"داعش" يقترب من إدلب..ويُسلّم النظام ما يأخذه من المعارضة

خالد الخطيب

الإثنين 2017/11/27
قلّص تنظيم "الدولة الإسلامية" المسافة التي تفصله عن الحدود الإدارية لمحافظة ادلب إلى 15 كيلومتراً، بعدما سيطر على قرى جديدة في ريف حماة الشمالي الشرقي خلال معارك عنيفة ضد "هيئة تحرير الشام" وفصائل المعارضة المسلحة. المواجهات الأخيرة بين الطرفين أسفرت عن مقتل وجرح وأسر أكثر من 30 عنصراً يتبعون لـ"تحرير الشام"، وآخرين من فصائل المعارضة التي تشارك في عمليات التصدي.

وبدا "داعش" أكثر قوة خلال المعارك الأخيرة، واستفاد من المعدات العسكرية التي اغتنمها من "تحرير الشام" وفصائل المعارضة، خلال أسبوع من المعارك المتواصلة. واتبع التنظيم  استراتيجية تكثيف الهجمات البرية في رأس حربة قليل العرض، ما مكنه من التمدد شمالاً، والسيطرة على  قرى أبو عجوة وعنوز ورسم الأحمر وأبو حبة والشيحة. وأصبح التنظيم على مشارف أبو خنادق الشمالي وقصر ابن وردان ورسم الحمام، التي تعرضت لمحاولات تقدم شنها التنظيم. المعارضة شنّت هجوماً معاكساً، الأحد، واستطاعت استعادة بعض المواقع قرب قرية أبو عجوة. وتشهد المنطقة معارك كر وفر عنيفة. وقالت المعارضة إنها قتلت أكثر من 20 عنصراً للتنظيم خلال هجماتها الأخيرة في محيط أبو عجوة.

استراتيجية التنظيم في معاركه الأخيرة تمكنه من تحقيق هدفه بالوصول إلى ادلب بشكل أسرع، وتمكنه في الوقت نفسه من التمدد على طرفي رأس الحربة المتقدم من جهتي الشرق والغرب. والمحور الذي تقدم فيه التنظيم خلال الساعات الـ48 الأخيرة يقسم المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في ريف حماة الشمالي الشرقي في ناحيتي السعن الحمراء إلى نصفين، ومن السهل عليه متى أراد التمدد بشكل عرضي عبر استخدامه سياسة عزل القرى المتبقية على جانبي محور التقدم.

ويعود تركيز "داعش" على الوصول إلى محافظة ادلب، لما لها من أهمية معنوية بالنسبة لمناصريه، والخلايا العاملة في المنطقة والتي تنتظر وصوله للبدء بمرحلة جديدة أكثر وحشية. وفي الوقت ذاته، بدأت تلك الخلايا بتكثيف عملياتها الأمنية؛ اغتيالات وتفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، في مختلف مناطق المعارضة و"تحرير الشام" في حلب وإدلب وحماة، من أجل تشتيت جهدها، وإثارة الرعب في نفوس أهالي المنطقة.


(المصدر: LM)

مليشيات النظام عملت خلال الأيام الأخيرة على زيادة حجم الأسلحة التي تصل للتنظيم في ريف حماة، وكلما حقق التنظيم تقدماً على حساب المعارضة يحصل على مزيد من الأسلحة والذخائر. ومن مصلحة مليشيات النظام توغل التنظيم بشكل أكبر في المنطقة الأمر الذي يسهل مهمتها بالتمدد لاحقاً في مناطق شرقي سكة حديد الحجاز وصولاً إلى مطار أبو ضهور العسكري.

فعلياً، بدأ التنظيم بتسليم بعض المواقع والقرى التي سيطر عليها لمليشيات النظام. وانسحب التنظيم، السبت، من قريتي قبيبات وأم خريزة ومحيط تل الأغر، وتقدمت إليها المليشيات مباشرة من دون أي اشتباك بين الطرفين، أو أي قصف مدفعي أو جوي من قبل المليشيات. ومن المحتمل أن ينسحب التنظيم مجدداً خلال الأيام القادمة من مشارف الزنكاحية التابعة لناحية السعن شرقاً وحتى تل عبدالعزيز غرباً والواقع في ناحية الحمراء، لحساب مليشيات النظام. وما يهم "داعش" الآن هو الحفاظ على القوة العددية والنارية المتقدمة في رأس الحربة الذي يحقق نجاحات متواصلة بفضل طبيعة المنطقة السهلية، وسهولة كشف مواقع المعارضة و"تحرير الشام".

التطورات الميدانية في ريف حماة واقتراب التنظيم من إدلب، أثارت سجالاً واسعاً بين الداعين للنفير العام لمواجهة تنظيم "الدولة"، واستنفار كل الفصائل للتصدي للخطر المحدق بإدلب. وهذا الفريق، محسوب عموماً على "هيئة تحرير الشام" وشخصيات جهادية أخرى كالشيخ عبدالرزاق المهدي.. أما الفريق الآخر فاعتبر أن ما يحدث نتيجة طبيعة لما قامت به "الهيئة" في وقت سابق، أي ابتلاعها عدداً كبيراً من فصائل المعارضة والقضاء عليها وسرقة سلاحها وتشريد مقاتليها ودفعهم لترك العمل المسلح خوفاً من حرب اسئصال "الهيئة" لهم.

