات النظام والمليشيات استراتيجية دفاعية تمكنها من الثبات والاحتفاظ بمناطق سيطرتها، وربما امتصاص الصدمات الموجعة من قبل المعارضة. وفي الوقت ذاته، تدرك المليشيات أن هذه المعركة مختلفة تماماً عن المعارك السابقة، فالمعارضة حشدت الكثير من العتاد والعدد لهذه الملحمة، التي تعتبرها محورية، واستقدمت تعزيزات من كل الشمال والوسط السوري ومن الساحل. فلم تعد معركة حلب تخص الفصائل الحلبية والادلبية وحسب، وإنما هي معركة الثورة السورية كاملة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024