مليشيا الرضا: الحساسية المزدوجة من النظام و"حزب الله"

المدن - عرب وعالم

السبت 2017/04/22
حصلت "المدن" على وثيقة مسربة من "اللجنة الإسعافية المُشكلة لمعالجة وضع أهلنا في حمص" التي يُعتقد أنها تُمثّلُ مليشيا "قوات الرضا" الشيعية العاملة في حمص، والتي تعتبر فرعاً من "حزب الله السوري". وتركز الوثيقة الصادرة في مطلع شباط/فبراير 2017، والمعنونة بـ"خلاصة عمل اللجنة الإسعافية المشكلة لمعالجة وضع أهلنا في حمص على الصعيد العسكري والاجتماعي" على الحساسيات القائمة بين مليشيا "حزب الله" اللبناني والمليشيات الشيعية في سوريا المؤمنة بخط "الولاية" (ولاية الفقيه). حساسيات تجد مكانها في الفوقية التي يتعامل بها "الحجاج اللبنانيون" مع نظرائهم السوريين، و"الغبن" اللاحق بالمليشيا السورية بخصوص رواتب عناصرها ووضعهم الأمني والعسكري والاجتماعي وعدم اعطائها منفذاً إلى الدولة السورية يتناسب مع "تضحياتها".

الوثيقة تلحظ الحرص على تنظيم "أمور تشكيلنا العسكري وتقويته تعزيزاً لانجازاته وتقديراً لتضحياته بما يخدم الخط الوطني المقاوم تحت قيادة الرئيس بشار الأسد الحكيمة مع التمسك بخط الولاية والتضحيات المقدسة لاخوتنا في الحزب ودعم سماحة السيد حسن نصرالله". فـ"الطلبات المحقة والمزمنة" التي تمّ تقديمها لـ"الأخوة في قيادة المنطقة في حزب الله" لم تتم معالجتها رغم "الوعود المتكررة".

ويمكن اختصار الوثيقة بكونها احتجاجاً على المعاملة بمكيالين التي يقوم بها "حزب الله" تجاه المليشيا من جهة، وتظلماً مفتوحاً موجهاً للنظام لعدم اعتبار المليشيا رديفاً حقيقياً لقوات النظام، من جهة أخرى.

أهمية الوثيقة تتعلق بجمع مليشيا "الرضا" بين العقلية الجهادية الشيعية الملتزمة "خط الولاية" وبين الحرص على "الوطن الغالي" و"الجيش العربي السوري" والمطالبة بدور أكبر في "الدولة السورية". هذه الطبيعة المزدوجة التي ترى "مليشيا الرضا" نفسها من خلالها، تعطي الوثيقة أهمية استثنائية وتلقي الضوء على وعي المليشيا الشيعية لذاتها، وفهمها لدورها في مستقبل سوريا.

الزميل مهند الحاج علي كان قد ألقى الضوء على الوثيقة في مقال نشرته "المدن" بعنوان "ماركة إيرانية مسجلة في سوريا" أكد فيها تجاوب النظام مع خلاصات الوثيقة، وصدور قرار عن بشار الأسد باعتبار المليشيا جزءاً من "الجيش السوري" وحصول أعضائها على رواتب ومستحقات وتعويضات لعائلات القتلى مماثلة لما تحصل عليه قوات النظام.

وكانت الوثيقة قد طالبت بـ"بيان مصير التشكيل وهل سيتم تنظيم وضع مجاهدينا وتسوية أوضاعهم وإعطاء التشكيل الصفة الرسمية واعتبار عملهم كعناصر الجيش العربي السوري من حيث الخدمة الإلزامية والاحتياطية وتسوية أوضاع المطلوبين للخدمة الالزامية والاحتياطية والفارين ومعالجة موضوع تبرير الغياب للموظفين والطلاب من عناصر التشكيل...". وكذلك "معالجة موضوع توقيف عناصر التشكيل على الحواجز وسحب البطاقات من دون الرجوع إلى قيادة التشكيل بإصدار قرار من القيادة أسوة بباقي التشكيلات الرديفة للجيش..". و"تسوية أوضاع شهداء التشكيل من مقاتلين وفارين واعتبارهم كالشهداء العسكريين دافعوا عن الوطن وآزروا الجيش العربي السوري من تلقاء أنفسهم وبدافع وطني وإيماني".

وطالبت الوثيقة أيضاً بمعالجة وضع المطلوبين والموقوفين من التشكيل لدى الجهات الأمنية والاهتمام بموضوع المخطوفين والمفقودين "حيث لوحظ تحرير عدد كبير منهم من الطوائف الكريمة الأخرى ولم يتم تحرير أي مخطوف أو مفقود من أهلنا أثناء المصالحات والتسويات التي أجرتها وزارة المصالحة". المليشيا طالبت بوجود "مندوب لنا من حمص في الوزارة لمتابعة هذه القضايا".