في إطار حشد الدعم للمعركة وتسويق ضرورة نفير الفصائل للقتال في ريفي حلب وحماة ضد النظام والتنظيم، قال القيادي أبو مالك الشامي: "هجمة شرسة يشنها الخوارج والروافض على بادية ريفي حلب وحماة، فانفروا خفافاً وثقالاً، وجاهدوا عدو الله وعدوكم، وأروا الله من أنفسكم ما يحب". دعوة الشامي للنفير، ردّ عليها القيادي السابق في "جبهة النصرة" صالح الحموي، صاحب الحساب "أس الصراع في الشام" في "تويتر" بالقول: "الأخ أبو مالك الشامي أعلم أنك غير أولئك المجرمين، وأنك لست طالب دنيا كما هم، لكن صدقني ردك للمظالم وإعادة آلاف المقاتلين الذين هجرهم فصيلك وإطلاق سراح المعتقلين من العقاب وخاصة الموقوفين بلا محاكمة منذ سنوات، تؤجرُ عليه أكثر من دفع صائل النظام وداعش".

الشرعي السابق في "تحرير الشام" علي العرجاني الملقب بـ"أبو حسن الكويتي، طالب الجولاني "برد الحقوق لأصحابها أولاً، والاعتذار للمتضررين، ومن ثم الطلب من الفصائل نجدتهم في قتال التنظيم".

شرعي الجناح العسكري في "الهيئة" أبو اليقظان، هاجم الفصائل التي لم تشارك في عمليات التصدي في ريف حماة، مستذكراً فترة حصار حلب، وقال: "في  حصار حلب كنا نشتري الذخيرة من المحلات التابعة للفصائل الكرتونية، ولما سقطت أحياء حلب وانهارت الجبهات فتحوا لنا المستودعات، واليوم تمتلئ مستودعات القاعدين بالذخيرة والسلاح". زميل أبو اليقظان ومواطنه، الشرعي في صفوف "تحرير الشام" أبو الفتح الفرغلي، اشترك أيضاً في الرد، وقال: "هناك من وصل به التدني الشرعي والأخلاقي أن يربط قيامه بواجب دفع الصائل باسترداد حقوق يزعمها، (صدقاً أو كذباً)، ناسفاً كل ما تغنى به أو تغنى به غيره"، وأضاف الفرغلي، إن "من يشترط هذه الشروط لو أعطيته كل ما يزعمه من حقوق صادقة كانت أو كاذبة، وأضعافها لن يخرج، ولو خرج ما زادك إلا خبالاً".

الفصائل المقصودة بدعوات النفير التي أطلقتها "الهيئة" هي؛ "أحرار الشام الإسلامية" و"جيش الأحرار" و"حركة نور الدين الزنكي" و"فيلق الشام". ولدى هذه الفصائل قوة لا بأس بها يمكن أن تغير المعادلة. وتصب "أحرار الشام" كامل اهتمامها في جبهات ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي، والتي تعتبر هادئة نسبياً مقارنة بريف حماة الشمالي الشرقي. و"فيلق الشام" يشارك فعلياً في معارك التصدي لمليشيات النظام في ريف حلب الجنوبي، ولم يرسل مؤازرات إلى ريف حماة. و"الزنكي" ما تزال تنتظر تطبيق بنود الاتفاق مع "الهيئة" الخاص باستعادة الحقوق بعد الاقتتال الأخير. و"جيش الأحرار" الذي يقوده أبو صالح طحان القائد العسكري السابق في "تحرير الشام"، غير مشارك أيضاً في معارك ريف حماة.

والفصائل المشاركة فعلياً إلى جانب "الهيئة" في ريف حماة هي "جيش النصر" و"جيش ادلب الحر" و"الفرقة 23" و"جيش العزة"، وقد استنزفت بشكل كبير خلال المعارك المندلعة مع مليشيات النظام منذ ما يقارب الشهرين.

مصدر عسكري معارض، أكد لـ"المدن"، أن "هيئة تحرير الشام" لم تضع حتى الآن كامل ثقلها العسكري في المعركة ضد تنظيم "الدولة" في ريف حماة، وأوضح أن دعوات "الهيئة" للنفير والاستنجاد بالفصائل الأخرى كاذبة، والشخصيات التي دعت هي نفسها من سوّقت في وقت سابق للتغلب على فصائل المعارضة، والقضاء عليها. وهذه الدعوات تأتي في إطار التغطية على تردد "الهيئة" في إرسال تعزيزات إلى ريف حماة. فـ"الهيئة" تتخوف من سحب قسم كبير من قوتها العسكرية في الشمال من ريفي ادلب وحلب الغربي، الأمر الذي تعتبره خطراً في حال فكرت "الزنكي" ومعها "جيش الأحرار" و"أحرار الشام" بعملية عسكرية مباغتة لاستئصال "الهيئة"، باعتبارها فرصة ذهبية لا يمكن تفويتها.

يستمر السجال بين "تحرير الشام" والفصائل المتضررة من هجماتها السابقة، حول معارك التصدي للتنظيم، في الوقت الذي يبدو فيه "داعش" ماضياً في عملياته للوصول إلى ادلب، ويبدو النظام فيه راضياً عن التطورات الميدانية التي ستصب في صالحه حتماً. وربما يحقق تقدم التنظيم الوبال للمعارضة في ادلب، وغايات للنظام لم يكن يتوقعها، ما قد يتجاوز الأهداف المعلنة بالسيطرة على المنطقة شرقي سكة حديد الحجاز.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024