تركيا التي تكسب معركة شرق المتوسط الاستراتيجية

ياسر هلال

الأحد 2021/04/18
بتاريخ 12  نسيان/أبريل، وصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا على رأس وفد يضم 14 وزيراً، وشارك مع الرئيس رجب طيب أردوغان في اجتماع المجلس الليبي التركي للتعاون الاستراتيجي. وأعلن تمسك بلاده بالاتفاقيات الموقعة مع تركيا خاصة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، إضافة إلى توقيع المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية.
في اليوم ذاته وصل وزير الخارجية اليونانية نيكوس ديندياس إلى مدينة بنغازي ليجتمع مع رئيس البلدية ونائب رئيس الحكومة حسين القطراني، قبل أن "يسافر" إلى طبرق للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. أما نظيرته الليبية فكانت في عداد الوفد إلى تركيا. وجاءت الزيارة بعد أسبوع واحد على زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس للعاصمة طرابلس. وأكد المسؤولان معارضتهما لاتفاقية ترسيم الحدود التركية الليبية وعرضا استعداد بلادهما لاستئناف مفاوضات ترسيم الحدود بين اليونان وليبيا.
ومن المفيد لاستكمال سوريالية الصورة، إضافة الاتصال الهاتفي "الإنساني" للتهنئة بحول شهر رمضان بين وزيري الخارجية في مصر وتركيا، والذي يعكس التقارب المتصاعد بين القاهرة وأنقرة، ويفسر موقف مصر الذي بدأ يميل إلى الحياد في النزاع التركي اليوناني. وذلك في ضوء الابتعاد التدريجي لتركيا عن اعتماد الإخوان المسلمين كوسيلة لتعزيز نفوذها الاقليمي لصالح التعاون الاقتصادي وتكريس نفوذ إقليمي يقوم على المصالح المتبادلة، مع التمسك دائماً بهدف مركزي هو تعديل بنود اتفاقية لوزان المتعلقة بالمياه البحرية، وكذلك اتفاقية مونترو المتعلقة بالمضائق إذا أسعفتها تحالفاتها الدولية، وإذا نجحت مناورة شق قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة. 

تعاون وترسيم حدود 
من دون التسرع بالاستنتاج، فإن زيارة الوفد الليبي إلى تركيا حملت دلالتين مهمتين الأولى تتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، حيث تمت دعوة الشركات التركية إلى استكمال تنفيذ مشاريعها المتوقفة في ليبيا. إضافة إلى توقيع خمس 5 اتفاقيات شراكة في مجالات مختلفة شملت إنشاء 4 محطات كهرباء وبناء مبنى جديد للركاب في مطار طرابلس.
أما الدلالة الثانية وهي الأهم طبعاً، فتتعلق بإعلان التمسك باتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وهو ما أكده الدبيبة خلال مؤتمر صحافي مع أردوغان بقوله: "الاتفاقيات الموقعة مع تركيا وخاصة تلك المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، تقوم على أسس صحيحة وتخدم مصالح بلدينا". ولاقاه في هذا الموقف رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بتأكيده على "احترام ليبيا لما تم الاتفاق عليه مع تركيا وأنه ستتم المحافظة على المصالح المشتركة للبلدين خلال فترة عمل المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية".

