مليشات النظام تُعدِمُ بدوياً ثانياً: السعي للاقتتال الدرزي/البدوي

يامن الشوفي

الجمعة 2018/09/14
عثر أهالي السويداء، فجر الجمعة، على جثة منصور جميل الربيدان، وهو من عشائر بدو السويداء، مرمية في ساحة دوار المشنقة، بعد قتله بطلق ناري في رأسه. وأرفقت الجثة بورقة كتب عليها اسمه، وتهمة منسوبة له باشتراكه في هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" على السويداء في تموز/يوليو.

وقبل ساعة واحدة، وجد الأهالي أيضاً طفلة لا يتجاوز عمرها 6 شهور، وحيدة في ساحة الفرسان، فنقلت إلى الشرطة، قبل أن يأخذها أحد المواطنين لرعايتها. وتبين لاحقاً أن الطفلة هي ابنة القتيل الربيدان، التي اختطفت معه ومع زوجته رعيده عفيس الشرفات، مطلع آب/أغسطس، بالقرب من بلدة المشنف شرقي السويداء. وتبنت عملية الخطف حينها مليشيا مجهولة تطلق على نفسها اسم "الغيارى". وادعت "الغيارى" حينها أن زوجة الربيدان هي شقيقة عيد عفيس، الذي اتهمته المليشيا بأنه "الداعشي" الذي قطع رأس الشاب مهند ابو عمار، من مخطوفي الدروز لدى "داعش".

ونشرت المليشيا حينها صوراً في مواقع التواصل الاجتماعي توضح تعرض الربيدان لعمليات تعذيب وحشية، وصورة لزوجته مكبلة وخلفها طفلتها. ثم نشرت مقاطع مصورة فيها اعترافات متناقضة للربيدان وزوجته، منتزعة تحت التعذيب، قالت فيها الزوجة التي لا يزال مصيرها مجهولاً، إن شقيقها عيد هو من ذبح مهند أبو عمار. الزوج الذي كانت اعترافاته متناقضة، قال في أول فيديو، إن الدواعش ابلغوه بيوم الهجوم وخاف على حياته من أن ينذر أهالي السويداء. وفي المقاطع اللاحقة، زعم أنه اشترك في الهجوم على قرى رامي والشبكي وأمن دعماً لوجستياً للدواعش.

مصادر "المدن" أكدت أن الربيدان، هو راعٍ لمواشي أهالي بلدة المشنف، وقد التزم بيته المعروف لدى أهالي البلدة يوم الهجوم، كما استبعد معظم الأهالي أن يكون داعشياً.

"شبكة أخبار عشائر بدو السويداء" نشرت بياناً لعشيرة الربيدان، قبل أيام، بالتزامن مع اعترافات منصور، وشككت فيه العشيرة بالاعترافات المنتزعة منه، وقالت إنه شاب بسيط ولديه مشكلة عقلية، وهو راعٍ للأغنام في قرية المشنف منذ مدة طويلة. العشيرة أكدت أنه في حال ثبوت قيام منصور بأي عمل سيء، أو انتماء لجهة خارجة عن القانون، فهي متبرئة منه، وطالبت بمحاكمته أمام القانون.

مليشيا "الغيارى" رفضت تسليم الربيدان للقضاء، رغم أن غالبية أفرادها منتسبين لأجهزة النظام الأمنية، بعقود مدنية، كما رفضت تدخل لجنة مستقلة من العشائر والدروز للتأكد من اعترافات المتهم. المليشيا نصّبت ذاتها قاضياً ومحامياً وجلاداً، وقتلت منصور بعدما تخلصت من طفلته في الشارع، ولم تكشف بعد عن مصير زوجته.

ومع موجة الاستياء الواسعة في مواقع التواصل الاجتماعي ضد المليشيا واتهامها بارتكاب الجريمة لإثارة فتنة درزية/بدوية في السويداء، حذفت المليشيا مقاطع فيديو لاعترافات الربيدان من صفحتها في "فيسبوك"، في محاولة للتهرب من الجريمة، أو للتحريض وفق أوامر أمنية ضد الفصائل المحلية واتهامها بالجريمة.

