الدواعش الأجانب: نحو المحاكمة في العراق؟

المدن - عرب وعالم

الإثنين 2019/02/11
مع اقتراب الفصول الأخيرة لتنظيم "الدولة الإسلامية" المُحاصر في جيب صغير شرقي نهر الفرات، بات مقاتلوه الأجانب المحتجزين لدى "قوات سوريا الديموقراطية"، يُمثّلون معضلة، وسط مناشدات لبلدانهم بغرض استعادتهم ومحاكمتهم.

خلال الشهرين الأخيرين، ومع تكثيف "قسد" هجومها، فرّ المئات من المشتبه بانتمائهم إلى "داعش" مع النساء والأطفال. وبعد تحقيق أولي، وأخذ بصمات في مكان مخصص للفرز قرب خطوط الجبهة، تنقل "قسد" الرجال إلى مراكز احتجاز، وأفراد عائلاتهم إلى مخيم مخصص لهم في الحسكة. ويصعب على الصحافيين والجهات الحقوقية التواصل معهم.

وتدفع الولايات المتحدة بعد قرارها الانسحاب من سوريا، البلدان الأصلية لإعادة مواطنيهم السجناء لدى "قسد". وكانت فرنسا إلى وقت قريب تعارض عودة الجهاديين الفرنسيين إلى أراضيها بعدما شهدت هجمات تم التخطيط لها أحياناً في سوريا.

وأعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، من بغداد قبل يومين، أنه يجب "تجنب هروب عدد من الجهاديين". لكن بعض أقارب ضحايا اعتداءات في فرنسا يعتبرون أن إعادة هؤلاء إلى البلاد أمر لا يمكن تصوّره.

محمد علي

يقول المقاتل الكندي محمد علي، المعتقل لدى "قوات سوريا الديموقراطية"، إنه وعلى غرار بقية المقاتلين الأجانب في تنظيم "الدولة الاسلامية" متروكون لمصيرهم. وناشد علي كندا التدخل لمساعدته، بحسب "وكالة فرانس برس".

وتعتقل "قسد"، محمد علي، 28 عاماً، منذ 9 أشهر في أحد مراكزها في مدينة الحسكة، بعدما ألقت القبض عليه أثناء محاولته الفرار إلى تركيا مع زوجته الكندية وطفلتيه. وانضم علي إلى "الدولة الاسلامية" في العام 2014، متخذاً اسم "أبو تراب الكندي". ويوضح أنه منذ اعتقاله تم استجوابه من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ومسؤولين من وزارة الدفاع الأميركية، من دون أن يزوره أي مسؤول كندي.

ويقول علي: "في كل مرة يتم اصطحابي إلى استجواب أو مقابلة، آمل أن يكون ذلك مع شخص من الحكومة الكندية، شخص يمكنه أن يشرح (لي) وضعي ويمنحني القليل من الأمل". ويضيف وهو يرتدي عباءة رمادية وقبعة من الصوف: "حتى الآن لم يحصل ذلك" متابعاً "لا مكان آخر لي أذهب إليه. كيف يمكنهم أن يتركونني وأنا أقبع هنا بهذا الشكل كما لو أنني قيد النسيان؟".

وأعلنت وزارة الخارجية الكندية فتح قنوات اتصال مع السلطات في "قسد"، من دون التوصل إلى اتفاق بشأن ترحيل مواطنيها. وتفيد بيانات منظمة "عائلات ضد التطرف العنيف" غير الحكومية التي تتابع ملف المقاتليين الكنديين، عن وجود 25 كندياً محتجزين لدى "قسد".

لم يتردد علي خلال المقابلة، في تكرار إشارته الى أنه "مرهق"، وكثيراً ما كان يلتزم الصمت قبل أن يدلي بأي إجابة. ولدى سؤاله عن سبب قدومه إلى سوريا، يوضح أن هدفه كان قتال نظام بشار الأسد. بعد وصوله، عمل لمدة أربعة أشهر في وزارة النفط التابعة للتنظيم، والتي شكلت مصدر إيرادات مادية كبيرة، انطلاقاً من خبرته السابقة في كندا، حيث كان يعمل في قطاع النفط، كما يقول.