وذكرت الوثيقة أن الراتب الشهري المتفق عليه للعناصر عند بداية التشكيل كان من 400-600 دولار، لكن ما يحصلون عليه فعلياً هو 80 دولاراً، لذا طالبت بـ"الاهتمام بالموضوع المادي والدعم للمجاهدين وتأمين الجرحى وعائلات الشهداء بشكل يقرّب الفرق بينهم وبين الأخوة اللبنانيين.... لوقف التسرب الكبير إلى التشكيلات الأخرى".

التظلم حول دور الحزب اللبناني بدا واضحاً في البند الثامن من الوثيقة بالقول: "اعطاء الكفاءات من القيادات السورية دورها التنفيذي في القيادة العسكرية والميدانية واختبار مستواها والمشاركة في القرار وإعادة النظر في موضوع الفصل والاستقطاب والعودة إلى العمل والمشاكل الناجمة عن هذه الأنظمة التي لا تتناسب مع الحالة الاجتماعية المعيشية لأهلنا في سوريا وأن يبقى دور الحزب الاشراف والمشورة والتوجيه وبيان ود العلاقة بين القيادات السورية والأخوة الحجاج والاتفاق على نظام واحد يطبق على الجميع ومكتب تنظيمي لحل قضايا الخلاف ضمن التشكيل (سوريين ولبنانيين) يخضع له الجميع دون استثناء وبشكل منصف".

البند التاسع لحظ ضرورة "وجود مندوب سوري على مستوى القيادة في وزارة الدفاع وكافة الوزارات والمؤسسات لمتابعة الطلبات المقدمة من عناصر التشكيل.." وكذلك "ضرورة وجود مندوبين لنا في الفروع والشعب الأمنية لمتابعة القضايا المتعلقة بعناصر التشكيل".

البند العاشر أوضح طبيعة الخلافات بين الحزب اللبناني وفرعه السوري بالقول: "الاهتمام بموضوع الثقافة الجهادية حيث أن الملف بحاجة إلى رؤية خاصة تتناسب مع وضع بلدنا ووضع علماء حمص. فليس كل ما يطبق بلبنان يمكن أن يطبق بسوريا لاختلاف الظروف والثقافة ونرى العمل على زيادة عدد الدورات ونوعيتها مما يؤدي إلى نشر الوعي الإيماني والعقائدي والتمسك باخلاق ونهج الولاية للدفاع عن وطنهم الغالي".

ومن بين السطور يمكن استنتاج أن الفوقية التي يتعامل بها "الحجاج اللبنانيون" تنبع على ما يبدو من موقعهم العقائدي المتقدم بالنسبة إلى أعضاء التشكيل السوري الشيعي، والذي يضم في الوقت نفسه متشيعين علويين وغيرهم. البند العاشر طالب بـ"الاعتماد على العلماء السوريين" على أن "يكون دور العلماء اللبنانيين هو الاشراف والتوجيه والنصح... ما يزيد الثقة والترابط بين علماء الدين السوريين والأرضية الشعبية وينبغي إعطاء علماء الدين في حمص دورهم في الثقافة الجهادية ليكونوا نواة لعمل مؤسساتي مستقبلي ولا تقتصر المسؤولية على علماء الدين اللبنانيين حفظهم الله".

الحساسية مع دور "حزب الله" المهيمن في سوريا على حساب المليشيا المحلية، لا تلبث أن تتبخر عندما استقوت المليشيا على الدولة السورية مستعينة بالحزب كما يظهر في البند 12: "دعم المطالب الخدمية لأهلنا بوصول ممثلين لهم إلى مفاصل الدولة وكافة الدوائر الرسمية أسوة بباقي الطوائف وبدعم من الأخوة في حزب الله توازياً مع التضحيات التي قدمها أهلنا وحقنا في التمثيل كبقية الطوائف.. وتعيين عدد مناسب من أعضاء مجلس محافظة حمص ومجلس المدينة من ذوي الكفاءات وأخذ الرأي وإعادة النظر بالمعينين بالبلديات والشعب والفرق الحزبية". قائمة المناصب والمواقع التي تطالب بها المليشيا تتوسع سريعاً: "تعيين عضو مكتب تنفيذي واحد بالمحافظة وآخر في مجلس المدينة وعضو في قيادة فرع حزب البعث وتعيين مدير عام لإحدى المديريات الأساسية في المحافظة: التربية، الخدمات الفنية، الكهرباء المياه.. تعيين عدد مناسب من أعضاء مجلس الشعب عن محافظة حمص وتعيين أحد الكوادر بمنصب مستحق في إحدى الوزارات التنفيذية...".

رغبة المليشيا بحصر تمثيل الشيعة في حمص بها، تجد صداها أيضاً في البند 13: "دعم ترخيص الإدارة المركزية بحمص تحت مسمى مؤسسة اجتماعية (هبة الخير) كونها أصبحت معروفة على مستوى المحافظة لتكون الحاضن القانوني الذي يتعامل مع مؤسسات الدولة..".

البند 14 يحمل من الكوميديا ما لا يمكن اغفاله بعد كل ذلك الحديث الطائفي السابق، فيطالب بـ"السعي ودعم تأسيس حزب سياسي غير طائفي يدعم الخط الوطني المقاوم...".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024