اتفاقية تغير قواعد اللعبة
شكلت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا الموقعة في 27 تشرين الثاني نوفمبر 2019، تغييراً لقواعد اللعبة في شرق المتوسط، فقد انطلقت تركيا في ذلك الترسيم من اعتبار جزيرة كاستيلوريزو (مايس) بالتركية المتنازع عليها مع اليونان والتي تبعد 2 كلم عن البر التركي.
خريطة بحرية تركيا ليبيا
وهو ما يسمح بإبرام اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع ليبيا  والتي تؤدي بالتالي إلى تغيير جذري في الحدود البحرية، بل في الوضع الجيوسياسي لمنطقة شرق المتوسط على النحو التالي: 
* تزيد المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا من حوالي 41 إلى 145 ألف كلم مربع، يتم اقتطاعها من المنطقة اليونانية في بحر إيجة والبحر المتوسط. ولكن الأهم أنها تجعل مدن مرمريس وفتحية وكاس التركية متقابلة (جارة) لمدن درنة وطبرق وبردية في ليبيا. ما يسمح بالتالي برسم الجرف القاري لكلا الدولتين بناء على مبدأ خط الوسط. وبدون إعارة أهمية للجزر وبخاصة جزيرة كريت التي تعتمدها اليونان كخط أساس لتحديد مياهها البحرية، فيصبح لها مياه إقليمية ومنطقة اقتصادية خالصة.
* تجعل تركيا وليبيا الممر الإلزامي لأي خط أنابيب من شرق المتوسط إلى أوروبا، وهو ما أكده الرئيس التركي بشكل مباشر بعد توقيع الاتفاقية بقوله "ان تنفيذ خط أنابيب الغاز إلى أوروبا، بات بحاجة إلى التفاوض مع تركيا"
* تعيد حوالي 39 ألف كلم2 إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة الليبية، وهي المساحة التي أعلنت حكومة الوفاق أن اليونان ألحقتها بمنطقتها الاقتصادية مستغلة الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، وتم إبلاغ الأمم المتحدة بعدم الاعتراف بالترسيم اليوناني باعتباره عملية "اغتصاب للمياه البحرية الليبية". 
* يشكل إيداع الاتفاقية لدى الأمم المتحدة كابوساً دائماً لليونان لأنه يحرمها من استغلال مكامن النفط والغاز في ما تعتبره منطقتها الاقتصادية، لأنها تصبح منطقة متنازع عليها بموجب قانون البحار. كما تشكل الاتفاقية مكسباً وطنياً لا يمكن لأي حكومة أو جهة سياسية ليبية التفريط به. 
* تشير بعض التقارير الغربية إلى أن اعتماد الترسيم التركي يؤدي تلقائياً إلى استعادة مصر لحوالي 15 ألف كلم2 من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص واليونان، وهو ما يفسر الموقف المصري المحايد ظاهرياً والمؤيد لتركيا ضمناً. 

اليونان: حصر الأضرار 
التحرك اليوناني المدعوم من فرنسا، يبدو أنه يستهدف حصر الأضرار المتوقعة ومحاولة الضغط على ليبيا لإلغاء الاتفاقية مع تركيا، والتي وصفها وزير الخارجية اليوناني ديندياس، "بالاتفاقية غير القانونية التي  أبرمتها حكومة الوفاق". وأيده في ذلك رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح الذي شكك بشرعية الاتفاقية لأن مجلس النواب لم يصادق عليها، علماً ان المجلس كان قد وجه كتاباً إلى الأمم المتحدة بعد توقيع الاتفاقية مطالباً بعدم تسجيلها، ولم تتم الموافقة على الطلب "لأن الاتفاقية لا تخالف قانون البحار، ولا تمس حرمة حدود الدول المعنية"، كما أعلنت الأمم المتحدة. 
ولكن يبدو أن المسعى اليوناني لن يكتب له النجاح في ظل التسوية السياسية في ليبيا التي تترسخ يوماً بعد آخر. وفي ظل توجه السلطة الجديدة في ليبيا للاستفادة من مناخ التقارب بين القاهرة وأنقرة لتقوية موقفها في المفاوضات المرتقبة مع اليونان لإعادة ترسيم الحدود البحرية. حيث سيقوم رئيس المجلس الرئاسي بزيارة قريبة لليونان لبحث تشكيل لجنة ليبية – يونانية لبحث قضية الحدود البحرية، في حين أعلن رئيس الحكومة أهمية أن "يسهم أي اتفاق في حفظ حقوق ليبيا واليونان وتركيا" 

هل تتراجع اليونان؟
وكان لافتاَ في هذا السياق تضمن البيان الصادر عن اجتماع التعاون الاستراتيجي المطالبة في انقرة المطالبة "بعقد مؤتمر للحوار بين دول شرق المتوسط بهدف ضمان حقوق جميع الأطراف". وهو ما رأت فيه مصادر متابعة إعادة تموضع تركيا على خريطة شرق المتوسط، وربما بمباركة مصرية غير معلنة ما يشكل مقدمة لدخولها في منتدى غاز شرق المتوسط مستقبلاَ. 
هل تتراجع اليونان عن مواقفها المتصلبة والاعتماد على دعم بعض الدول الأوربية وتتجه إلى تقديم بعض التنازلات للتوصل إلى تسوية؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024