وفي الوقت ذاته، استخدم حساباً بارزاً في "تويتر" لدعوة الأجانب للانضمام إلى صفوف التنظيم، لكنه يشدد على أنه لم يكن يوماً جزءاً من طاقم الآلة الدعائية للتنظيم. ويقرّ علي أنه أمضى السنوات الثلاث اللاحقة كمقاتل ومدرب، إلا أنه يؤكد رفضه دوماً الاوامر باطلاق النار على المدنيين.

ويوضح علي أنه بدأ التشكيك بصحة قراره بالانضمام إلى التنظيم في أواخر العام 2016، مع بدء خسارته للمناطق تحت سيطرته وانقلابه ضد الأجانب، بمن فيهم صديقه الهولندي الذي جرى اعدامه. ويشرح: "يشعر الأجانب بأنهم قد تُركوا وحيدين لمواجهة مصيرهم، وبأنه جرى استخدامهم واستغلالهم".

ويروي الشاب الكندي كيف دفع أموالاً لمهرب مقابل اصطحاب عائلته من محافظة دير الزور شرقاً إلى الحدود التركية، حيث كان يخطط للتوجه إلى السفارة الكندية في أنقرة قبل أن يتم توقيفهم من قبل "قسد". ومنذ اعتقاله، يقول علي إنه لم يتمكن من التحدث إلى زوجته أو ابنتيه أو عائلته في كندا.

ويقول إنه لا يمانع قضاء فترة عقوبته في كندا، مُصرّاً على وجوب عدم تصنيفه في الفئة ذاتها التي يُدرج فيها ألكسندر أمون كوتي، والشافعي الشيخ. والأخيران هما الناجيان الوحيدان من وحدة ضمت أربعة مقاتلين مارست التعذيب بحق صحافيين وآخرين إضافة الى قطع الرؤوس، وهما معتقلان لدى "قسد".

محاكمة في العراق؟

ولتجنب مسألة إعادة الجهاديين إلى بلدانهم وسط استحالة محاكمتهم في سوريا، تعرب عائلاتهم ومدافعون عن حقوق الإنسان، عن قلق كبير إزاء إمكانية أن تجري محاكمة هؤلاء في العراق، كما حدث للفرنسي لحسن قبوج.

ومسألة محاكمة هؤلاء في سوريا ليست بالسهلة، خصوصاً على الصعيد القانوني، إذ أن "الإدارة الذاتية" الكردية ليست دولة، والعلاقات الدبلوماسية بين معظم العواصم الغربية والنظام في دمشق مجمدة.

وهناك أكثر من ستين فرنسياً بالغاً، سجناء لدى "قسد" في سوريا، وفقا لمصادر فرنسية. عضو "مجموعة العائلات المتحدة" فيرونيك روي، قالت إن محاكمتهم في العراق "سيكون مأساوياً".
في حين تؤكد بلقيس ويلي من "هيومن رايتس ووتش" لـ"فرانس برس"، أنه بمجرد وصولهم إلى العراق "هناك خطر أن يتعرضوا للتعذيب وأن يخضعوا لمحاكمات غير عادلة".
وتضيف أن القوات الأميركية سبق أن قامت "في خمس حالات على الأقل (...) بتسليم معتقلين أجانب إلى قوات مكافحة الإرهاب العراقية".

وفي العراق، قوات مكافحة الإرهاب هي المسؤولة عن عمليات التحقيق والاستجواب قبل المحاكمة، لتستقي ما أمكن من معلومات عن تنظيم "الدولة الإسلامية".

وإلى جانب قبوج، نقل الأميركيون من مناطق سيطرة "قسد" في سوريا إلى العراق، أسترالياً، ولبنانياً حُكِمَ عليه بالإعدام.

وأمام المحاكم في بلدانهم، يمكن لمحامي المقاتلين أن يزعموا أن موكليهم اختطفوا في سوريا. وبالتالي، فإن محاكمتهم في العراق تضمن للبلدان الأصلية عدم إثارة هذه النقطة، بحسب ما يؤكد مراقبون، مستندين إلى حالات قبوج وآخرين.

وتشير مصادر إلى أن إجراء محاكمات في بغداد، ستضمن لدول المقاتلين المفترضين الأصلية، أحكاماً أشد بكثير من المحاكم الغربية.