مصادر "المدن" أكدت أن عيد عفيس، الذي بنت المليشيا تمثيليتها على أنه الداعشي الذي قطع رأس مهند أبو عمار، ينحدر من عشيرة الشرفات في بادية السويداء، وغادر إلى درعا بعد سيطرة "داعش" على البادية عام 2014، وانضم هناك لفصائل المعارضة. وبعد سيطرة النظام على درعا، قبل شهور قليلة، هرب مع عائلته إلى مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية. مصادر "المدن" نفت أن يكون عفيس قد انتمى لتنظيم "داعش". وبذلك، تشير جميع المعطيات في الحادثة إلى أن المليشيا لفقت التهمة للربيدان وزوجته، وأصرت على قتله رغم الوساطات من وجهاء المحافظة التي طالبتها بتحقيق عادل ومستقل.

محافظة السويداء شهدت انتهاكات واسعة ضد عشائر البدو، ومنها قطع رأس شخص من عشيرة النادر ورميه في باحة مسجد المقوس، مرفقاً بعبارة "هذا مصير كل بدوي في السويداء"، بعد عجز عائلته عن دفع فدية بـ8 ملايين ليرة سورية. المجموعة التي خطفت النادر وأعدمته تتبع لـ"المخابرات الجوية" ويتزعمها ف.س الذي طُرِدَ سابقاً من "قوات شيخ الكرامة" بسبب "خروجه عن مبادئ التشكيل" بحسب البيان الصادر حينها.

مطلع آب/أغسطس قُتل بسام شهاب الحمد، من عشائر السويداء على يد ج.ح من عناصر "المخابرات الجوية" قرب بلدة عرى، بعدما اشترى أسلحة وذخيرة من الحمد.

حالة التوتر في السويداء مرتبطة بشكل مباشر بملف النساء والأطفال المختطفين لدى "داعش"، والذين ظهروا قبل يومين في تسجيل مصور قالت فيه المختطفة رسمية أبو عمار، إن روسيا والنظام السوري لا يفعلون أي شيء من أجلهم، مناشدة كل من يشاهدها بالعمل على إطلاق سراحهم. نجيب أبو فخر، المطلع على المفاوضات، بحسب قوله، قال إن تصوير الفيديو جاء بناءاً على طلب لجنة التفاوض الأهلية، ليكون دليلاً على "جدوى متابعة المفاوضات"، بعد مرور فترة طويلة على انهيار الاتفاق الخامس لتحرير المختطفين. وأضاف أبو فخر: "لم يتحقق نجاح أية جهود لتحريك الملف بعدما زادت حدة العناد لدى جميع الأطراف القادرة فعلاً على الحل أو التأثير"، ولم يُحدد هذه الأطراف، مشيراً إلى أن "أبرز الجهات التي لا تريد التوصل إلى حل هي تنظيم داعش"، وأضاف أن "الروس لم يتدخلوا حتى الساعة بمسار التفاوض أبداً، وانحسر دورهم مؤقتاً كطرف ضامن لتنفيذ اتفاقات انهارت سابقاً".

مدير "شبكة السويداء 24" نور رضوان، قال لـ"المدن"، إن النظام يرفض تحقيق شروط التنظيم حتى اليوم لإطلاق سراح المختطفين، موضحاً أن "داعش" لا يزال مصراً على إطلاق سراح قسم من معتقليه الرجال والنساء، والافراج عن جثث لمقاتليه، ومبالغ مالية، مقابل إطلاق سراح المختطفين. وهذه الشروط مرتبطة بالنظام، وهو قادر على تحقيقها. ولجان التفاوض في السويداء، بحسب رضوان: "لا تملك قدرة التأثير على شروط التنظيم أو على النظام لتلبيتها على أقل تقدير، لذلك الملف مرهون بيد النظام السوري ومن خلفه روسيا".

النظام يماطل لتحقيق شروط التنظيم وإطلاق سراح المختطفين، وهو ذاته من نقل الدواعش إلى بادية السويداء، ولم يتخذ أي اجراءات لحماية المدنيين في المنطقة قبل الهجوم الدموي على قرى السويداء الشرقية. ثم بدأت مليشيات النظام بارتكاب جرائم قتل ضد مدنيين من العشائر. ويدل ذلك على أن النظام هو الطرف الذي يسعى لافتعال اقتتال داخلي؛ درزي/بدوي، لاضعاف الجميع في السويداء، التي لم تشارك في الثورة وتجنبت الحرب، ما يُسهّل للنظام السيطرة عليها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024