وبحسب مصادر قضائية عراقية، حكمت محاكم بغداد على أكثر من 300 من المقاتلين، بينهم مئة أجنبي، بالإعدام أو السجن مدى الحياة، بتهمة الانتماء إلى "داعش".

مصالح متبادلة

وفيما لا يزال الصمت عنوان السلطات السياسية والقضائية العراقية، يؤكد الخبير في الحركات الجهادية هشام الهاشمي لـ"فرانس برس" أن كل شيء تم التفاوض عليه "على أعلى مستوى من السرية"، لافتا إلى اتفاق مرضٍ للطرفين. فمن جهة، لا يتعين على البلدان الأصلية التعامل مع عمليات عودة صعبة أو إجراء محاكمات علنية تثير ضجة لدى الرأي العام. من جهة أخرى، ستزود تلك البلاد العراق "بأسلحة متطورة ومعدات عسكرية ثقيلة"، بحسب الهاشمي، المطلع على تفاصيل السياسية والأمنية العراقية.

ولكن "كيف يمكن تبرير اختصاص المحاكم العراقية؟" لمحاكمة أشخاص "صادرة بحقهم مذكرات اعتقال في فرنسا" على خلفية أفعال ارتكبت على الأراضي السورية، يتساءل المحامي فنسان برنغارث، المسؤول عن ملفات عدد من الفرنسيين الموجودين في سوريا، وبينهم مارغو دوبروي.

ويسمح قانون "مكافحة الإرهاب" العراقي بتوجيه الاتهام الى أشخاص غير متورطين بأعمال عنف، لكن يشتبه في تقديمهم مساعدة للمقاتلين. وينص على عقوبة الإعدام بتهمة الانتماء الى الجماعات الجهادية حتى لغير المشاركين في أعمال قتالية.

وفي هذا الإطار، يقول الهاشمي إن القضاة العراقيين يمكنهم الاستناد إلى تلك النقطة، إذ إن "العراق يحاكم كل من مر بأراضيه، حتى ولم يقاتل في البلاد بل كانت معبرا له للدخول إلى سوريا". ويمكن لذلك أن يثير قلق مئات الأجانب، إذ إن دولة "الخلافة" كانت يوما تمتد على مساحات شاسعة من العراق إلى سوريا، بحسب قوله.

روسيا ترحل أطفال جهادييها

ونظمت روسيا، الأحد، عملية ترحيل جديدة من بغداد لـ27 طفلاً روسياً، تُحتَجَزُ أمهاتهم في العراق بتهمة الانتماء إلى "داعش"، بحسب "وكالة تاس" الروسية.

وقالت إن الاطفال وصلوا مساء الاحد الى مطار رامنسكوي قرب موسكو، في طائرة من نوع اليوشين-76 تابعة لوزارة الحالات الطارئة. وقتل آباء هؤلاء الأطفال خلال ثلاث سنوات من المعارك بين "داعش" والقوات العراقية، التي أعلنت "الانتصار" على التنظيم في نهاية العام 2017.

وأكدت المندوبة الروسية لحقوق الطفل الخبر، بحسب "وكالة تاس"، وقال مكتبها الصحافي إن الأطفال "تراوح أعمارهم بين 4 و13 سنة، وهم ينحدرون من عشر مناطق روسية مختلفة".

وكانت روسيا قد أعلنت في 30 كانون الأول/ديسمبر، إعادة 30 طفلا روسيا من بغداد إلى موسكو. وفي بداية كانون الثاني/يناير، أعلن الكرملين أن 115 طفلا روسياً ما دون العشرة أعوام، وثمانية أطفال بين 11 و17 عاما، ما زالوا في العراق.

ولا يسمح القانون العراقي للنساء المحكومات، بالاحتفاظ بأطفالهن بعد بلوغهم ثلاث سنوات.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أكد في كانون الأول/ديسمبر أن العمل جار لإعادة هؤلاء الأطفال.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قالت الناشطة الشيشانية خيدا ساراتوفا إن هناك "أكثر من ألفين منهم في سوريا والعراق"، مشيرة إلى عودة نحو 100 امرأة وطفل معظمهم من منطقة القوقاز إلى روسيا.

وكان آلاف من الروس توجهوا إلى سوريا والعراق في السنوات الأخيرة للانضمام إلى صفوف الاسلاميين، بحسب تقديرات أجهزة الأمن الروسية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024